وليم بليك
1757-1827
زهير سالم
يحتل وليم بليك في تاريخ الأدب الإنكليزي ما يحتله معاصره غوته (1749-1832) في تاريخ الأدب الألماني، ويعتبر الشاعران من ينابيع الرومانسية الأولى في الأدبين الألماني والإنكليزي..
كان ولع غوته بالشرق أفكاره ومذاهبه غير محدود، وكذا كان بليك ينهج نهجا صوفيا (شروقيا) على طرائق متقدميه الشرقيين جلال الدين الرومي والشيرازي والعطار وابن عربي..
وهو مع ارتباطه بالكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) واغترافه من إشاراته ورموزه ونبوءاته، فإنه كثير النفور من التصور التوراتي أو لنقل التلمودي (لله)، حيث كانت تفجعه فيه صورة إله ظالم يأكله الحسد من عبيده، ويلاحق الأبناء على خطايا الآباء...!! بينما وجد بعض متنفسه في نسائم المحبة المطلقة، والتسامح الأثيري في شخصية السيد المسيح عليه السلام..
إن تتبع مصادر وليم بليك وشعره ، ونبوءاته التي اشتهر بها، وحكمته، بل وصياغاته اللغوية والرمزية، ستقودنا تلقائيا وبسهولة إلى مدرسة التصوف، الإسلامي بآفاقه الرحبة المطلقة.. قد يكون الكثيرون قد تنبهوا /لغوته/ لأن غوته قد أعلن عن نفسه محبا للشرق هائما فيه، ولكن الذي فعله وليم بليك، وهو ما يزال حتى اليوم يحتل مكانته على سوامق الأدب العالمي أنه أخفى الدرويش الشرقي في المسلاخ الغربي... إذا كنا نحب الحب ونؤمن بمجد الفكر، فربما نقول: حسنا فعل ليكون أقرب إلى قلوب بني قومه.. ولكن هل يسعى أصحاب الإرث المتناثر في شرق العالم وغربه... أن يبحثوا عن امتداداته هنا وهناك)1 )... في منجم/بليك/ سنضرب معولنا ضربتين، وعسى أن يجد بعض الخليين فرصة لمتابعة احتلاب النبع.
قبضة الطين والحصاة
قبضة الطين رمز العطاء والنماء والتواضع، منها كان الإنسان، وعليها تنزلق الأقدام، وفي رحمها تنمو أجنة الأزهار.وينفتح من أعماقها كل زوج بهيج تنتشي دائما بما تمنح الآخرين من سعادة وحب وخير حتى وهي لموطوءة تحت أظلاف المواشي(2)...
والحصاة ملداء قاسية صلبة، لا تبض بقطرة عطاء،تنبو عما حولها شامخة متغطرسة مستعلية تحتكر الأخذ وتقدسه وتزدري العطاء..
بين قبضة الطين والحصاة المتلألئة في بحبوحة الغدير ينشىء وليم بليك هذين الموقفين المتقابلين.
(لا يدور الحب حول لذائذ الذات
ولا يبالي أبداً بها،
الحب يهدي السعادة للآخرين،
ويبني نعيماً في سواء الجحيم
هكذا غنت قبضة الطين منتشية
وهي تحت أظلاف الماشية،
غير أن حصاة متلألئة في حافة الغدير
أجابت مترنمة بألحانها العذاب:
لا يدور الحب إلا حول لذائذ الذات
ويسخر الآخرين لمتعتها،
ويسعد إذ يسلبهم الطمأنينة
ويبني جحيماً في سواء النعيم )
من أغاني الحكمة(3)
وليم بليك
(1) يقول بليك مقتديا بمتصوفة الإسلام في دعوتهم إلى المحبة، ودينونتهم بدين الحب المنطلق من حقيقة الحديث الشريف (الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله..) يقول
على الكل أن يحب الإنسان
كافراكان أو مسلما أو يهوديا
فحيث تكون الرحمة والحب والرأفة
يكون الله هناك
(2) هذه هي قراءتنا للقصيدة بينما يرى فيها البروفيسور (د.ج كلم) من جامعة إكسفورد.. أن وليم بليك يسعى إلى إدانة الموقفين قبضة الطين المتطامنة إلى حد المهانة، والقابلة للانطباع حتى بأظلاف المواشي، والحصاة المستعلية إلى حد الغرور.. ربما يغفل البروفيسور عن إشارة بليك إلى أن قبضة الطين فيما هي من تواضع تسعد بمنح السعادة والحب والخير للآخرين. وأنها فيما هي من شقاء تبني نعيما في سواء الجحيم...
(3) يترجم المجموعة دكتور جبرا إبراهيم جبرا (بأغاني التجربة) ويترجمه الدكتور عبد الواحد لولوة (أغاني الخبرة) واخترنا أغاني الحكمة مع تصرف يسير ليقابل المجموعة الأولى أغاني البراءة...