هكذا تتسرب سموم “النووي التوراتي” إلى الإنسانية
ببهلوانية ديماغوجية إلى حد ما، يريد عكيفا نوفيك تطهير “الأنوية التوراتية” من تهمة العنصرية والسلب ونشر الكراهية وإذكاء الفتنة (“هآرتس”، 29/8). ومن أجل تحقيق هدفه، يجند فكرتين من الأفكار الصهيونية المقدسة، وهي “الطلائعيون” و”مهودو الجليل”، ويقارن بصورة متساوية بينهما وبين المستوطنين التوراتيين. أي أن هذه الأنوية الغازية ليست سوى مواصلة لدرب وفكرة الطلائعيين الأسطوريين ومهودي الجليل، الذين هم محط إعجاب اليسار الصهيوني. لماذا ذهب تألقهم؟ ألا تعمل الأنوية التوراتية الآن- تقتحم وتهود، تماماً مثل من هم محط إعجابهم من الماضي؟
هو على حق. نعم، بالضبط مثل الطلائعيين والمهودين، الأنوية على أنواعها تعمل الآن، وأهدافها متشابهة (تقريباً): الاختراق، والاحتلال، والسلب، والتهويد، والسيطرة. ولكن بالنسبة لنوفيك، انقلب الأمر رأساً على عقب. فقد جاء للتهنئة، ولكنه وجد نفسه يشتم. جاء للثناء على المتدين القومي، ولكنه وجد نفسه يكشف ويُذكر ويثبت كامل عار الصهيونية وفشلها، أنها طوال حياتها لم تتعلم ولم تنس أي شيء.
“الطلائعيون” الذين عملوا مثل النواة التوراتية هم الذين أوجدوا قاعدة النزاع الدموي الذي استمر نحو مئة سنة. والجانب الثاني للمعادلة صحيح. فالأنوية الاختراقية التي تعمل مثل الطلائعيين الأصليين تضمن على الأقل مئة سنة أخرى من النزاع. ووجه الشبه أعمق. هؤلاء مثل أولئك. الآن مثلما كان الأمر في حينه، غرباء عن بيئتهم، يحيكون مؤامرات سلب، وهم متغطرسون ومنغلقون، وأنظارهم مبهورة من أيديولوجيا عنصرية. هؤلاء مثل أولئك، وافقوا حرفياً على رسائل الصهيونية الأكثر حقارة، وهي “شعب بلا أرض لأرض بلا شعب”. وهؤلاء مثل أولئك، آمنوا ويؤمنون بأن كل الحاضرين العرب يجب تحويلهم إلى غائبين. جميعهم ينقذون الأراضي ولكنهم لا ينقذون الإنسان.
رغم التشابه الكبير، إلا أن هناك فرقاً واحداً كبيراً. الطلائعيون أملوا، ربما بسذاجة خبيثة بدرجة ما، بقيام دولة اشتراكية – ديمقراطية (لليهود) في نهاية المطاف، ستكون جديرة بما فيه الكفاية وسليمة جداً. يريد المتدينون القوميون أكثر من ذلك، فلا يكفيهم طرد العرب ووضع اليهود مكانهم. بالنسبة لهم، ليست هذه سوى المرحلة الأولى، أما المرحلة الثانية فهي التهويد الخفيف، وبعد ذلك ستأتي مرحلة تحويلهم إلى (أصوليين قوميين). وبالتدريج و”بالوسائل اللطيفة”، سيكون لنا دونم آخر تم تهويده، وعنزة توراتية أخرى، إلى أن يتم استكمال تأسيس دولة ثيوقراطية ظلامية تكره الأجانب، عنصرية ووثنية ومليئة بصناعة الموت. لأن الأصولية ليست قومية فحسب، وليست دينية فقط. هي الاثنان معاً، هي قومية تبشيرية مقدسة.
هذا هو التهديد النووي التوراتي. وهو تهديد أخطر بسبعة أضعاف من التهديد النووي الإيراني “الفزاعي”. ثورة “توراتية” متواصلة، لا تعرف الحدود ولا تعرف الشبع، وتعد بالحرب المقدسة اللانهائية من أجل السماء، حتى التدمير الكامل وحتى التفكك الكامل وحتى النهاية.
قبل إنهاء المقال، كتب نوفيك: “لم نأت للتحدث عن تحسين جيني، بل عن قومية ونضال ديمغرافي. سأحاول نسيان أنه كتب هذا، لأنها الكلمات التي يمكن لكل ألماني عقلاني أن يتمتم لنفسه بها ليلاً عندما بدأت شقق جيرانه اليهود تفرغ.
وسوم: العدد 944