نار الحرب
مسرحية من فصل واحد
" أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم "
(حديث شريف) كلمات أجهضت الفتنة في مهدها .
يجلس مجموعة متآلفين متحابين على جانب من المسرح يمرّ بهم حبر من أحبار اليهود يعلق النجمة السداسية على صدره ومعه فتى يهودي اسمه رابين ، فينظر الحبر إليهم نظرة حسد ويقول بصوت يظهر فيه الحقد اليهودي .
شاش : ورب موسى وعزير لو تركناهم هكذا لداسوا على أعناقنا بأقدامهم ألا تراهم متحابين متآلفين لمن نصنع السيوف إذن ومن يشتريها ، وكيف سنعيش ؟ لا أكون شاش بن قيس كبير أحبار اليهود إن لم أشعل نار الحرب بينهم .
رابين : أتذكر هؤلاء المتحابين كانوا أعداء قبل إسلامهم ، وأنا الذي أشعلت نار حرب بعاث بينهم .
شاش : أكمل إنجازاتك يا رابين واذهب وذكّرهم بيوم بعاث ذلك الإعصار الذي كاد أن يجتاحهم وتلك العاصفة التي كادت أن تدمرهم في صحرائهم لولا محمد الذي آخى بينهم ، اذهب يا رابين وذكرهم بقتلاهم وأنشدهم ما قد قالوه من أشعار.
رابين : اطمئن يا حبر الأحبار فأنا من تلاميذك .
شاس : ألا تعلم يا رابين أن هؤلاء العرب المفروض أنهم خدم لنا ولكنها ملحمة كُتبت على بني إسرائيل .
رابين : اطمئن يا حبر الأحبار فأنا أعرف نفسيات العرب وأعرف كيف أوغر صدورهم .
شاس : أعجبني ما حققته من مشاحنات بين العرب في المباحثات الأخيرة ، حققت السلام لنا نحن .
رابين : " بغيظ " سأشعلها حرباً ضروساً بين المسلمين .
شاس : إن نجحت يا رابين في هذه المهمة سأمنحك درجة حبر من أحبار اليهود فمثلك لا يحتاج إلى وصية فأنت يهودي ابن يهودية .
رابين : " يترك الحبر ويذهب إليهم " السام عليكم .
المجموعة : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
" ويقف كل الناس لتحيته إلا سعداً كان مضطجعاً فلم يهتم " .
رابين : كيف حالك يا عمرو ، منذ زمن لم أرك .
عمرو : أهلاً رابين حبيبي ، أين أنت يا ربروب .
رابين : " يمد يده " وأنت كيف حالك يا سعد .
سعد " يترك يده ممدودة ولا يصافحه إلا بعد إحراجه " .
رابين : وكيف حالك يا وائل ، إن لم أسأل عنك لا تسأل عني .
وائل : لا بل سألت عنك كوهين كثيراً ، وإني دائم السؤال عنك يا رُبْيان .
سعد : يا إخواني قد أخطأتم في ردّ التحية فقلتم وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وكان من الأنسب أن تقولوا وعليك فقط ، ألم تسمعوا تحيته .
وائل : قال تعالى : [وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها] (النساء : 86) ألم تسمعه وهو يلقي السلام .
سعد : لا يا وائل إنه يقول : السام عليكم يعني الموت عليكم ، وقد قالوا مثلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : [وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله] (المجادلة : 8) .
عمرو : لم يخطر ببالنا هذا التحريف .
سعد : وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليكم ، قالت عائشة : ففهمتها ، فقلت وعليكم السام واللعنة ، قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مهلاً يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله ، فقلت يا رسول أولم تسمع ما قالوا ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد قلت وعليكم .
رابين : " لوائل " لقد أتيت لأجلس معكم وأستأنس بكم ولكن ما الداعي لهذه اللهجة التي يتكلم بها سعد .
وائل : يا سعد ماذا تقصد من هذا ؟
سعد : لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأدب وعلمنا رد التحية على أهل الكتاب وهي أن نقول " وعليك " فإن قال السلام عليكم فقد رددت تحيته وإن قال السام عليكم ، فالموت قدره الله علينا جميعاً .
