لنخرج إسرائيل من السياسة الأميركية !
تعترف إسرائيل صراحة بأنها تتحكم في أفعال الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط ، وباهى زعماؤها ب " سهولة التأثير " على حكومة الولايات حين يتعارض موقفها مع موقف اللوبي الإسرائيلي . وما من سر حول مدى استعمال هذا اللوبي للمال لشراء النفوذ ، ثم استعماله في كسب القوة الحقيقية التي تستعمل تاليا في توظيف كل مصادر حكومة الولايات المتحدة في مؤازرة الدولة اليهودية . وباهى الأميركي الإسرائيلي حاييم سابان المانح الرئيس للحزب الديمقراطي مرة بأنه رجل القضية الواحدة ، وأن هذه القضية هي إسرائيل . وهذا التركيز الأحادي لدعم مصالح إسرائيل على حساب مصالح الولايات المتحدة يجعل اللوبي الإسرائيلي أكبر لوبي أجنبي في السياسة الخارجية في واشنطون ، ويذكرنا بالتحذير الذي أطلقه يوما الرئيس جورج واشنطون في خطبة الوداع حين قال : " لابد من استبعاد الكره المتأصل الدائم لأمم بالذات ، واستبعاد التعلق المولع بحب أمم أخرى . ولابد من أن نغرس بدلا منهما مشاعر العدل والحب لجميع الأمم . إن الأمة التي تكره أمة كرها دائما ، أو تحب أمة حبا دائما هي بدرجة ما أمة عبيد " . واكتمل عرض الاحتقار الذي يكنه الإسرائيليون وأنصار إسرائيل في الولايات المتحدة للأميركيين الآخرين ولمصالحهم حين طار الجاسوس الإسرائيلي المدان جوناثان بولارد إلى " الوطن " ، والتقى نتنياهو حالما هبط من طائرة خاصة غادرت نيو وارك في نيوجرسي ليستقبل في إسرائيل استقبال الأبطال . بولارد أخطر جاسوس في التاريخ الأميركي لسرقته مفاتيح الوصول إلى نظم الاتصالات وجمع المعلومات في الولايات المتحدة ، وكان من غير المحتمل ترشيحه ليكون محللا في مخابرات بحريتها ، وجزم أحد مكاتب الفحص بأنه عين في ذلك العمل بضغط من لجنة الشئون العامة الإسرائيلية الأميركية ( إيباك ) . وأعلن مدير السي . آي . إيه وليم كيسي بعد القبض عليه في 1985: "استخدم الإسرائيليون بولارد للحصول على كل خططنا الحربية ضد الاتحاد السوفيتي : خطط التنسيق ، ومواقع إطلاق الصوريخ ، وتسلسل العمليات . وباعت إسرائيل تلك المعلومات إلى موسكو للحصول على المزيد من تأشيرات الهجرة لليهود السوفيت " . وطبقا لتقييم السي . آي . إيه للضرر الناجم عن أخذ تلك الخطط فإن " نظائر عملية بولارد قليلة بين حالات التجسس المعروفة على أميركا . وتم أول وربما أكبر تسليم للمعلومات في 23 يناير 1984 ، وتألف من خمس حقائب مليئة بمواد المعلومات المصنفة " . وكتب وزير الدفاع كاسبر واينبرجر وجهة نظر في القضية من 46 صفحة ما زالت تصنف حتى الآن محظورة تفصل الضرر الفادح الذي سببه بولارد ،ويقول في جزء من تلك الوثيقة : " اعترف المتهم في هذه القضية بتسليمه كمية هائلة لا تصدق من المعلومات المصنفة إلى مشغليه الإسرائيليين ، ويجب أن أقرر من البداية أن ما كشفه المتهم من معلومات يتخطى إلى حد بعيد حدود أي تبادل رسمي للمعلومات الاستخبارية بيننا وبين إسرائيل . وما دام الأمر هكذا فقد اكتمل ضرر الأمن القومي الأميركي في اللحظة التي سلمت