ورقة اليانصيب
انتقل السيد لورون وزوجه ( كانا بوابين في باريس ) إلى قرية سانت أوريتر في مشارف بونت سيرسول ؛ للعيش فيها معتمدين على دخليهما . ومع أن هذين الدخلين كانا متواضعين إلا أنهما كانا كافيين لبساطة ذوق الزوجين
وبساطة رغباتهما والتدبير الصارم الذي نظما به ميزانيتهما . بيد أن السيدة لورون كانت تضمر في نفسها
طموح الحصول على سيارة صغيرة تذهب بها في سهولة كبيرة إلى سوق المدينة المجاورة ، وتخرج كثيرا
من مكانها الضيق . ولك أن تتخيل انفعالها حين تعلم في صباح يوم جميل أن هذا المطمح ممكن التحقيق ؛ فقد
أعلنت صحيفة " جورنال دو كوتنتان " عن يانصيب من تنظيم بلدية بونت سيرسول بقصد جمع مساعدة لمعوزي
البلدة ، ومن جوائز اليانصيب الكبيرة سيارة صغيرة بديعة ذات مقعدين حاوية كل الكماليات الحديثة . بالضبط
السيارة التي ترغبها . قالت لزوجها : لابد من تجربة حظنا . أوراق اليانصيب غالية نوعا ما إلا أننا لن نأخذ
منها سوى ورقة واحدة . فعارض البواب القديم بأن الأمل في الفوز سيتقلص إلى لاشيء تقريبا مع ورقة واحدة
من خمسين ألف ورقة . لكن زوجه أكدت : الإنسان إما محظوظ أوعاثر الحظ . أنا محظوظة . ثقتي في الفوز مطلقة . سأفوز بالسيارة وشرطي الوحيد أن اختار ورقتي بنفسي . وشرحت ما تقول : لم ألعب تلك اللعبة كثيرا ؛
لأن إمكاناتنا ما كانت تسمح بها ، ولكن لاتنس أنني في مسابقات يانصيب أخرى فزت دائما بالجائزة الأولى .
_ صحيح يا موضع ثقتي .
_ ألا تعرف لماذا ؟ طيب . إليك السبب : آخذ دائما الرقم الذي يطابق عمري تماما ، فيفوز ذلك الرقم . أما
إن تصرفت خلاف هذا فلا يتم شيء . ستقول لي إن هذا باطل ، حماقة ، لا يهم .
فرد لوران : لن أقول شيئا بتاتا . لكن اختيار رقم يطابق عمرك ! ثمان وأربعون سنة .. .
تنهدت السيدة لوران قائلة : وا أسفاه !
_ اللازم أولا التمكن من أخذ الورقة قبل الجميع .
_ الأمر لا يبدو لي شديد التعقيد . أحسب السيد روبان ( أمين بلدية بونت سيرسول ) صديق طفولتك سيكون دون
ريب قادرا على تقديم هذه الخدمة الزهيدة لنا . أليس مسئولا عن تقديم الأوراق ؟
_ جائز .
_ إذن اكتب له حالا ليحتفظ لي باختياري من بين مائة الأوراق الأولى . سأذهب إلى المدينة فور رده .
فكتب السيد لوران رسالته في اللحظة ، وجاءه الرد مع عودة البريد ، وهو أن أمين البلدية ينتظر زيارة السيدة
لورا ن ويرجوها ألا تتأخر . وكانت طلبات الاشتراك وصلته قبل ذلك بأعداد كبيرة ، وليس في مقدوره الاحتفاظ
طويلا بأحد أرقام الاختيار دون التعرض للملام . والسيدة لورون لا تردد لديها وأملها في الفوز باق راسخ . تخيلت
نفسها حاصلة على السيارة ، وبنت ألف مشروع لأساليب استعمالها والفائدة التي ستجنيها من ورائها . قصدت
البلدية حالما وصلت المدينة ودخلت مكتب الأمين ، فاستقبلها في أدب موفور . قال لها : سيدتي العزيزة ، سأكون
في قمة السعادة إن استطعت إرضاءك . هي ذي قائمة أوراقنا الأولى . لاحظي جيدا أن الأوراق تبدأ من صفر إلى خمسين ، وأردف باسما : لا فائدة من الذهاب بعيدا . أليس صحيحا ؟
سألت السيدة لوران : لماذا؟
اتسعت ابتسامة الأمين المحببة وقال : دعيني أوضح : أسر لي صديقي القديم برغبتك الخفية . بدت لي الفكرة
فذة الأصالة . فكرة سيدة حُسَانة . اختيار الرقم الموافق لسنها !
احمر وجه السيدة لورون احمرار زهرة نبتة عود الصليب ، ومع هذا ختم السيد روبان سائلا : ما الرقم
الذي تريدينه ؟
قالت في تنهيدة مديدة : 38 .
فقال معيدا الورقة : كل تهنئاتي وتمنياتي بالفوز .
وغادرت البلدية في حالة معنوية يستحيل وصفها ، وعادت من فورها إلى سانت أوريتر .
سألها زوجها عند عودتها : أحسنت اختيار رقمك في اليانصيب ؟
فهزت كتفيها وأهملت الرد عليه ، فلم يقلق لعلمه بأنها متقلبة المزاج للغاية . ومرت الأيام . كانت
السيدة لورون دائمة القلق والحزن الأمر الذي أدهش زوجها . كذلك لم تعبر له عن ثقتها في الفوز
، وكانت تحول مجرى الحديث إذا أراد هو الحديث عن اليانصيب ، بيد أنه تحدث عنه للثقة التي
اجتاحته مع اقتراب موعد السحب . أكد قائلا : الحقيقة أن الرقم الفائز بالسيارة يخايلني في حلمي
، وأحلامي ما أخطأت يوما .
هو بدوره بنى مشاريع مثل زوجه . وضح قائلا : سنحدث تأثيرا في البلدة بسبب جائزة هذه
الورقة .
وفي يوم السحب ، انتظر السيد لورون الصحيفة نافد الصبر فرحا ، أما زوجه فانسحبت في
حجرتها بحجة معاناتها صداعا قاسيا ، فلم يدهشه هذا ؛ لأن الفرح البالغ عند النساء العصبيات
يفضي إلى قدر من العنف أكثر مما يفضي إلى حزن شديد . وأحضر ساعي البريد له الجريدة في موعدها
المألوف ففك رباطها وفتحها وشرع يتصفحها ، فصرخ : فاز الرقم 48 بالسيارة . أخلص الحظ للسيدة لورون .
وسارع دون تردد إلى حجرة زوجه . قال : ها هو يا حبيبتي العزيزة ! خرج رقمك .
فرفعت بطيئة وجهها المخفي بين وسائد الكرسي الطويل ، ورمت زوجها بنظرة غضبى وصرخت :
معتوه !
توقف البواب القديم مضطربا ومع هذا أصر : هي ذي الصحيفة . . . انظري ! الرقم 48 فاز بالسيارة .
_ لا فائدة . لم أفز . وهذا بسبب خطئك .
_ خطئي أنا ؟ !
كررت : تماما . كتبت إلى السيد روبان بأنني أريد المراهنة على رقم يطابق عمري ، وعندئذ ،
حين وقفت أمام لحظة اختيار الرقم خانتني شجاعتي . لم أجرؤ على ... أردت تصغير عمري فأخذت الرقم
38 بكل غباوة .
* قصة : جان بوفييه .
وسوم: العدد 643