هل سألتم قوقاس “بائع الحلوى” كيف أعدمته إسرائيل؟
“حلويات القدس” أغلقت. علق على الباب الحديدي للمحل إعلان لتخليد ذكرى صاحبه عاهد قوقاس، الذي كان افتتحه قبل أقل من شهر في 24 كانون الأول، باحتفال افتتاح متواضع. مر 12 يوماً على فتح محل البقلاوة والكنافة هذا على الشارع الرئيسي في بلدة بيت أمّر إلى أن تم إطلاق النار على رأس صاحبه من قبل مستوطن بوجود الجنود، وتوفي. كان عمره عند وفاته 25 سنة. 12 يوماً من سعادة تحقيق حلم، انتهت مرة واحدة. يقول والد عاهد الثاكل، عبد الرحمن، المقدم في الشرطة الفلسطينية وقائد القطاع الغربي في منطقة رام الله، إنه يفكر بالاستقالة من الشرطة ليكرس حياته للمحل الصغير الذي فتحه ابنه لتخليد ذكراه وتحقيق حلمه.
لم يتم نشر أي شيء في إسرائيل عن قتل قوقاس على أيدي مستوطن، الثلاثاء الماضي، قرب مفترق مستوطنة “عصيون”. ماذا حدث؟ قال المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي: “مسؤول أمن كان قرب مفترق “غوش عصيون”، وثمة شخص مشبوه يقترب من المفترق”. يكفي أن يشخص مستوطن مشبوهاً كي يقوم والجندي الذي يقف بجانبه، بقتل ذلك المشبوه بدون محاكمة. “مسؤول الأمن والجندي الاسرائيلي الذي كان في النقطة”، واصلا المتحدث بلسان الجيش، “نفذا عملية اعتقال مشبوه، تضمنت إطلاق النار في الهواء، وخلال ذلك قام المشبوه برمي سكين باتجاه مسؤول الأمن، الذي رد بإطلاق النار وحيّد المخرب”.
يسارع المتحدث بلسان الجيش إلى نشر أفلام فيديو من كاميرات الحماية، ولكنه لا يفعل ذلك عندما تكون الصورة واضحة، رغم أن المكان الذي يدور الحديث عنه مغطى تماماً بالكاميرات. كما لا توجد صورة للجثة وإلى جانبها سكين. هناك فقط صورة لسكين ذات نصل مربع ومقبض بلون أحمر، التي لا تدل على أي شيء. ربما باستثناء أنها استخدمت لقطع الكنافة. الأمر الذي أثار الاشتباه فيه وحسم مصير هذا الشاب وحكم عليه بالموت. ولكن هل كان رمي السكين قد عرض حياة أحد للخطر. لماذا لم يقم الجنود الذين تواجدوا هناك باعتقال من رمى السكين بدلاً من قتله؟ لماذا أطلق النار على رأسه لا على أرجله؟ لماذا أطلق المستوطن النار وليس الجندي؟ هذه الأسئلة لم يطرحها أحد حتى الآن في الجيش الإسرائيلي. بل قد يحصل المستوطن على وسام تقدير على قتل قوقاس كما يستحق بطل مثله.
أمام المحل بلاطة من الرخام على سور المسجد، منقوش عليها أسماء شهداء القرية منذ العام 1948 وحتى العام 2015، وهي 75 اسماً. ولا يدل هذا على أن أسماء الضحايا قد انتهت في هذه السنة، ولكن بلاطة الرخام لا تتسع لذكرهم. بيت العائلة هو البيت الأخير في جهة الغرب في بلدة بيت أمّر، ومنه تشاهد السلاسل الحجرية القديمة ومنطقة الشاطئ الاسرائيلي. جلس محمود، الجد الثاكل (80 سنة)، بصمت وإلى جانبه الأب عبد الرحمن (49 سنة)، وهو يرتدي وشاحاً طبعت عليه صور لابنه وعلم فلسطين. ووضعت صورة ياسر عرفات وهو يصافح المقدم قوقاس الأب بزيه الأزرق على طاولة صغيرة في الغرفة. وللأب خلفية أكاديمية، حيث حصل على شهادة دكتوراة في إدارة الموارد البشرية والأمنية من جامعة تونس.
قال قوقاس إنه لم يكن لابنه أي اهتمام بالسياسة، ويقترح رؤية ذلك في صفحته على “فيسبوك”. وقد تحدث أيضاً عن الرحلة الطويلة التي قطعها ابنه في طريقه لتحقيق الحلم. تدرب عاهد أربع سنوات في محل الحلويات المشهور في رام الله، “حلويات العكر”. بعد ذلك، وقبل بضعة أسابيع، افتتح “حلويات القدس” في بيت أمر. استثمر في المحل الجديد حوالي 60 ألف شيكل. ساعده شقيقه محمد (20 سنة) في المحل. في الأيام الـ 12 من عمل محله كانت الأمور تسير بصورة جيدة. في رسائله الأخيرة على “واتساب” مع والده، أخبر عاهد بأن أرباحه اليومية وصلت إلى 300 – 400 شيكل.
مكالمة من الكابتن
الثلاثاء، 5 كانون الأول، اليوم الأخير لعاهد، كان والده كالعادة في قيادته الموجودة على مدخل رام الله. كان الوالد يعود إلى البيت كل نهاية أسبوع. في ساعة متأخرة في الصباح، اتصل بعاهد ولكنه لم يرد. وكرر بعد خمس دقائق ولا رد. أرسل إليه رسالة عبر “واتساب” فاعتذر عاهد لأن هاتفه في وضعية صامت. أرسل الأب لابنه صوراً لحلويات شاهدها في محل في رام الله، وقد أرانا إياها أيضاً. تظهر الساعة في “واتساب” 10:55. وهذه ستكون آخر ما تبادلوه من أحاديث.
