شارع الشمس
شارع الشمس
توماس بروسيغ
ترجمة: هبة شريف
رواية ألمانية حديثة حققت فور صدورها نجاحاً كبيراً ، أدى إلى إعادة طبعها مرات عدة ! أبطالها مجموعة صبية يعيشون في الجزء الأصغر من شارع الشمس في جوار جدار برلين العتيد ، قبل سقوطه ! وهي رواية ساخرة تصور سنوات احتضار ألمانيا الشرقية ، وتحكي قصة مقاومة رائعة لنظام قامع ! تبدأ بالصبي ميشائيل كوبيش الذي لم يستطع أن يفهم كيف يمكن أن يبدأ شارع ببناية تحمل رقم 379 ، ولم يستطع كذلك أن يعتاد المهنة اليومية التي يتعرض لها كلما خرج من منزله ، إذ يقف على البرج المقام في الجانب الألماني الغربي تلاميذ يصرخون : انظروا ! برليني شرقي حقيقي !! ومن خلالها السور الذي يشطر المدينة ينظر السياح الغربيون كذلك بسخرية وهم يحملون أحكاماً نمطية مسبقة عن بؤس الحياة في المعسكر الاشتراكي !
أما كيف قسم هذا الشارع ، فإن ميشائيل يتصور أن ستالين رفض أن يترك شارعاً بهذا الاسم الجميل للأمريكيين ، لذلك طلب من هاري ترومان أن يكون الشارع في منطقة النفوذ السوفيتي إلا أن الرئيس الأمريكي رفض ، فتدخل تشرشل في الأمر ، وتوقع الجميع أن ينحاز إلى صف ترومان ويمنحه شارع الشمس ، ولكن في تلك اللحظة انطفأ سيجار تشرشل ، فتقدم ستالين وقدم له عود ثقاب ، فتأثر بهذه اللفتة اللطيفة ، وقرر اقتطاع ستين متراً لستالين من الشارع البالغ طوله (4) كم ! ويفكر ميشائيل بحسرة : لو كان تشرشل الأبله انتبه إلى سيجاره قليلاً ما كان انطفأ ، ولكنّا الآن نسكن في الغرب !
ويمضي المؤلف ينتقد الأوضاع في ألمانيا الشرقية بخفة وسخرية لاذعة ، تدفع القارئ إلى الابتسام أو الضحك ، فالرواية تحفل بالقصص المتواضعة المنتزعة من الحياة اليومية ، وهي قصص كلها إدانة قاسية لذلك النظام الشمولي الذي علم الناس قمع أفكارهم ، والنطق بما لا يعتقدون ، والشك في كل من يحيط بهم ، والتوجس فيه ! والرواية نقد ساخر للأيديولوجيا الشيوعية ، لكن من دون كلمة واحدة عنها ، وقد عرى المؤلف بشاعة النظام عبر سرد تفاصيل الحياة اليومية ، والقمع الذي يعيشه الإنسان في كل مجالات الحياة ؛ ما يجعل القارئ الذي نشأ في أحضان نظام شمولي يشعر بالتعاطف مع شخوص الرواية ، وربما يتعرف على نفسه ، وعلى بعض أصدقائه .
كما تلقي الرواية الضوء على تصرفات الصغار والكبار ، وهم يتململون من وطأة النظام ! فالصغار يجدون ذلك في التمرد على المجتمع وقوانين السلطة ، وينجحون في اقتناص لحظات من الحرية ، وقد نفروا من المدرسة لأنها مرتبطة بالسياسة التي تعرض الأشياء على غير حقيقتها ، حتى مشاعر الناس الساخطة تجاه الحزب الاشتراكي الحاكم ! وأما الكبار فيتصرفون حتى في تعبيراتهم من خلال الخوف الذي شل قدرتهم على المحاكمة الصحيحة ! فالسيد كوبيش والد ميشائيل يتذمر من كل شيء ، ويريد دوماً أن يقدم التماساً للمسؤولين ، لكنه لا يجرؤ ، فتظل التماساته مجرد ثورة لفظية يلوكها فمه ! والسيدة (دوريس) أم ميشائيل التي تملكها الخوف ، تردد باستمرار : احترس ! كن حريصاً ! نحن لا نشكو ، نرجو أن ! وهي مع ذلك تحتفظ بجواز سفر لسيدة من برلين الغربية تحاول بشتى الوسائل تغيير شكلها ليتشابه مع صاحبة الجواز ! وأما الخال (هانيس) الذي يقطن الشطر الغربي فيحتال لكي يهرب شيئاً إلى أقاربه ، ولو في جواربه وسراويله ، ولا يجد لديه الجرأة لنقل بعض الأشياء التي يطلبونها ، ولو كان أغنية في اسطوانة ؛ لأن في ذلك مخاطر مخيفة (صحيفة الحياة ـ سمير جريس ـ العدد 14739 ـ الجمعة 1 آب ـ 2003م)