إخوان سوريا: الثورة انتصرت "أخلاقيا" ونسعى لإطلاق مبادرة
النظام وحش لا يمكن ترويضه.. ولن يكون الاستقرار في سوريا والمنطقة إلا بزواله
سوريا قبل الثورة كانت "جمهورية خوف" تحكمها أجهزة مخابراتية منفلتة من أية ضوابط
"الإخوان" تتبع سياسة الصف الثاني واستراتيجيتها أن لا تتقدم على المؤسسات الوطنية
الجماعة تسعى مع القوى الوطنية السورية لبلورة مبادرة تجمع الشتات وتوحد الجهود
الإيرانيون حاولوا الاتصال بنا لكننا اشترطنا إعلانهم الوقوف مع الشعب ضد نظام الاستبداد
استمرار دعم السعودية للثورة أكبر ضمان لردع إيران عن تهديد دول الخليج واليمن
كشف المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، محمد حكمت وليد، عن أن "الجماعة تسعى مع القوى الوطنية السورية المخلصة لبلورة مبادرة واقعية تجمع الشتات، وتوحد الجهود المتفرقة، والطاقات المعطلة".
ولفت وليد، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إلى أن "حل القضية السورية واضح لكل ذي عينين، وهي ليست معضلة كما يصورها البعض، لكن المشكلة أن هناك أطرافا دولية نافذة تستثمر تناقضات الوضع الإقليمي وتستفيد من الوضع الحالي، وتريد له الاستمرار لاستنفاد طاقات المنطقة في صراع إقليمي مدمر لا يبقي ولا يذر".
وذكر أن "الثورة السورية انتصرت وفق الميزان الأخلاقي، وحطمت أسطورة القائد الملهم، وكسرت حاجز الخوف الذي استمر لعقود. وبالميزان العسكري لم ينتصر النظام، وكاد ينهزم، واضطر للاستنجاد بروسيا بكل جبروتها العسكري، كما استعدى على بلده قطعان الميليشيات الطائفية التي ذبحت ودمرت وأحرقت"، مؤكدا أنه "لن يكون الاستقرار في سوريا والمنطقة إلا بزوال هذا الكابوس القاتل".
وبسؤاله عما إذا كان الإخوان يمثلون بديلا للنظام، أجاب: "نحن شاركنا في الحياة السياسية النيابية والتنفيذية في عهد الاستقلال وفي العهود الديمقراطية القصيرة التي تمتعت بها البلاد، ونشارك اليوم بالفعاليات السياسية القائمة. والجواب هنا لا يكون بنعم أو لا؛ فالذي يقرر هذه القضية هي صناديق الاقتراع"، مشدّدا على أن "حكم البلاد لا يجوز أن يكون حكرا على فئة دون الفئات الأخرى".
كما كشف المراقب العام لإخوان سوريا أن الإيرانيين حاولوا الاتصال بهم، إلا أنهم اشترطوا لقبول لقائهم أن تُعلن طهران وقوفها مع "الشعب السوري ضد نظام الاستبداد والفساد، وأن تنسحب وتسحب ميليشياتها المحتلة من سوريا"، مستدركا بالقول: "مع ذلك، نحن لا نُكنُّ أية مشاعر عدائية تجاه عموم الشعب الإيراني، ولكننا ننظر لإيران كدولة محتلة ذات روح طائفية بغيضة".
وفي الوقت الذي تحفظ فيه وليد على طرح البعض بإنشاء مجلس عسكري يقود المرحلة الانتقالية في سوريا، قال: "إن التجارب التاريخية للحكم العسكري في سوريا والوطن العربي والعالم الثالث عموما كانت تجارب كارثية. لكن إذا وُجدت مبادرة حقيقية تحقق التوافق الدولي والإقليمي، وطُرحت بكل شفافية كمرحلة مؤقتة لضمان تنفيذ ما يتم التوافق عليه، سوف ندرسها ونقرر بشأنها في حينه".
