حصار في الشَّمس
أوبريت (مسرحية غنائية قصيرة) :
حصار في الشَّمس
د. كمال أحمد غنيم
المشهد الأول
(خالد شاب يدرس الطب في سنته الأخيرة بالخارج، حُوصر في غزة في أثناء زيارته لأهله، مطرق الرأس على مكتب، يقف ليتجول بحيرة مرددا مواله الحزين)
خالد ( موّال):
يا صبرَ أيوبَ ضجّ الصبر من حالي لا بـحـرَ أعبره؛ ولا طريق هدى قـولـوا لأمـتـنا: "إنَّا على وجعٍ "مـاذا نـقـول لأطفالٍ تحاصرهم "مـاذا نـقول لمرضانا إذا ارتجفوا "مـاذا نـقول لجرحانا إذا نزفوا؟! | والـناس مرّوا وما اهتزوا لأحوالي سـارت بـه النَجَدَات وسْط أهوالٍ إن لـم تكوني لنا... فمن لأطفالِ؟!" سـودُ الـقـنابلِ في أفواهِ أغوالِ؟!" هل حقنةُ البنج قد صارت بأغلالِ؟!" سـيروا على شوك آهٍ نحوَ آجالِ!!" |
(يدخل أحمد عند قوله "ماذا نقول..."، يمسح دموعه، ويتماسك، ثم يتقدم إلى صاحبه ليعانقه، ويتكلم)
أحمد:
دعـنـا نكون جواب سـارت قضيتنا على وجعٍ بـالـدمِّ قـد جدنا بلا وهنٍ | أسئلةٍطـال الزمان وما والـصبر ممشاها ومرساها بالروح -إن طلبت- فديناها | عرفناها
خالد ( بيأس):
هـذي شـعاراتٌ أعـوام عمري لن أضيعها فـقرٌ أصاب أبي بإغلاقٍ وأنـا بـلا علمٍ ولا طبٍّ | نرددهالا تحكِ لي هذي الشعاراتِ أهـذي بـهـا كالببغاواتِ ضـاعت به كل التجاراتِِ عـامٌ تـبـقّى للشهاداتِ! |
(يدخل والد خالد في أثناء حديثه الأخير)
أبو خالد:
أهذا بعض ما ترك الحصارُ؟ أجاعونا فدار بنا الدّوارُ
إذا نجح العدوُّ فقد هُزمنا وإن نجحوا فقد حلّ الدمارُ
أحمد:
لقد فشلوا بصبرٍ من رجالٍ تصدُّوا للحصارِ وما يُثارُ
خالد ( بخجل):
وهل كفٌّ تناطحُ ما يُدارُ؟! إذا نسفوا أصابهم السُّعارُ!
أبو خالد:
لـنا في الله يا ولدي تـعالوا نشعل الشمعات ليلاً لنصرخَ في ضمير الناس إنَّا | رجاءٌوأهـل الخير في الدنيا كِثارُ لـيشعلَها الصغار أو الكبارُ نـموت ولا يُفكُّ لنا إسارُ!! |
أحمد:
لنخرجَ من إسار الحزن أقوى ونمسحَ بعض ما فعل الحصارُ!
أبو خالد:
لتذهبَ نحو مستشفى الشفاءِ
أحمد:
فمن كفّيك ينبثق النهارُ
خالد ( بتردد):
وهل يشفى المريض على مريضٍ؟!
أحمد:
إذا صمد الجميع فلن نُضار!
(يعانق خالد أحمد، وينطلق الاثنان، ويرفع الأب يديه بدعاء غير مسموع، ويتم إعتام المسرح انتقالا للمشهد الثاني، ويمكن أن تنكشف ستارة داخلية عن ديكور المشهد الجديد)
المشهد الثاني
(يُضاء المسرح، أو تنفتح الستارة الخلفية على جانب من غرفة مستشفى، وسرير لطفلة مصابة، وجدها في السبعين إلى جوارها، ويتبين أنه مريض في المستشفى أيضا بمرض السرطان!)
الجد ( بابتهال ودعاء):
أنـا يـا ربِّ أشـكـو للرحيمِ وما مرضي العضال إليك أشكو فـقـد نسفوا بيوتا جنب بيتي فـيـا ربّـاه أكرمْ بنتَ بنتي | فـكـم نزلت علينا من ولـكـن ما تمادى في الصميمِ وقـد قتلوا الرجال مع الحريم وأنـقـذهـا من الموت الأليم | همومِ
أمل( تتململ في أثناء دعاء جدها، وتردد بوهن في البداية):
أنا يا جدُّ ما استوعبت أمري فهل أغمى عليَّ من الهجوم؟!
