أمام المرآة
مسرحية
يسكن فارس في بيت متواضع وحيدا لا زوجة ولا اولاد ولا أهل إنه وحيد في هذه الدنيا إلا من بعض الأصدقاء
المشهد الأول :
يستيقظ فارس صباحا يفرك عينيه بكلتا يديه يقول :
أصبحنا وأصبح الملك لله الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور سأتوضا وأصلي قبل أن يدركني الوقت ...يتوجه إلى الحمام ..يتوقف فجأة
فارس : يبتسم ..صباح الخير ..كيف أصبحت ؟
إنه يخاطب صورته في المرآة المثبتة على الجدار.. يتابع :
ما الذي حلّ بنا ؟ كيف صرنا هكذا ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله بالأمس كنا نتوارى خلف الرذائل ونتظاهر بالمجون قل لي لماذا كنا نفعل هكذا؟ لن تردّ عليّ .. انا أقول لك ... يا سيدي كنا نتظاهر بالمجون والفسق أمام المخبرين حتى نوحي اليهم أننا بعيدون عن الدين والتدين. .. أليس كذلك ؟ يأتيه صوت من داخله كانه صادر من المرآة :
الصوت : بئس هذا الفعل يا فارس ! هل صارت الرذائل والمجون سترا للمؤمن ودرعا يحتمي به ؟ ما معنى هذا الإيمان !؟
فارس : ولكن .. ولكن هل من السهل أن تعلق في شباكهم ؟ وتقاد إلى زنازينهم ؟ وأنت تعلم أنّ الداخل مفقود .. مفقود !
الصوت : هذا وهم وخداع .. هذا ضعف إيمان .. ضعف ثقة بالحقّ الذي نتبعه.. ضعف يقين بعدل الله ورحمته..يا فارس الرسول صلى الله عليه وسلم لماّ اشتد عليه اذى الكفار لجأ إلى الله ودعاه وقال : .... إن لم يكن بك عضب عليّ فلا أبالي...
فارس : ذاك رسول الله .....
الصوت : ونحن أتباعه وسائرون على دربه
فارس : ولكن كما يقول المثل عندنا
(اللي ما ذاق المغراية لا يعرف ما هي الحكاية) ومن رأى العبرة بأخيه فليعتبر
الصوت :ما عرفتك جبانا خوارا هكذا يا فارس ثمّ ..قل لي مم تخاف هل قمت بعمل تؤاخذ عليه ؟ هل تورطت في شيء محرم أو ممنوع ؟ ماذا فعلت حتى يسكنك كل هذا الخوف ؟
فارس : دعني الآن اسبغ الوضوء وأصلي ثم نعود للثرثرة . سلام يا صاحبي .ه
المشهد الثاني :
الغرفة لازالت تكافح عتمة الليل لتستقبل أنوار الفجر
لا يوجد فيها سوى طاولة لا تكاد تتسع لجريدة وكرسي خشبي متهالك واسمال عتيقة يستعملها كفراش لنومه .
ينتهي فارس من الصلاة ويبقى في مكانه يتلو ورده اليومي ثمّ يتوقف وقد غلبته الدموع ....يتابع :يا رب لا أجيد رصف الكلمات وصياغة الجمل لادعوك بها ولكني توكلت عليك وها أنا أقف ببابك وأنت أعلم بحالي فلا تردني خائبا
يا رب .. يا رب .. يا رب ....
ينتهي من دعائه يقوم .. يتجول في الغرفة بلا هدف
يأتيه صوت بائع الحليب من أعماق الشارع :
الحليب .. الحليب .. صلّ على الحبيب نهارك يطيب...
فارس : ما أحلى هذا الصباح.. اللهم صلّ على الحبيب محمد
صلى الله عليه وسلم. لقد تأخرت سأذهب إلى عملي سألبس ثيابي واسرّح شعري وانطلق. ... يقف أمام المرآة
خياله : صباح الخير يا فارس
فارس : صباح الخيرات والنور والبركات كيف تراني هذا الصباح ؟
خياله : أراك نشيطا منشرح الصدر لقد بدأت أحبك من جديد
ابق هكذا متفائلا منشرحا
فارس : أمرك أيها الصديق ولكن دعني لا أتأخر عن عملي سلام
الخيال : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
المشهد الثالث :
يعود فارس مساء إلى بيته يبدو عليه الهمّ والضيق أول ما يصادفه خياله في المرآة
الخيال : ما بك عدت بغير الوجه الذي ذهبت به صباحا !؟
فارس : الى الله المشتكى .... إلى الله المشتكى
الخيال : ماذا حدث يا فارس قل لي
فارس : ثلاثة شبان مثل الأقمار في نقاء الملائكة وصفائهم
اعتقلوا اليوم أخذهم الزبانية من الجامعة وقادوهم الى الزنازين كان الله في عونهم
الخيال : لا تبتئس يا فارس هذا طريق الأنبياء لكن نهايته الفوز والنجاح بإذن الله كن مع الله ولا تبالي الله وليّ الذين آمنوا
فارس : لا أدري ما أقول لقد انفطر قلبي عليهم
الخيال : يا فارس قلت لك إنه طريق الأنبياء طريق الحقّ
لا بدّ فيه من الامتحان... تأمل سيدنا ابراهيم ماذا فعل به قومه ؟ قالوا ( حرّقوه وانصروا الهتكم...) ولكنه خرج من جوف النار سالما بعون الله ورعايته
قوم لوط ماذا قالوا ؟ ( قالوا : أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ..) ماذا حلّ بالقرية وأهلها الفجرة ؟
(...فجعلنا عاليها سافلها .. )
أصحاب القرية بسورة يس ماذا قالوا لرسلهم ؟
(قالوا لئن لم تنتهوا لنرجمكم أو ليمسّنكم منّا عذاب أليم..)
موسى وفرعون وأصحاب الأخدود ... وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم كم لاقى من أذى من قومه وكم عانى وكم تحمل !؟
فارس : المغزى من هذا الكلام ؟ ما هو المغزى ؟
الخيال : المغزى أن طريق المؤمنين أوله صعب ولكن نهايته مضمونة
فارس : أيها الحبيب هل تراني خائف هل تراني خوّار هل تراني جبان ؟ لقد حزمت أمري وتوكلت على الله وعرفت طريقي وسأسلكه بإذن الله سامشيه مهما لاقيت من صعوبات وعوائق. حسبي رضا ربي ... حسبي رضا ربي...
الخيال : والعاقبة للمتقين... والعاقبة للمتقين امض ولا تلتفت وراءك توكل على الله ....
فارس : يبكي ...حسبي الله ونعم الوكيل.. حسبي الله ونعم الوكيل..