"فيسك" بعد منح اليهود الجنسية الإسبانية: مدريد لا تريد عودة المسلمين لأوروبا
"فيسك" بعد منح اليهود الجنسية الإسبانية:
مدريد لا تريد عودة المسلمين لأوروبا
علق الكاتب البريطاني روبرت فيسك، على إعلان كل من إسبانيا والبرتغال مؤخرًا اعتزامهما تصحيح «خطأ تاريخي»، حسب وصف وزير العدل الإسباني، بمنح الجنسية للمنحدرين من عائلات يهودية طُردَت من الدولتين قبل نحو 6 قرون.
واستهل «فيسك»، مقالًا نشرته صحيفة «إندبندنت» البريطانية أمس الأحد، بالقول: «إن الأوطان الضائعة ملأى ببيوت من عاشوا فيها؛ فهذه منازل الأرمن في الجنوب الشرقي من تركيا، وتلك منازل الفلسطينيين في إسرائيل، وغير ذلك أمثلة كثيرة من منازل الألمان في إقليم السوديت وبروسيا، ومنازل اليونانيين حول سميرنا (إزمير الآن). وهذا الساحل الغربي لأيرلندا يحتضن أكواخًا بلا أسقف مات من كانوا يسكنونها أو هاجروا إبان المجاعة الكبرى التي ضربت البلاد».
وعرَّج «فيسك» على منازل الموريسكيين بإسبانيا آخر المسلمين الذين طُرِدوا من الأندلس عام 1613م، وأضاف: «كان عام 1492 عام الظلام؛ عندما سقطت غرناطة مملكة المور في أيدي الملكين فرديناند وإيزابيلا، عادت الهيمنة المسيحية على الأراضي التي تعايش عليها المسلمون واليهود جنبًا إلى جنب مئات السنين، وتم الحكم بالطرد على كل من لم يتنصَّر إلى خارج إسبانيا والبرتغال بقدوم القرن السابع عشر».
وتابع: «لقد حطت الرحال بهؤلاء المطاريد في بلاد المغرب والجزائر والبوسنة واليونان وتركيا. وتدل آثار العمارة الأندلسية في شمال إفريقيا على ذلك، كما أن لغة اليهود السفرديم (لادينو) القريبة من الإسبانية كانت لا تزال مفهومة في سراييفو أثناء الحرب البوسنية في حقبة التسعينيات من القرن الماضي».
ونوه أنه في غضون 100 عام فقط، طردت الملكية المسيحية في إسبانيا نصف مليون مسلم، ونحو 200-300 ألف يهودي. اليوم يوجد نحو 3.5 مليون من اليهود السفرديم حول العالم ممن لا تزال أطلال بيوتهم موجودة في إسبانيا.
وانتقل الكاتب البريطاني إلى الحديث عن العصر الحاضر، راصدًا قرار حكومتي إسبانيا والبرتغال الأخير بمنح الجنسية لذراري اليهود الذين طُردوا من الدولتين. ويرى «فيسك» أن «ما حدث للمطاريد قبل نحو 6 قرون كان بمنزلة تطهير عرقي وجريمة ضد الإنسانية، لكننا كنا ننتظر أكثر من ذلك من جانب أصدقائنا في إسبانيا والبرتغال؛ ذلك أنه لسوء الحظ ثمة ضحايا آخرون (مسلمين) ينبغي أن يسري عليهم القرار».
ولفت «فيسك» إلى أن أحفاد اليهود المطرودين من شبه الجزيرة الأيبيرية «الأندلس» في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، سيحق لهم بموجب هذا القرار حيازة جواز سفر يؤهلهم للتنقل بحرية بين 28 دولة أوروبية، معظم هؤلاء يعيشون في إسرائيل، لقد مُنحوا «حق العودة» وهو حق لم تمنحه إسرائيل للفلسطينيين الذين أخرجوا من ديارهم ولن تمنحه حتى تقوم دولة إسرائيل.
وأشار «فيسك» إلى أن المسئولين الإسبان والبرتغاليين لم يشرحوا أسباب لجوئهم إلى التمييز العنصري بين أحفاد ضحاياهم من المطاريد «اليهود والمسلمين» قبل نحو 600 عام، وتساءل عن الأساس الذي تم عليه منح أحفاد المطاريد اليهود حقوقًا أكثر من رفقاء دربهم من المسلمين.
ولفت الكاتب إلى إمكانية رفض المجتمعات اليهودية المحلية اعتماد طلبات منح المواطنة لكثير من اليهود، وأشار أيضًا إلى استهجان المقترح برمته من قبل بعض كتاب الرأي اليهود.
وأوضح فيسك أن الحكومتين الإسبانية والبرتغالية ليستا بصدد تقديم اعتذار لليهود -كما يتعيَّن عليهما بالتأكيد- بل هما فقط بصدد عرض لمنح اليهود جوازات سفر، وليس ثَمَّ حديث حول دفع تعويضات. أما المسلمون الذين طردوا من إسبانيا عام 1609 فلا حديث عنهم مطلقًا.
ورصد «فيسك» رؤية المحللين اليهود للعرض «السخي» من جانب إسبانيا والبرتغال بأنه «لم يكن لأسباب تتعلق بالضمير، بل جاء لأن اليهود أغنياء سيساعدون اقتصاد الدولتين المفلستين. إنه قرار يستند إلى الحاجة الاقتصادية. هذا بالضبط وراء استثناء المسلمين من العرض. إن عودة المسلمين إلى إسبانيا والبرتغال يعني مطالبة عشرات الملايين بالحصول على حقوق المواطنة دون أن يجلب هؤلاء معهم المال».
وأبدى «فيسك» عدم اقتناعه بوجهة النظر هذه، مشيرًا إلى أن عشرات الآلاف من المسلمين أثرياء، ويمكنهم جلب مبالغ كبيرة إلى إسبانيا والبرتغال. ويرى «فيسك» أن الأسباب الحقيقية وراء هذه التفرقة العنصرية تعود إلى أن «أبناء عمومتنا في مدريد ولشبونة لا يريدون عودة المسلمين إلى أوربا، فضلاً عن منحهم حقوق المواطنة. إن إسبانيا والبرتغال تريدان ضمان طرد المسلمين نهائيًّا».
واختتم «فيسك» مقاله بالقول: «إن الأندلس كانت ذات يوم مثالاً رائعًا من أمثلة (التعددية الثقافية) لا يريد الإسبان عودته. لكل شيء إذا ما تم نقصان، كما قال الشاعر صالح بن شريف الرندي 1248 حينما كان يرثي سقوط إشبيلية كبرى الحواضر الأندلسية».