وتاليا نص المقابلة الخاصة:
بعد مرور عشر سنوات على اندلاعها، أين تقف الثورة السورية اليوم بين الفشل والانتصار؟
بالميزان الأخلاقي انتصرت الثورة، وحطمت أسطورة القائد الملهم، وكسرت حاجز الخوف الذي استمر لعقود. وبالميزان العسكري لم ينتصر النظام، وكاد ينهزم، واضطر للاستنجاد بروسيا بكل جبروتها العسكري وأسلحتها الجوية الفضائية، كما استعدى على بلده قطعان الميليشيات الشيعية الطائفية التي ذبحت ودمرت وأحرقت. لقد عميت بصيرة طبيب العيون فلم يرَ في شعبه إلا عدوا يجوز حرقه بالنابالم وخنق أطفاله بالكيمياوي وهدم مدنه وقراه على رؤوس ساكنيها.. فهل هذا انتصار؟
لقد أثبت النظام للعالم أنه وحش لا يمكن ترويضه، وأن على الشعب السوري أن يؤقلم حياته للعيش مع الوحوش، ولم يعلم أن السوريين قد تجاوزوا هذه المقولة منذ عشر سنوات. ولن يكون الاستقرار في سوريا والمنطقة إلا بزوال هذا الكابوس القاتل.
حسب تقديرك، لو عاد الزمن بالسوريين هل كانوا سيقومون بالثورة ضد نظام بشار الأسد مرة أخرى؟
لم يكن السوريون يعيشون في نعيم في عهد الأسد، بل كان الوضع مأساويا. كانت سوريا هي جمهورية الخوف التي تحكمها أجهزة مخابراتية منفلتة من أية ضوابط قانونية، ولم يكن يحد من إجرامها عرف اجتماعي أو ضمير أخلاقي، حيث استأثر النظام وأزلامه بالسلطة والثروة، ولم يتركوا للشعب المنكوب إلا الفتات.
يقول بعض المقهورين في لحظه ضعف (كنّا عايشين). وهذه مقولة يروجها عبيد النظام (ليس لكم بديل عن السيء الكائن إلا الأسوأ الذي سيكون). وهذه معادلة لا تليق بشعب سوريا العظيم الذي قام بثورة حرية من أكبر الثورات في العصر الحديث. والبديل عن الاستبداد والفساد هو الحرية وليس المزيد من الفساد والاستبداد.
لماذا لم نجد مراجعات حقيقية لما حدث خلال السنوات الماضية من قِبل قوى الثورة؟
المراجعات ضرورية في مسيرة الدعوات والثورات لاستخلاص العبر وتقويم المسار. لكن الدم السوري ما زال يجري، والمهم اليوم هو كيف يكون الخروج من المجزرة السورية، بينما العالم يكتفي بإحصاء القتلى ورصد حمامات الدم، والدول الكبرى ومنها ديمقراطيات عريقة مع الأسف لا ترى ماذا يفعل هذا الوحش مستخدما كل ما لديه من أسلحة محرمة دوليا دفع شعبنا ثمنها للدفاع عن نفسه.
