إحسان الفقيه في لقاءٍ مع الموقع
أواجه تهمًا مُضحكة فأنا عدوّة لآل سعود وفي نفس الوقت مأجورة لآل سعود
أمنيتي أن أكون ممن يسهمون في نهضة هذه الأمة واستعادة مجدها، وأن ألقى الله وأنا باذلة لدينه.
أنظر بعين الإجلال لكل أرباب الأقلام الهادفة، وأساس التقييم لديّ هو توافق الكاتب وانسجامه مع المنهج الإسلامي والقيم الإنسانية السوية.
الانتماء للإخوان ليس جريمة، وعندما أقول إنّني لا أنتمي إلى الإخوان فلا يعني أنّني أقولها على سبيل التبرؤ، بل أقولها لأنّها الحقيقة لا أكثر.
لم أتوانَ عن التراجع عن الخطأ وإعلام الجمهور بتراجعي عنه ولا أستنكف عن التصريح بذلك فكلنا ذوو خطأ.
حوار: الدكتورة عزة عبد القادر
إحسان الفقيه الكاتبة الأردنية الأكثر شهرة بين الشباب والنُخَب العربية في مواقع التواصل الاجتماعي والتي تُعد من أكثر الكُتّاب المعاصرين جاذبية سواء ما يتعلق بوضوحها الفكري أو صياغاتها اللغوية المتقنة وتوظيفها مفردات لغتنا العربية لتصل الفكرة إلى القارئ بسلاسة من يُجيد صنعة الأدب على قلّتهم في زمننا هذا.
إحسان الفقيه ابنة “كفرأبيل” في لواء الكورة أحد ألوية محافظة إربد الأردنية التسعة، هي من مواليد 10 ديسمبر/كانون الأول 1978، درست في طفولتها بالمملكة العربية السعودية حيث مناهج التعليم المعنية بالتوحيد والتربية على العقيدة الصافية قبل عودتها إلى بلدها الأردن لتجد نفسها تحت وطأة التقاليد والعادات التي حملتها على الزواج المُبكّر لتُحرم إثر هذا من إكمال تعليمها.
عن تعليمها كتبت “الفقيه” في مدونتها الشخصية “لم يحالفني الحظ في أن تنجح محاولاتي في تعديل مساري التعليمي، فعندما التحقت بجامعة مؤتة عام 2001 درست التاريخ ولم أكمله، ثم درست القانون في إحدى الجامعات العربية لثلاث سنوات ولم يتسنَ لي الاستمرار لحين إتمام الدراسة، ثم درست بعدها الإعلام أخيرًا وأتممته، إلا أنّني مارسته قبلها بالعمل في صحيفة الدستور الأردنية منذ عام 2004 وحتى عام 2006”.
عُرف عن “الفقيه” قوة الشخصية والشجاعة والجُرأة غير المُعتادة في فضاء الإعلام العربي في تبنيها لقناعاتها والدفاع عن مواقفها السياسية والفكرية ما جعلها في مرمى نيران الجميع، الخصوم والمحبين معا.
تروق لها العُزلة لتمارس هواياتها في القراءة والكتابة ومشاغبة أنظمة الاستبداد والمنفاقين، كما تصف نفسها وتُعرِّف عنها بكونها “متعصبة لفكرتها دون أن تعتبر هذا إيجابيًا على الدوام بل سلبيًا في بعض الأحيان”.
ورثت “إحسان الفقيه” الكثير من الصفات التي لا تنتمي إلى هذا الجيل عن جدها (رحمه الله) ما جعلها “تسدد وتقارب ولا تدعي الاحتراف”، وهي التي تعبر عن نفسها “انتمائي الأول للإسلام، لا أرفع رايات حزبية ولا أنتمي إلى أيّ كيانات سياسية، أقف على مسافات متناسبة مع الجميع”.
مشوار “الفقيه” الذي ابتدأ في صحيفة “الدستور” الأردنية وتوقفت بعده قليلًا لتعود ثانية في الموقع العربي الشهير “عربي 21” ثم موقعي “شؤون خليجية والتقرير” اللذين أُوقِفا، كذلك كتبت في موقع “ترك برس” وفي “الحياة” اللندنية التي أوقفتها عن الكتابة لدفاعها عن الدعاة والمصلحين وأصحاب الرأي الذين اعتقلوا في السعودية ومواقع وصحف أخرى.