فيها المعلومات المصنفة إلى الإسرائيليين . وأود أن أفصل فأقول إن كل المعلومات التي قدمها المتهم إلى مشغليه الإسرائيليين هي لسوء الحظ من الكبر في حجمها بحيث لا يسمح لأحد بالاطلاع عليها . زد على ذلك أن المتهم يقر أنه قدم إلى مشغليه الإسرائيليين كمية من الوثائق تملأ مكانا مساحته 6 أقدام في عشر أقدام ،وبذلك أضر المتهم بالولايات المتحدة ضررا كبيرا ، وجرائمه في رأيي تستحق عقوبة قاسية . ورأيي المسبق الذي آمل الأخذ به هو استبعاد أي افتراض يرى أن كشف المعلومات إلى بلد حليف لا ضرر منه ،النقيض هو الصحيح ، وهو أن ضررا كبيرا لا سبيل إلى إبطاله قد أصاب هذه الأمة . وبداهة أن العقاب يجب أن يكون معادلا للجريمة ، وفي رأيي أنه ما من جريمة أحق بعقاب قاسٍ من جريمة النشاطات التجسسية ضد وطن الإنسان " . وتمت رحلة بولارد إلى " وطنه " ؛لأن دونالد ترامب فرض رفع قيود السفر عليه قبل الرحلة بأسبوع ، وهذه منة جديدة لإسرائيل . وركع بولارد وزوجته لتقبيل " أرض إسرائيل " قبل أن يسلمه نتنياهو بطاقة هوية إسرائيلية ، ويرحب به . ويمتلك الطائرة النفاثة 737 والفخمة فخامة تليق بمدير تنفيذي كبير التي طار بها بولارد وزوجته ؛ القطب شيلدون أديلسون مالك كازينو لاس فيجاس للقمار ، ومانح المال الرئيس للجمهوريين ولترامب . وأديلسون هذا متزوج من إسرائيلية ، ومشهور عنه قوله إنه لبس زي جيش الولايات المتحدة حين وقعت عليه قرعة التجنيد ، وإنه كان يفضل كثيرا لو خدم بدلا من ذلك في قوات جيش الدفاع الإسرائيلي . وإنه لمن واجبي أن أوضح أن السماح بثنائية الجنسية الوطنية مع أحادية الولاء لأمة أجنبية ، فيكون للثنائي من هذا النوع مثل هذا التأثير الكبير على الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة بفضل ماله وحده ؛ هو وصفة للمصيبة ، الأمر الذي ثبت فعلا . فيم كان يفكر ترامب وهيلاري كلينتون حين كبلا أنفسهما بأديلسون وسابان ؟! أو هل كانا يفكران البتة ؟! لقد أفسد نُصَراء إسرائيل واقعنا السياسي إفسادا واسعا ليصلوا إلى ما وصلوا إليه ، فاشتروا أو أرهبوا كل سياسي مهم بما في ذلك الرؤساء ، وأعضاء الكونجرس حتى العاملين في الولايات والحكومات المحلية . وكل من ينتقد إسرائيل أو السلوك اليهودي الجماعي في مناصرة الدولة الإسرائيلية معرض للاغتيال الشخصي ، والوضع في القائمة السوداء لمل جيبسون وريك سانشيز . ومن يقاومهم يتهم بالعداء للساميين ؛ هذه الورقة التي تستعملها الجماعات الصهيونية استعمالا حرا من كل قيد . وكل من يتصفون بجرأة كافية لانتقاد الإسرائيليين أو الدفاع عن الفلسطينيين يتم استهدافهم . وإذا صدف وكانوا في الكونجرس مثل سينثيا ماكيني وبيت ماكلوسكي وبول فندلي وجيمس ترافيكنت ووليم فولبرايت وتشك بيرسي فإن الإعلام يشيطنهم في البداية ، ثم يوضعون في مواجهة مرشح ممول تمويلا موفورا لإقصائهم من مواقعهم . والنتيجة أنه حين تقتل إسرائيل مدنيين فلسطينيين وتطلق مستوطنيها المسلحين لتدمير حياة هؤلاء المدنيين تشيح حكومة الولايات المتحدة بوجهها جنبا ،وتمطر الدولة الوغدة بالمال