كيف تنظر إلى خيار تسليح الثورة اليوم؟ وهل كان أمرا ناجعا؟
عسكرة الثورة لم تكن خيارا للشعب السوري الذي خرج في أيامه الأولى في مظاهرات سلمية مطالبا بالحرية رافعا شعار (واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد). ماذا تفعل عندما يتعمد المجرمون تصويب رصاصهم الحي إلى رؤوس المتظاهرين وصدورهم وليس إلى أقدامهم؟
لقد راهن السوريون في مظاهراتهم المليونية على بقية باقية من خُلُق أو ضمير لدى النظام تجعله يحترم الحياة الإنسانية، ولكن النظام خيّب ظنهم وأظهر مخزونا هائلا من التوحش هو في طبيعته وجبلته. وحتى إنَّ تسامح العالم مع هذه الجرائم ضد الإنسانية، فإن الشعب السوري له ذاكرة لا تنسى، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
بعض السوريين قالوا إنهم وقفوا إلى جانب نظام بشار الأسد، لأن البديل كان يتمثل في حكم جماعة الإخوان المسلمين.. فما موقفكم من المنافسة على الحكم؟ وهل أنتم بالفعل بديل للنظام؟
الإخوان المسلمون واعون تماما لعلاقات القوة التي تحكم المنظومة الإقليمية والدولية، ومَن يفضل النظام على الإخوان يظلم نفسه ويظلم الإخوان ويظلم هذا الشعب الذي ما زال يرزح تحت سياط الفساد والاستبداد.
نحن كإخوان مسلمين شاركنا في الحياة السياسية النيابية والتنفيذية في عهد الاستقلال وفي العهود الديمقراطية القصيرة التي تمتعت بها البلاد، ونشارك اليوم بالفعاليات السياسية القائمة.
وأحب أن أشير هنا إلى حقيقة هامة، وهي أن حكم البلاد لا يجوز أن يكون حكرا على فئة من هذا الشعب دون الفئات الأخرى؛ فالله لم يخلق بعض الناس ليكونوا حاكمين ويخلق آخرين ليكونوا محكومين، فالناس ولدتهم أمهاتهم أحرارا كما قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
والجواب على سؤالك هل الإخوان بديل للنظام لا يكون بنعم أو لا؛ فالذي يقرر هذه القضية هي صناديق الاقتراع في أجواء شفافة من الحرية والديمقراطية، نعمل على أن تتحقق في بلدنا في المستقبل إن شاء الله.
كيف تقيّم الدور الذي لعبته جماعة الإخوان منذ اندلاع الثورة السورية وحتى الآن؟
الجماعة وجدت نفسها في خندق واحد مع الثورة منذ اندلاعها في شهر آذار/ مارس 2011، وبذلت جهدها وإمكاناتها في تقديم كل أشكال الدعم السياسي والإنساني والميداني والصحي في حدود طاقتها وإمكاناتها، وتحمّل شبابها عبئا كبيرا في ميادين الإغاثة والتعليم والصحة عن طريق إنشاء عدد من الجمعيات الخيرية والإغاثية.
كما كانت الجماعة مشاركا رئيسيا في عدد من الأجسام السياسية للثورة مثل المجلس الوطني ثم الائتلاف الوطني، وعقدت التحالفات السياسية، وأصدرت عددا من الوثائق الوطنية المنفتحة على عموم السوريين بكل أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم. وأدمجت قرارها في القرار الوطني، واختارت أن تتبع سياسة الصف الثاني، وجعلت من استراتيجيتها أن لا تتقدم على المؤسسات الوطنية، كما حاولت أن تقف على مسافة واحدة من جميع الفصائل المقاتلة، وتلعب دور إصلاح ذات البين عند حدوث الخلافات، ما وسعها إلى ذلك سبيلا.
لكن البعض يحمّل جماعة الإخوان خاصة والإسلاميين عامة في سوريا مسؤولية ما يصفونه بـ "فشل الثورة".. ما ردكم؟
هذا السؤال يحمل تناقضا في بنيته ويخالف كل قواعد العقل والمنطق. دعنا نسأل السؤال بطريقة أخرى: مَن يتحمل وزر الأوضاع المأساوية التي آلت إليها الأمور في سوريا؟ في مناطق النظام كما في المناطق المحررة؟
هناك حقيقة واقعة، وهي أن الحرب في سوريا لم تقع بين الإخوان والنظام، ولكنها وقعت بين النظام والمجتمع السوري بكل أطيافه المدنية والسياسية.
