أمي الحبيبة ماذا دهاك ؟ !!...
في منزل متواضع تُرَى امرأة مستلقية على الأرض وإلى جوارها صورة فتى ملقاة على الأرض أيضا .
تدخل هدى وهي فتاة في العاشرة من عمرها، ويبدو عليها حزن شديد ، وتنادي أثناء دخولها :
-ماما ، ماما .
ترى هدى أمها على الأرض فتصرخ :
-ماما .. ماما ... ماذا بك .. أنت حزينة لأن اليهود أخذوا أخي أحمد .. لعنهم الله ..
وتبكي هدى .. وتقترب من أمها وتجلس إلى جوارها لتهدئ من روعها لعلها تستطيع مواساتها ، وتقول لها :
-أمي، غدا يطلقون سراح أحمد، لعنهم الله. ماذا جنى؟ إنه لايزال صغيرا..
وتسكت قليلا ثم تقول :
-أمي لاتحزني ، لن يطول غيابه بإذن الله .
-الأم لا ترد .
-هدى: لماذا لاتردين علي ياأمي ؟ أنت تحبين أحمد أكثر منا أليس كذلك ؟ لو كان أحمد يكلمك لرددت عليه ، سأنادي أختي الكبيرة عائشة فهي محبوبتك .
-هدى : ياعائشة ، أمي لاترد علي وأنا أكلمها ، تعالي أنت فكلميها ، هي حزينة على أخي أحمد حزنا شديدا .
تدخل عائشة وهي فتاة في الخامسة عشرة من العمر، وتقول :
-ياأمي ، ياحبيبتي .
-الأم لاترد
-عائشة تقول لهدى بصوت منخفض: كأن أمي أصابها شيء ، هيئتها لاتريحني .. لماذا لاترد علينا ؟
-هدى تقترب من أمها وتضع رأسها على صدرها فلا تتحرك فتقول :
-أمي .. أمي ..
تأتي عائشة وتضع أذنها على صدر أمها فتسمع طرقات قلبها الحادة فتقول:
-كأن أمي ارتفع ضغطها .
تسرع عائشة إلى هاتف المستشفى وتقول :
-مستشفى دار السلام .. أمي في حالة إغماء .. العنوان هو ( مدينة غزة شارع الزيتون ، بيت المقدسي ، رقم 15) .
-عائشة وهدى تبكيان وتقولان أما كفانا استشهاد أبي وسجن أخي، والآن جاءنا مرض أمي ؟ ياإلهي ؟ ماذا سنفعل، هدم اليهود البيوت، قتلوا الناس وسجنوهم .. أين أنت ياأحمد ؟
تأتي طبيبة من المستشفى وتقيس ضغط الدم للأم فتقول :
-إن ضغطها وصل إلى ارتفاع شديد وقد يسبب لها شللا، ولكن المستشفيات مليئة بسبب حرب غزة ، أبقوها هنا وعلقوا لها السيروم وأنا جارتكم وسأزورها قبل أن اذهب إلى المستشفى وعندما أعود منه .
وتسكت قليلا ثم تقول :
-الحصار على غزة غير طرق العلاج ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
-هدى وهي تبكي : ماذا جرى لك ياأماه .. ياإلهي .. يارب السماء والأرض .. اشف أمي .. اشف أمي يارب، اللهم أذهب البأس عنها فأنت الشافي لاشافي غيرك، أدعوك يارب ، أدعوك ياالله وأنت قريب سميع مجيب الدعوات .
-عائشة : أمي .. ياأحب الناس علي .. أنت حياتي ونور عيني .. نورت لي قلبي .. هاأنا بين يديك طفلة تحتاج إلى حنانك ، ماذا جرى لك ؟
-هدى: أنا مشتاقة إلى سماع صوتك الحنون ، ضميني لصدرك ياأمي كما كنت تفعلين .. أشتاق قبلة منك ، أن أقبل يديك الطاهرتين وأن أسمع دعاءك لنا ..
-الأم تنادي في هذيانها : أحمد ... اليهود ... يأبا أحمد .. السجن ..
-هدى أسمعت ياعائشة ؟ إن أمي تتكلم ؟ إذا هي ليست مشلولة .. الحمد لله ..
عائشة تتصل بالطبيبة وتقول لها:
- سمعت أمي وهي مغمى عليها تتكلم .
-الطبيبة : هذه بادرة خير إن شاء الله وبقي أن تمشي بعد صحوها .
-هدى للأم : قلبك ياأمي ما أسماه
ما أفضله .. ما أعظمه ..
ما أرحمه ماأكرمـــــــه ..
تبارك الله الذي سواه
-الأم .. أحمد .. أحمد ..
-عائشة : أحمد بطل ياأمي فلا تخافي عليه ..
-هدى : مسكينة أمي كم تحملت من أجلنا ..
-عائشة : لم يعد لديها القدرة على التحمل .. استشهاد أبي أتعبها، والعمل خارج البيت كذلك .
-هدى : متى ستعود إليك صحتك ياأمي الحبيبة ؟ متى سأسمع دعاءك لي وأنا ذاهبة إلى المدرسة ؟ متى سأرى بسمتك الحلوة وأنا عائدة إلى البيت ؟
-عائشة : ومتى سأسمع نصائحك وتلاوتك للقرآن الكريم كل صباح ومساء ؟
يارب احفظها يارب .. لم يعد لدينا أحد .. أمي ملاذ حياتنا .. كم تعبت في خدمة الناس لتريحنا وتطعمنا ..
-هدى : ماذا جرى لأسرفلسطين حتى تفقد أبناءها واحدا تلو الآخر ؟
-عائشة : لم تعد أمي تتحمل ماتحملته من عذاب ، كانت كالطير تتنقل من بيت إلى بيت ، ومن أرض إلى أرض لتجلب حاجياتنا ، كانت حياتها جحيما وحبا وودادا ..
-هدى : أمي أنت أعز الناس علي .. أنت الأحلى في عيني ، كم ليلة قمت تداريني ، وبصوتك الناعم تغنيني ، تخافين علي من برد ومن حر .. ومن ألم ومن جوع .. عشت ودمت لنا يا أمِّ ..
-تدخل الطبيبة وتعطي الأم دواء فيتغير وجهها فتقول :
- الطبيبة : الحمد لله لقد بدات تتحرك وستصحو بعد قليل .
-هدى الحمد لله يارب
-عائشة : الحمد لله يارب
-الطبيبة هاهي تفتح عينيها .
-هدى وعائشة : أمي .. أمي ..
-الأم تصحو وتقول : أنا لاأستطيع أن أحرك رجلي .
الطبيبة تنظر إلى البنتين وعيناها تدمعان :
-إذا اشتروا لها كرسي المعاقين
-هدى وعائشة : ماذا .. هل يعني أن أمي صارت ... عاجزة ؟
-الطبيبة : الحمد لله على سلامتها ونطقها ، وقضاء الله لايرد .
-هدى وعائشة تسقطان على أمهما وهما تناديان : أمي ياحبيبتي ماذا دهاك ؟ لاحول ولا قوة إلا بالله ؟ لعن الله اليهود كم أجرموا .. كم فتكوا .. آه ياأمي.. آه ياأمي .. آه ياأمي
وسوم: العدد 651