تُشغل “إحسان الفقيه” اليوم منصب مسؤولة “التحليل والتعليق” بالقسم العربي في وكالة الأنباء التركية الرسمية “الأناضول”، كما تكتب مقالات رأي بشكل منتظم لصحيفة القدس العربي التي تصدر في لندن.
لها مؤلفات قيد الطبع منها رواية ستصدر قريبًا ومؤلفات أخرى ستضاف إلى باكورة أعمالها كتاب “نصف المسافة” الذي لاقى إقبالًا واسعًا من جمهور القراء العرب.
ومع أنّ الكاتبة الأردنية “إحسان الفقيه” لا تحبّذ الظهور الإعلامي إلّا أنّها استجابت لدعوتنا لإجراء هذا الحوار الذي يُعد مكسبًا لموقعنا “موقع توضيح” وتشريفًا له.
كانت بداية حوارنا معها عن تفسيرها لغياب سيرتها الذاتية من موقع ويكيبيديا العربية و بتواضعها المعروف أجابت:
حقيقةً، هذا الأمر لم يأخذ حيّزًا من اهتمامي، ومن المؤكد أنّ لهم معايير خاصة تتعلق بكتابة السيرة الذاتية، ربّما لم تتوافر في إحسان.
في كل الأحوال لا أنشغل بهذا، أنا فقط أجتهد قدر وسعي، وسواء كان اسم إحسان في الموسوعة أو ليس فيها، الأمر لن يشكل فارقاً.
من المعروف أنّ لكل إنسان، مثلٌ أعلى في حياته له بصمات مميزة، وهنا نود التعرف على هذا الجانب في مسيرتك ككاتبة؟
مثلي الأعلى ككاتبة ليس شخصًا واحدًا بعينه، لأنّني تأثرت بأسلوب العديد من كُتّاب الأمة وأدبائها، وأتذوق ما يكتبون فيبقى في وجداني روحٌ من كلماتهم ومسحة من أسلوب هذا أو ذاك تظهر في كتاباتي دون أن أشعر.
إنّني أنظر بعين الإجلال لكل أرباب الأقلام الهادفة، وأساس التقييم لديّ هو توافق الكاتب وانسجامه مع المنهج الإسلامي والقيم الإنسانية السوية.
من وجهة نظرك هل تُعَد السياسة جزءًا لا يتجزأ من الحياة أم إنّه يمكن للناس تجنبها إيثاراً للسلامة؟
قطعاً هي جزء لا ينفصل عن الحياة لأنّها تتعلق بمصالح العباد، بل هي جزء لا يتجزأ من المنهج الإسلامي الشمولي الذي هو في الأصل صبغة عامة تصبغ جميع مناحي الحياة، وأما العزوف عن السياسة إيثارًا للسلامة فلن يحقق السلامة، لأنّه ببساطة شديدة تمكين للزمرة الفاسدة من هذا الميدان الحيوي، وهذا ما يريدونه بالفعل، أن ينعزل الثقات المصلحون عن العمل السياسي حتى يتسنى لهم العبث في مصائر الشعوب.
ما الموضوعات التي يمكنك تناولها في حال دعوتك إلى مؤتمر سياسي عالمي للتحدث عن الأردن ومصر؟
لو كان الكلام في المؤتمرات ذا جدوى لحُلَّت أزمات الأمة في مؤتمر واحد، لكنّ الحال كما تعلمين، عُقد المؤتمر، انقضى المؤتمر، ولا نعود بطائل، لكن على افتراض أنّ هذا ممكن، فحتماً سوف أطرق موضوع إعادة مركزية القضية الفلسطينية في الأمة بأسرها، ولدى الأردن ومصر بصفة خاصة، باعتبار أنّ الدولتين لهما النصيب الأكبر من التماس التاريخي والجغرافي والثقافي والسياسي مع فلسطين، ولهما تاريخ إداري طويل في الشأن الفلسطيني.
كيف تنظرين إلى الإعلاميين المؤيدين والمعارضين للنظم السياسية في العالم العربي والإسلامي؟ وما سر اختفائك عن القنوات الفضائية؟
يؤكد خُبراء الإعلام على أنّ الحيادية في العمل الإعلامي محض أوهام، فلابد وأنّ للإعلامي فكرة ينحاز إليها مهما حاول إظهار خلاف ذلك، ومعظم الإعلاميين تجاه النظم السياسية في عالمنا العربي إمّا مُؤيد مُنافح عن سياسات النظام يسقط من حساباته مثالب هذا النظام وجرائمه، وإمّا مُعارض على طول الخط ويرفض قبول الاعتراف بأيّ إنجاز طيب للنظام الذي يختلف معه، تأييد محض، أو معارضة محضة، يعني أنا مؤيد لهذا النظام أرفض مجرد توجيه النقد إليه وأروّج له وأنافح عن جرائمه وأُشرعنها، وأنا معارض إذن أنسف كل جانب إيجابي في هذا النظام، ومن ثم أتحالف مع خصومه باعتبار أنّ عدو عدوي صديقي، وأناصب حلفاءه الأعداء باعتبار أنّ صديق عدوي عدوي.