إنها حرب إبادة ممنهجة، قام بها النظام ضد المجتمع، استخدم فيها الأسلحة الكيميائية والصواريخ الذكية والعشوائية، ولو وضعنا نسبا مئوية منصفة لمسؤولية كل من النظام والمجتمع بكل أطيافه عما جرى من مأساة في سوريا، لقلنا إن النظام يتحمل نسبة 99.9%، وهي نفس النسبة التي حددها لنفسه للفوز في الانتخابات.
أما مسؤولية المجتمع، والإخوان أحد مكوناته، فلا تتعدى نسبة الواحد من الألف المتبقية، هذا إذا كنا منصفين ومنطقيين.
إلى أي مدى تأثرت الثورة السورية بـ "الحرب الإقليمية والدولية" ضد تيار "الإسلام السياسي"؟
إن قيام أي حكم رشيد في سوريا يجعل منها ثورة سياسية واقتصادية إقليمية كبرى تؤثر في توازنات المصالح لدى العديد من الدول التي تريد لسوريا البقاء في مربع التخلف والتبعية. ومن هنا جاءت الجهود المكثفة التي تبذلها بعض القوى الفاعلة لمنع قيام أي حكم إسلامي أو حتى ديمقراطي في سوريا.
فالحرب في سوريا في حقيقتها هي حرب على هوية البلد العربية الإسلامية وعلى مستقبلها الديمقراطي الحر الذي يحتكم لصناديق الاقتراع الحرة النزيهة المُعبّرة عن رأي الأغلبية، وهذا يفسر سكوت العالم عن التهجير الوحشي والإحلال السكاني والتغيير الديموغرافي الذي تعمل عليه أطراف فاعلة وتتغاضى عنه أطراف أخرى.
هل زاد منسوب الطائفية في سورية خلال العشر سنوات الماضية؟
المشكلة الرئيسية هنا أن نظام الأسد ينكر الطائفية نظريا ويمارسها عمليا. ضباطه الطائفيون يمسكون بمفاصل الدولة العسكرية والأمنية ويمارسون أبشع التصرفات الطائفية ويلاحقون مَن يحتجون على هذه الممارسات ويصفونهم بالطائفيين.
والأخطر من ذلك أن النظام استطاع مع الأسف الزّج بشباب الطائفة العلوية في صراعه مع الشعب السوري فازداد منسوب الحقد الطائفي، وارتفعت جدران الدم في مناطق عديدة من الأرض السورية. وهذه مشكلة حالية تؤثر على مستقبل سوريا وتُهدد السلم الاجتماعي الذي كان سائدا في بلادنا لعقود طويلة، وتتطلب الحد الأقصى من ضبط النفس، وقبل كل ذلك عدالة انتقالية يحاسب فيها كل من ارتكب الجرائم بحق الشعب السوري مهما كان اتجاهه.
ما موقفكم من الانتخابات الرئاسية السورية والتي لم يتبق عليها سوى أقل من 3 أشهر؟
بدون شك سيفوز بشار الأسد في الانتخابات السورية القادمة، وسيصوت له كل الموتى الذين دفنهم في القبور، وملايين المهجرين السوريين الذين لا يملكون وثائق ثبوتية، ومَن لا يملك الحبر الذي يكتب به ولاءه للأسد قائدا إلى الأبد سيكتب ذلك بدمه.
هذه الانتخابات ليست إهانة للشعب السوري فقط، ولكنها إهانة لكل مبادئ الحرية والعدل، وإهانة أكبر لكل المنظمات والدول التي تحاول إعادة غسل الدماء عن أظافر الوحش وإعادته للجامعة العربية والمنظومة الدولية.
إن مشاركة المعارضة في أي انتخابات يجريها النظام تعطيه الشرعية التي يفتقدها، وهذا خطأ قاتل يجب ألا تقع فيه المعارضة على الإطلاق.