في الساعة 12:30 قال عاهد لشقيقه بأنه ذاهب لشراء مواد خام للكنافة. ركب سيارة أجرة وسافر نحو مفترق “غوش عصيون”، وطلب من السائق أن ينزله قرب منشأة “عصيون”، ليس بعيداً عن سوبرماركت “رامي ليفي”.
في الساعة 14:40 تلقى قوقاس مكالمة من رقم اسرائيلي. الشخص الذي كان على الخط قدم نفسه باسم “الكابتن خالد”، قائد الشاباك في بيت أمر. “ابنك قام بتنفيذ عملية، عليك القدوم خلال عشر دقائق إلى المنشأة العسكرية في غوش عصيون”، أمره الكابتن. لم يصدق عبد الرحمن ذلك وقال “أتضحك علي؟”، سأل وقطع الخط. اتصل الرجل مرة أخرى. هذه المرة أعطى لعبد الرحمن رقم بطاقة هوية ابنه لإثبات جديته. اتصل الأب بابنه عبر الهاتف الأرضي الموجود في مكتبه. وكان المجيب هو الكابتن خالد. أصبح من الواضح بأن هناك شيئاً خطيراً قد حدث. في هذه الأثناء نشر نبأ في مجموعة “واتساب” للشرطة المشارك فيها، بأن كانت هناك عملية في “غوش عصيون”. طلب عبد الرحمن من رجل الشاباك أن يعطيه تفاصيل عن وضعاإبنه، لكن الأخير رفض بشدة. “كم ستحتاج من الوقت كي تصل إلى “غوش عصيون”، سأل. وأجاب: “نحو ثلاث ساعات”. ركب عبد الرحمن سيارته، لكنه شعر بأنه لا يستطيع القيادة. لذلك، طلب من مرؤوسه أن يرافقه وينقله.
في الطريق اتصل بابنه محمد الذي كان في المحل والذي لم يكن يعرف أي شيء عدا عن أن عاهد قال له في الساعة 12:30 بأنه سيذهب لشراء مواد خام للكنافة. “ما الذي حدث، يا أبي؟”، سأل. ولكن قبل أن يمر قرب مستوطنة “حلميش”، شاهد الوالد في موقع فلسطيني للأخبار صورة ابنه وبجانبه خبر قتله. وقال إنه لم يكن قادراً على الاتصال بزوجته أمل. قرب عصيون كان ينتظره والده وأخوته. كانوا يختنقون بالبكاء. أُخذ عبد الرحمن للتحقيق داخل كرفان. الكابتن خالد وسبعة جنود كانوا في الغرفة.
أعطوني دليلاً
“قبل أن أجيبكم، أريد رؤية ابني ومعرفة سبب قتله”، قال الأب، وتابع: “من المعتاد أن يشخص الأب جثة ابنه”. فقال مسؤولو الشاباك إنهم شخصوا الجثة بناء على بطاقة الهوية الشخصية. “ربما هناك خطأ. ربما هذه بطاقة هوية مزيفة”، حاول الأب التهرب من البشرى غير السارة. “يجب أن أتحقق”، صرخ. “عليك أن تجيب لماذا قام ابنك بتنفيذ عملية؟”، كان الرد. “ابني لم يكن متورطاً في أي عملية. أعطوني دليلاً بأنه متورط. في هذه المنطقة الكثير من كاميرات الحماية، حتى النمل تصورونه. عليكم اطلاعي بما حدث”. قال الكابتن إن لديهم دليلاً – السكين. فأجاب الأب: “هل أنت ضابط في المخابرات. هل أنت الكابتن خالد؟ لم أكن لأقبل بك شرطياً صغيراً في وحدتي. كيف تتجرأ على القول بأن هذه السكين هي الدليل على أن ابني نفذ عملية. وإذا كان قد فإن لكم فرصة لإطلاق النار على ساقيه أو اعتقاله”. “لم أقتله”، قال الكابتن. عندما رفع الأب الهائج صوته، صوّب أحد الجنود سلاحه نحوه. “يمكنك إطلاق النار عليّ”، قال للجندي. “هل تريد قتلي؟ لقد سبق وقتلتم ابني. هذا ليس موضوعاً كبيراً بالنسبة لكم. سأكون سعيداً بالانضمام إليه”. عندما هدأت الأجواء، عرض عليه رجل الشاباك الماء، لكنه رد بأنه لن يشرب من أيدي قتلة ابنه. “نحن مندهشون”، قال الكابتن. “لقد قمنا بفحصه وفحصنا حالته. لم تكن لكما مشاكل. لماذا فعل ابنك ذلك؟”. فأجاب الأب: “لو اكتفيتم بإطلاق النار على ساقيه لكنا قادرين على أن نسأله ونعرف. ندرب رجالنا على الكراتيه ونعلمهم كيف يعتقلون من يحاول تنفيذ عملية طعن دون قتله. أنتم متعطشون للدماء، تحبون القتل. لذلك قتلتم عاهد”.
أطلق الكابتن خالد سراح الأب، واسرائيل لا توافق على إعادة الجثمان كالعادة. في صورته الأخيرة، ظهر عاهد وهو ملقى على الشارع ووجهه مهشم وسيل طويل من الدماء يمتد على طول الشارع.
وسوم: العدد 912