أما بالنسبة لاختفائي عن القنوات الفضائية، فلا أخفيك سرًا، أنا في الكتابة أكثر جرأةً وثباتًا، لكنّني غير معتادة على الظهور، ولديّ مشكلة في التحدث المباشر، فقلمي أكثر فصاحة من لساني، ربما يعود ذلك لنشأتي الريفية، لا أدري على وجه التحديد، لكنّني بيني وبين القلم أُلفة وانسجام، لا أرى أنّني سأفيد الجمهور كثيرًا بظهوري على الفضائيات.
هل تعيرين الاهتمام للحملات الإعلامية المستمرة التي تصفك بالإخوانية؟
نظرتي للإخوان المسلمين أؤكد عليها دائمًا ، هي جماعة لها بصمتها وتاريخها وعطاؤها، وهي جزء من النسيج المجتمعي لا تنفصل عنه، لها ما لها وعليها ما عليها.
أدافع عنهم ضد ما يُنسب إليهم من افتراءات وأدفع عنهم الظلم قدر استطاعتي، شأنهم كشأن جميع المسلمين.
أمّا الحملات الإعلامية التي تتهمني بأنّني إخوانية فقد اعتدت عليها، وفي الأساس الانتماء للإخوان ليس جريمة، وعندما أقول إنّني لا أنتمي إلى الإخوان فلا يعني أنّني أقولها على سبيل التبرؤ، بل أقولها لأنّها الحقيقة لا أكثر.
بتقديري أنّ هذه الحملات في نسبتي إلى جماعة الإخوان تعتمد على الحساسية الشديدة التي تكونت بين الجماهير تجاه الإخوان بعد الثورة المضادة لثورات الربيع العربي، وانطلاق إعلام الدول الراعية لها لضرب الإسلام السياسي الذي يمثله الإخوان، والربط بينهم وبين والإرهاب.
إذن ما هو ردك على ما يُثار حولك من شائعات تدّعي حصولك على تمويلات من تركيا وقطر؟
أمّا عن تركيا فقد مُنحتُ الجنسية التركية، وأعمل في وكالة الأناضول أتقاضى منها راتبي، هذا كل ما حصلت عليه من تركيا.
أمّا قطر فقد مللت من كثرة ما نفيت تلقي أي تمويلات من أي جهة فيها سواء كانت رسمية أو غير رسمية، وكل جهودي في الدفاع عن قطر ترجع لعدالة قضيتها وتعرضها لحصار جائر لأنّها لم تسبح مع التيار.
ولو كنت أتلقى تمويلًا من قطر لكان الأولى أن يمنحونني الجنسية وأقيم بينهم.
ولو كنت أبحث عن المال لتخندقت مع نظام ابن زايد وتمرّغت في المال الإماراتي، لكن دأب البعض على اتهام كل كاتب ينحاز لقضية ما بأنّه مأجور، والله بيني وبين من يتهمني بذلك.
” الذباب الإلكتروني”، هل ترين أنّ هذا المصطلح دقيق؟، وهل توجد بالفعل حملات تنظيمية موجهة ضد الكُتّاب والساسة أم أنّهم أفراد عاديين يتسمون بالجهل؟
الذباب الإلكتروني مصطلح أُطلق على تلك الحسابات التي هي في معظمها وهميّة زائفة، تصطفّ مع أنظمتها وتعمل على التشهير بخصومها عن طريق اختلاق الأكاذيب وبث الإشاعات، والمصطلح يكاد يكون معبراً بدقة عن حال هذه الفئات.
هنا تحضرني مقالة للأستاذ أحمد الزعبي مؤسس موقع سواليف الذي كنت أنشر فيه كتاباتي الأدبية في بداياتي الأولى، ذكر فيها مدى تناسب هذا المصطلح، لأنّ الذباب لا يقبل المواجهة ويكتفي بإزعاجك، وهو ليس نِداً نظيفاً، بل يحوم على فضلات المواقف الميّتة والكلام التافه حتى يموت الحدث فيطير دون أن يقيم له أحد وزناً أو قيمة.