لتوالي عملها القذر . ويمتد هذا الفساد إلى الدولة حيث أجازت 26 حكومة أميركية تشريعا يعزز اللوبي الإسرائيلي ، ويحد من الحق في حرية التعبير إذا ما أراد أحد انتقاد إسرائيل ، ويشمل هذا أحيانا إكراه الموظفين تحت التهديد بالطرد على قسم بتأييد إسرائيل ، وتعهد بعدم تأييد أي مقاطعة للدولة اليهودية . إن تدخل إسرائيل وأتباعها المتزلفين لها في شئون الحكم الداخلية للولايات المتحدة يتجاوز إلى حد بعيد تدخل أي بلد آخر في الشئون الأميركية بما في ذلك شيطنة روسيا والصين دون وجه حق . توجَب منذ زمن بعيد التحرر من الطفيلي الإسرائيلي الذي يتغذى على الحكومة والشعب الأميركيين . ولا مصلحة للولايات المتحدة والشعب الأميركي في العلاقة الخاصة مع إسرائيل ؛ تلك العلاقة التي اكتسبت قداستها في قاعات الكونجرس وبتأثير الإعلام اليهودي المسيطر . إن تكلفة تدخل إسرائيل المستمر في النظام السياسي والاقتصادي الأميركي باهظة جدا بمعيار الدولارات وبالمعيار الصحيح للمصالح الأميركية . وثمة أيضا الأزرار الساخنة التي لو كان للولايات المتحدة حكومة فعالة تستجيب للشعب لضغطت على تلك الأزرار منذ زمن بعيد . إن الإف . بي . آي تصنف إسرائيل البلد الصديق رقم واحد في التجسس على الولايات المتحدة ، والقبض على بولارد استثناء ، فالجواسيس الإسرائيليين يُضرَبون عادة في أميركا ضربة خفيفة على الرسغ حين يقبض عليهم ، ولا يواجهون أي مقاضاة . وسمح لعملاء الموساد الذين كانوا " الراقصين السليمانيين " ابتهاجا بانهيار البرجين في 9 / 11 بالعودة إلى " الوطن " . ولم تدفع إسرائيل أي ثمن حقيقي لقصفها الرهيب وضربها بصواريخ الطوربيد للسفينة يو . إس . إس . ليبرتي منذ 53 عاما ، فقتل في الهجوم عليها 34 أميركيا ،وجرح أكثر من 100 . ووقع الهجوم الذي لم يكن له أي موجب البتة في المياه الدولية ، وتستر عليه تاليا الرئيس ليندون بينز جونسون ووزير الدفاع روبرت مكنمارا والكونجرس . شواهم الله في سقر ! وما فتىء الأحياء من بحارة السفينة ينتظرون العدالة . إذن لنعقد العزم جميعا في 2021 لرفع الغطاء عن إسرائيل ! دعوها تدفع قوائم حسابها بنفسها ، وتهتم بدفاعها الذاتي ! والمواطنون الأميركيون الذين يفضلون دولة عِرقها يهودي الديانة لجمهوريتنا الدستورية يجب أن يشعروا بأنهم أحرار في الهجرة منها . وستكون إسرائيل حرة بدون دعم واشنطون في اقتراف الفظائع وجرائم الحرب ضد كل جيرانها إلا أنها دون فيتو الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سترغم على مواجهة عواقب أفعالها . أما غالبيتنا نحن الأميركيين فلن نضطر بعدئذ للاستمرار في تحمل عبء بلد يدير علاقته معنا ببراعة ، ويستغلنا ويكن لنا احتقارا أكيدا في الأثناء . وربما ، ربما يؤدي تحرير الولايات المتحدة من عبء إسرائيل إلى إنهاء كل الحروب في الشرق الأوسط التي كانت واشنطون تشنها رغم حقيقة أن لا أحد يهددنا نحن الأميركيين في المنطقة ، ولا مصلحة لنا من أي نوع في إطالة وجع بقائنا فيها .
*المؤرخ والكاتب يونس ألِكسيس في موقع " v t " الأميركي .
وسوم: العدد 911