"سيرجانت"... أبو المقالب 15
"سيرجانت"... أبو المقالب
(15)
أ.د/
جابر قميحةمن كتاب :
(The Big Story Book)
كان سيرجانت ( Sergeant ( قطا كبيرا كثيف الشعر وكان لا يرى متعته الكبرى إلا في تدبير المقالب والخدع ضد القطط التي تصغره سنا .
ولقد قام بكثير من هذه الخدع الخسيسة ضدها ، حتى إن القطط كانت تهرب من طريقه حينما تراه قادما .
لقد كان سيرجانت جبارا ، وكان يعرف أن القطط الآخرى تخاف منه ، وهذا دفعه إلى القيام بكثير من المقالب ضدها .
وذات يوم رأى القطين الصغيرين " سموكي " " Smoky " . و" بوكي " " Pokey " يلعبان الكرة ، فأخذ يرقبهما وهما يتقاذفان الكرة للخلف وإلى الأمام .
وفجأة خطرت له فكرة عابثة مؤذية : فقفز فوق السور ، ودخل ساحة الملعب ، ووقف بجانب القطين يقول وفي عينيه نظرة المكر والخداع :
ــ " ... والآن لا تخافا يا صديقيّ العزيزين ... أعتقد أنكما ستسمحان لي باللعب معكما ... وسيكون دوري في اللعب أن أقف هنا في الخلف لاستقبال الكرة التي تنطلق بعيدا . هل توافقان يا صديقي ؟ " .
وأخذ يربت على كتفي بوكي في حنان مصطنع . وأخرست المفاجأة القطين الصغيرين ، فلم يجيبا بكلمة ، واستأنفا اللعب ، ومشى سيرجانت ليقف وراء بوكي .
وأخذ القطان يتبادلان الكرة إلى الأمام وإلى الخلف ... وإلى الخلف وإلى الأمام ، وكان كل منهما يبذل أقصى ما يستطيع من جهد للتقاط كرات الآخر .
وكانت رمية كل منهما متقنة ، ولكن بوكي رمى بكرة عالية لم يستطع سموكي أن يلتقطها . وسقطت الكرة خلف سموكي ... نحو سيرجانت ، ثم تدحرجت إلى إن غابت بين مجموعة من الأشجار ، وجرى سيرجانت وراءها واختفى خلف الأشجار .
وانتظر سموكي وبوكي أن يعود سرجانت بالكرة ، وسمعاه يقول :
ــ " انتظرا دقيقة يا صديقيّ ... انتظرا دقيقة ... آه ها هي ذي ... لا ليست هي ... ولكني أعتقد أنني أراها ... لا للمرة الثانية ليست هي . انتظرا هناك يا عزيزيّ وسأعثر عليها ، اعتمدا على صديقكما سيرجانت في العثور على الكرة ، إن قطين صغيرين مثلكما لا يستطيعان العثور عليها .... يا عجبا أين ذهبت هذه الكرة ؟؟ !! " .
وبدأ صوته يذوب بين الأشجار وفي ذلك الوقت كانا يتجولان بين الأشجار ليساعداه على العثور على الكرة ... وما أشد دهشتهما حينما رأيا سيرجانت جالسا ، ومستندا في كسل إلى شجرة ومعه الكرة يرفعها ويديرها على أصابع قدمه الأمامية وهو يصيح :
ــ " للأسف لم أعثر على كرتكما أيها الصديقان ؛ يظهر إنها ضاعت إلىالأبد ، وعليكما أن تحصلا على كرة أخرى " .
وأخذ يضحك بصوت عال حتى أفلتت الكرة منه وسقطت تحت أقدام القطين . ووقف سموكي وبوكي صامتين ساكنين حتى إن سيرجانت لم يشعر بوجودهم ، وفجأة التفت إلى مكان سقوط الكرة ليرى القطين وهكا ينظران إليه في غضب شديد .
وقفز سيرجانت من مكانه وقال :
ــ " آه آه آه آه ... لقد عثرت على كرتكما أيها الصديقان ... ها هي ذي " .
وضرب الكرة بقدمه نحو القطين ، وتركهما وجرى .
قال سموكي : " آمل أن يبقى الآن بعيدا عنا " . وبدا يستأنف اللعب مع بوكي الذي رد عليه قائلا ، قال سموكي :
ـ " قد نستطيع ذلك يوما لو فكرنا وخططنا لذلك جيدا " .
وبعد الظهر في يوم حار من أيام الصيف كان سموكي وبوكي في طريقهما لشراء أيس كريم الذي يجدان فيه متعتهما المفضلة ، وكان مع كل منهما ربع دولار في يده . وحينما وصلا إلى ناصية الشارع فوجئا بسيرجانت أمامهما مباشرة ، وصرخا من الذعر ، وتوقفا لحظة ، وقررا الرجوع والسير من شارع آخر .