إذن يمكن القول أنّ الحملات المنظمة الموجهة ضد شخصيات وكيانات ودول، تقوم عليها لجان إلكترونية تكون غالباً صناعة استخباراتية، تطيِّر الكذبة أو الإشاعة، فيتلقفها الغوغاء ويقومون بدور المروج، فتلك الحملات إذن ممنهجة باعتبار القائمين عليها، وعشوائية باعتبار أنّ المروجين لها هم من الغوغاء والجهلة وضعيفي الرأي.
هل تُعَدين كاتبة محيرة لدرجة تجعل البعض يتهمونك بأنّك من أشد الكارهين للسعودية وبنفس السياق يرونك تنافقين السعودية؟
أنا كاتبة بسيطة أجتهد في أن أخدم أمتي قدر استطاعتي، ولا أزعم إنّني أحتكر الحق، ولست أكاديمية أو خريجة معاهد وجامعات إعلامية، بل صنعتني الأحداث وتفاعلي معها.
أخطأت كثيراً وتسرعت كثيراً بدافع الحماس غير المنضبط، لكن مع الوقت بدأ النضج والتأني يشق طريقه إليّ، ولم أتوان عن التراجع عن الخطأ وإعلام الجمهور بتراجعي عنه ولا أستنكف عن التصريح بذلك فكلنا ذوو خطأ.
ومما تعلمته من التجارب ألّا أحب جملة أو أكره جملة، بل أحاول أن أتعامل بالقسط، فأيدتُ النظام السعودي في مواطن، وهاجمته في مواطن أخرى، فلست مبرمجة على منحى معين، إن أحسنوا شهدتُ لهم بالإحسان، وإن أساؤوا شهدتُ لهم بالإساءة، فالأمر بسيط غير محير لمن يفقه قواعد الحكم على الآخرين، والتُّهم المتناقضة التي أُتهم بها حيال السعودية مضحكة، فأنا عدوة لآل سعود وفي نفس الوقت مأجورة لآل سعود.
لو نظرنا إلى حساباتك في الفيسبوك وتويتر نجد أنّ مئات آلاف مُتابِع لك أو ما يزيد من شتى أنحاء العالم يتابعون إحسان الفقيه التي تتابع الآلاف أيضًا، فهل يُعد مثل هذا الاختلاط بالقُرّاء مجازفة مرهقة أم مصدر قوة لك؟
لا أنكر أنّ الاختلاط بالقُرّاء مرهق للغاية، فأحياناً يدفعني النقاش معهم للبكاء، وقد يزداد الضغط عليّ لدرجة أنّني أحظر بعض الحسابات أحياناً، لكن أنا من تلك النوعية التي تقيم للقرّاء وزناً.
أرى أنّ الكاتب يستفيد من الجمهور ويفيده، وأحرص على متابعة التعليقات على تغريداتي ومنشوراتي ومقالاتي لكي أستفيد منها، وكثيراً ما فجّر القراء في ذهني أفكاراً للكتابة، فأراني والقارئ في خندق واحد نتكامل معًا.
أنا بالأساس لا أكتب للنخب، بل أتوجه بكتاباتي لعموم القرّاء، وهدفي الأول هو صناعة الوعي لدى الجماهير، فلئن كان الاختلاط بالقراء مرهقاً ويحتوي على قدر كبير من المجازفة، إلا أنّني أراه ضرورياً للكاتب.
ختامًا، ما هي النواقص التي يمكن أن تجديها في نفسك ككاتبة، وهل يمكن لتلك النواقص أن تحرم الكاتب من الجوائز العالمية؟
بصفة عامة أنا أعمل على تطوير نفسي باستمرار، عن طريق كثرة المطالعة والاحتكاك بالنخب والنقد الذاتي المستمر، لكن نظراً لأنّني لست أكاديمية أو خريجة كليات ومعاهد إعلامية، فأنا لا أتّبع مدرسة بعينها، ولا أُقلّد أحدًا، ولعل هذا يعرضني لنقد الأكاديميين، لأنّهم وفق ما درسوه، لهم معايير محددة يقيّمون الكاتب وفقها، لكن أنا أجتهد، والتوفيق والقبول بيد الله وحده، وأمنيتي أن أكون ممن يسهمون في نهضة هذه الأمة واستعادة مجدها، وأن ألقى الله وأنا باذلة لدينه.
وسوم: العدد887