" ويسكت لحظة " يا جماعة لماذا تسمحون لهذا اليهودي أن يجلس بيننا ، أخشى أن يبث السموم بيننا كالأفعى .
وائل : " بتعجب " يا سعد يا سعد يا أخي !! وما المشكلة ، دعه لعله ينشرح صدره للإسلام .
سعد : بل إني أخشى أن يردكم بعد إيمانكم كافرين .
رابين : من هذا الرجعي المتطرف الإرهابي المتخلف الذي يتكلم .
وائل : دعك منه يا رابين ، ما آخر أخبارك .
رابين : " ينظر إلى وائل ويتجاهله ويكلم عمراً "
إني أرى عجب العجاب ، أتكون من الأوس وتجلس مع هذا الخزرجي ، هل نسيت دم أبيك الذي قتلوه يوم بعاث ، إنك لو نسيته فإني لن أنساه ، أين الرجولة التي اشتهرت بها وأين الثأر ؟
عمرو : (يبدو عليه علامات الضيق والغضب من كلام رابين) إنني لم أنسه فلا تذكرني بهذه المأساة .
رابين : (يبتسم ويلتفت إلى وائل) وأنت يا وائل يا أعظم شعراء العرب وأشجعهم ، هل نسيت أخاك عامراً الذي قطعه الأوس يوم بعاث وهو في زهرة شبابه وكنتم تعدونه ليكون سيد الخزرج ، هل أصبح الدم ماءً ، هل نسيت قصيدتك التي قلتها على قبره وهي من أطول وأبلغ قصائد العرب .
وائل : (يتغيظ من سماع الشعر) كان يوم بعاث لنا .
عمرو : لا بل كان لنا ولو أردت أن نعيده أعدناه فقطعنا لكم عامراً آخر ، وأذقناكم حسرة الهزيمة في يوم بعاث .
وائل : (يشتد غضبه) نتواعد على يوم للقتال .
عمرو : الجمعة القادمة مثل اليوم .
رابين : " وهو يبتسم " لماذا لا يكون غداً السبت حتى نستطيع أن نشاهد ونتابع ونشجع ونرى لمن ستكون الغلبة .
وائل : غداً السبت .
سعد : يا جماعة حرام عليكم أراكم كالأسود في خلافاتكم ، ولكن أين غضبة المؤمن لحرمات الله ، أين غضبة المؤمنين على أعداء الله ، أين غضبة المؤمنين على أعداء الله ، اتقوا الله ولا تتفرقوا ـ إني ذاهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخبره " ويخرج ويتركهم متشاغبين متناحرين " .
صوت : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا معشر الأنصار ، ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألف الله بين قلوبكم بي ، وعالة فأغناكم الله بي ؟
الجميع : " بتكرار " " الله ورسوله أمن " .
صوت : ثم قال : " أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم " .
سعد : نزل جبريل بوحي من عند الله فيه آيتان تخاطبان اليهود ، واثنتا عشرة آية تخاطب المؤمنين ، " ويقرأ القرآن وهو متوجه نحو رابين فيتقهقهر من أمامه " [ قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجاً وأنتم شهداء والله بغافل عمّا تعملون (99)] (آل عمران) " ويتوجه إلى المسلمين المتعانقين ويضع يده على أكتافهم ويقرأ " [ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين (100) ] (آل عمران) ، ويشير بوجهه نحو رابين وهو يقول : [ فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين (100) ] (آل عمران) ويتابع القراءة إلى : [ يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون (111) ] (آل عمران)
رابين : " أثناء قراءة الحديث وتلاوة القرآن يتحسر " يا ويلي قبحاً لك يا سعد ، قبحاً لك يا سعد ، قبحاً لك يا سعد .
يبكي المسلمون والقرآن يتلى ثم يتعانقون وتخمد الفتنة .
سعد : [ كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً ] (المائدة : 64) كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله بأهل الإيمان في كل زمان يقدمون للناس آيات الله ، فأين من يسمع آيات الله في زمانكم !.
ستار