وسأل بوكي صديقه سموكي :
ــ " هل تعتقد أن سيرجانت يدبر لنا واحدا من مقالبه ؟ " .
فأجابه سموكي :
ــ " أنا لا أعرف ، ولكن دعنا نظهر بمظهر الشجعان ، فقد يجعله ذلك يتفادى مضايقتنا " .
وسار القطان عبر الناصية ... لقد كان سيرجانت مشغولا بالتهام قرص من أقراص عسل النحل ، فلم يشعر حتى بمرورهما بجانبه .
وتنفس القطان الصعداء حينما تمكنا من الوصول إلى محل الأيس كريم ، وطلب سموكي أيس كريم بالفانيليا ، أما بوكي فاختار أيس كريم بالشيكولاتة . وجلسا على كرسيين مريحين يلتهمان الأيس كريم في متعة وسعادة .
قال بوكي :
ــ " عندي فكرة رائعة في كيفية الانتقام من سيرجانت بسببب المقالب الخسيسة التي ارتكبها ضدنا ؟ فسأل سموكي في لهفة : كيف ؟ " .
أجاب بوكي :
ــ " ها هي ذي خطتي " .
وأخذ يهمس بتفصيلها في أذن سموكي الذي صرخ بعد أن سمعها ، هيا بنا ننفذها .
وجريا عائدين إلى ناصية الشارع حيث كان سيرجانت مازال مشغولا في البقية الأخيرة من قرص عسل النحل فناده بوكي :
ــ " سيرجانت ... سيرجانت . نحن نعرف كيف تستطيع الحصول على مزيد من هذا العسل اللذيذ ، لقد سمعنا بلدوين " Baldwin " الفلاح يقول أن عنده فائضا من العسل لا يعرف ماذا يصنع به " .
فأضاف سموكي : " نعم " وقال أيضا سنتركه بلا ثمن ... لمن يسألها أن تعطيه .
وتساءل سيرجانت وفي عينيه بريق الطمع :
ــ " أصحيح هذا ... أنا أحب العسل وسأذهب حالا للحصول على بعض عسل الفلاح بلدوين : أشكركما أيها الصديقان ... هل قلتما أن كل المطلوب مني أن أطلب من النحل أن تخلي بيني وبين العسل ؟ " .
فأجاب بوكي :
ــ " نعم ... كل ما تفعله أن تطرق بيدك على باب الخلية وتقول : لقد جئت من أجل العسل ... ابتعدي جانبا أيتها النحل " .
فقا سيرجانت :
ــ " هذه مسألة سهلة ... شكرا جزيلا أيها الصديقان ، لقد ثبت أنكما قطان نبيلان إذ قدمتما إليّ هذه الخدمة ، وأقدم لكما اعتذاري إذا كنت ضايقتكما ببعض المقالب " .
وانطلق وهو يقول : " سأراكما فيما بعد أيها الصديقان " .
ووصل سيرجانت إلى أرض الفلاح بلدوين ، ومشى إلى إحدى الخلايا وطرق بابها ، وظهرت نحلة كبيرة على الباب وصاح سيرجانت :
ــ" لقد جئت من أجل العسل ؛ لذا تنحوا بعيدا أيها النحل " .
وما أن انتهى من قوله " تنحوا بعيدا " إلا وأحس لسعة قاسية تصيب طرف أنفه ، وتوالت عليه اللاسعات في كل مكان من جسمه ، واندفع آلاف النحل نحوه تلسعه في شدة وعنف ، واستدار سيرجانت وبدأ يجري بأقصى ما يستطيع ، ويصرخ ويبكي ، ويئن ، ويتأوه .
وتبعته أسراب النحل بطنينها الشديد ولسعها العنيف فلما اقتنعت النحل بأنهما لقنت سيرجانت درسا لا ينسى عادا إلى خليتها مرة أخرى .
قالت نحلة : يا للوقاحة !!
وقالت أخرى : ما أشد تهور هذا المخلوق !!! .
وفي ذلك المساء ، وبينما كان سيرجانت يلعق آثار لسعات النحل في جسده أخذ يفكر في المقلب الذي دبره له القطان ... وقال في نفسه :
ــ " ربما كان من الأحسن أن أقلع عن تدبير المقالب للقطط الأخرى ، فقد ثبت أنها أكثر منى دهاء ، مع أنها أصغر مني سنا . " .
وتحول سيرجانت إلى قط هادئ وديع بعد أن أقلع عن تدبير المقالب إلى الأبد.