وهل ما زلت أحيا دون أهلي وما عظمي سوى كوم الهشيم
الجد ( بتصبر):
إصـابـتنا تُزامن فقدَ أيـا بنتي أنا ما زلت أشكو وفي السرطان ذابت أمنياتي | بنجٍوحرماناً من الموت وما زالت تراودني سمومي بأن أحميك من عصرٍ ذميمِ | الرحيمِ
(يدخل أحمد وخالد، وأمل تتحدث مع جدها بألم)
أمل:
يـذكرني طلوع الشمس لـماذا جئت يا جدي...أتنسى أمـا سـمحوا لمثلك بالمرور | أهليولا أنسى مع الذكرى شجوني عـلاجك وسط لوعات المنون من المشفى إلى مشفى السجون |
لقد حكموا علينا بالممات وما سمحوا ببنجهم الخؤون
أمل:
أما
يكفيك موت أمي فألقونا إلى وسط الأتونفلا
بنجٌ ولا جبسٌ أمدّوا ولا سمّاعة القلب الحزين(تبكي، ويتدخل خالد لتشخيص حالتها، يتعب الجد في أثناء الفحص)
خالد ( بقوة):
سنحيا رغم هذا الموت فينا سنركب عند نوحٍ في السفينِ
وننجو وسط أمواجٍ ذئابٍ بأشرعةِ الحنينِ مع اليقينِ
الجد ( بألم، يُشعر بقرب أجله، يتحول خالد وأحمد إليه يحاولان إنقاذه)
كـوني يا بنتي لي قولي ما سمحوا للمرضى لا شربَ هنا، لا أكلَ هنا قـلـبـي ما زال فدائيا مـا زال النصر يراودنا ما دامت تصدر صرْخاتٌ | أملاًواحـكـي للدنيا بـمـرورٍ للزمنِ الآتي لا تُـسـمـع إلا آهاتي! لا ضـيـر عليكم أبنائي مـا دمـنا وسْط العقلاءِ تـطلبُ تحريرَ الشرفاءِ | مأساتي
(يلفظ الجد أنفاسه، يمدده أحمد وخالد على السرير، فيغطيانه بغطاء أبيض)
أمل ( تبكي):
وهل أملٌ على أملٍ سيبقى وهل أملٌ مضى مِزَقَاً سيرقى
أما شهد الأنامُ حصار شعبٍ وهل سكتوا على من جار حقّا
خالد ( بمواساة وإيمان):
سـؤالـك يـا ابنة الآلام يـعـلمني سؤالك كيف أسمو تعالي كي نعلّي الصوت جهرا | مرُّولا يـرقـى إليه سواي وإن نـزلـت بنا نُزُلٌ تضرُّ ونصرخَ بالأُلى غُرُّوا وسُرُّوا | حرُّ
أحمد:
فاضت من قلبي فلتسمع يا كونُ صياحي هـل تقرأُ نبض حكاياتي | أحزانيطـرقت جدرانَ الخزّانِ إنـي مـحبوسٌ وأعاني هل تسمعُ صوتَ الإنسانِ |
(يتجه خالد إلى الجدار يطرق عليه عندما يطلب أحمد في قوله التالي ذلك، وتقوم أمل بصعوبة، وهى تحمل معولا صغيرا ترفعه في محاولة لكسر جدار وهمي، أو جدار حقيقي موضوع مجسّم له، أو أسلاك شائكة)
أحمد وأمل وخالد ( بصوت واحد والإضاءة تتزايد قوة):
فـاضت من قلبي فـلتسمعْ يا كونُ صياحي طـالت أزمان حصاراتي يا أقصى الأرض ويا دنيا يا أقصى الأرض ويا دنيا | أحزانيطـرقـت جدران هل تسمعُ صوتَ الإنسانِ؟ واتـسع الجرح بأحزاني إنـي مـحـبوسٌ وأعاني إنِّـي مـحـبوسٌ وأعاني | الخزّانِ
(صوت تحطم جدار أو تكسر أسلاك... يخرج من وسط الجمهور عدة رجال، اثنان منهم بكوفية فلسطينية، وسبعة بعقال عربي، واثنان بطاقية غريبة، يمارسون بحركات وهمية محاولة كسر جدار وهمي وفتح البوابة المشرعة... يتبين تحطيمه، وانفتاح البوابة، يدخل الرجال معهم أدوية وأغذية، ويسمح أحدهم لخالد بالخروج وهو يحمل حقيبته ويلوّح لأحمد بذراعيه.... بينما يصاحب كل ذلك غناء جماعي)
صوت المجموعة:
اكـتـب يا زمن مـن أوربّـا من أمريكا اكـتب في دنيا النسيان اكتب واكتب بعض معانِ اكتب... حطِّمْ قيدَ السجنِ | الحريةشـمـسُ بلادي مـن كل بلادي العربيهْ هـذا زمـنٌ لـلـحريهْ ولَّـى عـهدُك يا همجيّهْ سـجنِ شعوبٍ إسلاميّهْ | للفدائيهْ
-ختام-