قصص قصيرة جدا 6
(1 )
بدر وهلال
كان بربال في زيارة إلى بلاد فارس استجابة لدعوة من ملكها كسرى حيث أقيمت الولائم تكريما له ، وأغدقت عليه الهدايا السنية جِماما . وسأله أحد الأعيان عشية عودته إلى بلاده عن الفرق في رأيه بين ملك فارس وملك بلاده الهند ، فأجاب : ملككم بدر تِم ، وملك بلادي هلال .
فسر مضيفوه الفرس من إجابته . وحين عاد إلى الهند ألفى إمبراطورها أكبر حانقا عليه أعنف الحنق ، سأله : كيف تحقر ملك بلادك ؟! يا لك من خائن !
فقال بربال : كلا يا صاحب المعالي ! لم أحقرك . البدر يتناقص حتى يختفي ، والهلال يزداد كبرا ليلة إثر ليلة . ما أردت حقا قوله للقوم هو أن قوتك تتعاظم يوما فيوما بينما تسير قوة كسرى فارس نحو الأفول .
فنخف أكبر رضا ومسرة ، ورحب بعودة بربال بعناق حار .
(2 )
بربال يختزل الطريق
كان الإمبراطور أكبر على سفر مع عدد من رجال حاشيته إلى مكان بعيد ، وكان النهار حارا ، وأخذ الإعياء من الإمبراطور مأخذا شديدا ، فسأل متبرما متنكدا : أما من إنسان قادر على أن يختزل لي هذا الطريق ؟!
فقال بربال : أنا قادر على اختزاله !
وتبادل رجال الحاشية الآخرون النظر متحيرين . كل واحد منهم يعلم أنه ما من طريق آخر خلال هذه الأرض ذات التلال سوى هذا الطريق ، وأنه الوحيد القادر على إبلاغهم قصدهم .
قال الإمبراطور إلى بربال : أنت قادر على اختزال الطريق ؟! جميل . اختزله !
فقال بربال : سأختزله . اسمعوا أولا القصة التي سأقصها على مسامعكم !
وشرع وهو راكب إلى جانب محفة الإمبراطور يقص قصة طويلة آسرة جعلت الإمبراطور وكل رجال حاشيته يصغون إليها مسحوري الألباب حتى بلغوا نهاية الطريق قبل نهاية تلك القصة ، فصاح أكبر : وصلنا إلى غايتنا بسرعة كبيرة !
فصرف بربال أسنانه ، وقال : جميل . طلبت اختزال الطريق ، فاختزلته لك .
(3 )
جواب في مذاق الحلوى
فاجأ الإمبراطور أكبر مرة رجال حاشيتهم حين سألهم سؤالا غريبا هو : ما العقوبة التي يجب إنزالها بالشخص الذي قد يشد شاربي ؟!
فأجاب أحدهم : يجب جلده .
وأجاب آخر : يجب شنقه .
وأجاب ثالث : يجب حز رأسه .
عندئذ سأل الإمبراطور بربال : ما تقول أنت يا بربال ؟! ما العقوبة الملائمة لمن قد يشد شاربي ؟!
فأجابه بربال : يجب أن يعطى حلوى !
فتساءل رجال الحاشية منبهرين متعجبين: حلوى ؟!
فقال بربال : نعم حلوى ؛ لأن الوحيد القادر على شد شارب الإمبراطور هو حفيده .
وسر الإمبراطور أكبر سرورا عظيما بجواب بربال حتى إنه نزع خاتمه وقدمه إليه مكافأة .
(4 )
خادم الملك فحسب
كان الإمبراطور أكبر وبربال على جواديهما في الريف ، وصدف أن جازا بمزرعة ملفوف ، فقال أكبر : الملفوف خضرة رائعة ، لكم أحبه !
فقال بربال : الملفوف ملك الخضراوات .
وجازا بعد أسابيع بنفس المزرعة ، فتجهم الإمبراطور حال رؤيته الملفوف ، وقال : ألفت حب الملفوف ، أما اليوم فما أستسيغه !
فوافقه بربال : الملفوف سيء الطعم .
فذهل الإمبراطور ، وقال لبربال : لكنك المرة الفائتة قلت إنه ملك الخضراوات .
فأقر بربال : نعم ، قلت ، لكن أنا خادمك يا صاحب السمو لا خادم الملفوف .
(5 )
بربال طفلا
استاء الإمبراطور أكبر من مجيء بربال متأخرا لأداء عمل من الأعمال ، وبين بربال علة تأخره قائلا : كان طفلي يبكي ، فاضطررت لتهدئته .
فسأل الإمبراطور :وهل تأخذ تهدئة طفل كل هذا الوقت ؟! ظاهرٌ أنك لا تعلم شيئا عن تربية الأطفال . تظاهر الآن بأنك طفل ، وسأتصرف انا كأب لأبين لك كيف يحسن أن تتعامل مع الطفل . هيا ! اطلب مني كل ما قد يطلبه منك طفلك !
فقال بربال : أريد بقرة .
فأمر الإمبراطور بإحضار بقرة إلى القصر .
فقال بربال : أريد حليبها .
فأمر الإمبراطور : احلبوا البقرة ، وقدموا له حليبها !
فحلبها الخدم ، وقدموا حليبها لبربال ، فشرب قليلا منه ، وأرجع الزبدية ( السلطانية ) إلى الإمبراطور ، وانتحب : أعيدوا الآن بقية الحليب إلى ضرع البقرة ! أعيدوه ! أعيدوه !
فصعق الإمبراطور ، وبارح الغرفة هادئا دون كلمة .
*عن موقع " قصص قصيرة جدا " الإنجليزي .
*بربال ( 1528 _ 1583 ) من أشهر الشخصيات في تاريخ الهند وموروثها الشعبي ، وهو ابن رجل فقير من طائفة البراهما . وميزته حكمته وفطنته وحلاوة روحه ، وقدرته على الإدارة ، والبراعة في الشئون الحربية . وكان من ألمع مقربي ومستشاري الإمبراطور المغولي أكبر الذي حكم الهند 45 عاما . وبربال فوق مواهبة وقدراته السابقة شاعر ومصنف كتب ، وتسببت مزاياه الكثيرة في جلب الحسد والعداوة له من منافسيه ، ويقال إن حياته انتهت غدرا حين كان يقود حملة عسكرية كبيرة في أفغانستان . وللقصص التي تعرض لحوادث حياته وأخبارها شعبية كبيرة في الهند . ( ح . ص ) .
وسوم: العدد 743