كيف ترون أداء "الائتلاف الوطني السوري" وما مدى التزامه بأهداف الثورة الأساسية؟
ما زال الائتلاف رغم كل التطورات السلبية التي تحيط بالقضية السورية يحمل لافتة الشرعية الدولية للمعارضة السورية، وهو يحتاج لإصلاحات تنبع من داخله لا من إرادات خارجية تريد أن تضم جهات سورية انفصالية إلى صفوفه وتحاول تقزيمه إلى مجرد منصة مثل منصة موسكو أو القاهرة تتماشى مع الإملاءات الخارجية.
لماذا لا نرى فاعلية أو دورا ملموسا للإخوان داخل "الائتلاف الوطني السوري"؟ وهل أنتم داخل أم خارج هذا الائتلاف الآن؟
بالعكس نحن موجودون في الائتلاف منذ أول تأسيسه ونشارك بمختلف أنشطته، ونعارض سياساته إذا رأيناها مخالفة لما نعتقده الصواب، ونعمل على إصلاح بعض جوانب القصور فيه.
كنّا في هيئته الرئاسية في فترة من الفترات، ونحن اليوم مُمثلون في هيئته السياسية، والطريف أني أسمع هذا السؤال لأول مرة بهذه الصيغة، إذ أن السؤال المعتاد هو لماذا أنتم تسيطرون على الائتلاف وتسببون فشله؟
البعض يبحث تشكيل أجسام وكيانات سياسية جديدة.. ما موقفكم من تلك الخطوة؟ وهل الثورة السورية بحاجة لكيانات جديدة؟
العالم اليوم يتعاطى مع القضية السورية بمنطق إدارة الأزمة وليس حل الأزمة، وبعض الدول الفاعلة في القضية السورية يريدون إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، وإقناع الشعب السوري أن التعايش مع الوحش هو خيارهم الوحيد.
لقد انحسر تأثير معظم الكيانات السورية السياسية المعارضة على مسار الأحداث، وسوريا ليست بحاجة إلى كيانات جديدة مشابهة، وإنما إلى تكاتف المخلصين من أبنائها وثباتهم على المطالبة بحقوق الشعب السوري، ورفض أية حلول لا تحقق مطالبه، ولن تستطيع الأطراف الدولية ولا الإقليمية أن تفرض حلا خاسرا على سوريا، إلا إذا وجدت شريكا سوريا يرحب بهذه الحلول الخاسرة.
ما موقفكم اليوم من مسار اللجنة الدستورية السورية؟
لقد أثبت مسار الأحداث صحة موقفنا من اللجنة الدستورية، فقد انسحبنا منها مبكرا لاعتقادنا أن النظام لا يريد حلا سياسيا، ويعرقل كل مسعى لتغيير معادلة الظلم والاستبداد القائمة في سوريا منذ عقود.
إن المشكلة في سوريا ليست مع الدستور، وإنما هي مع الديكتاتورية والفساد، وكلنا يعلم أن الدستور هو ألعوبة بيد الطغاة المستبدين، وقد تم تعديل الدستور في سوريا الأسد خلال ربع ساعة ليناسب عمر الابن الذي لم يكن قد بلغ السن القانونية بعد.
وإذا استمرت منظومة الاستبداد في سوريا بهذا الشكل، فهي قادرة على التلاعب وتعطيل أي دستور في سبيل استمرار حكم الأسد إلى الأبد.
متى تقبل جماعة الإخوان بالمسار التفاوضي واللجنة الدستورية؟ أم أنكم رافضون تماما لأي حل سياسي؟
لا يمكن لعاقل أن يرفض حلا سياسيا يحقن الدماء ويحفظ كرامة البلاد والعباد، ولا بد من الحل السياسي في نهاية المطاف.
والمشكلة أن ما يُقدَم لحل القضية السورية ليس حلا سياسيا، وإنما هو حل عسكري فرضته معادلات القوة الخارجية الروسية والإيرانية المستوردة، وهي التي نكلت بالشعب السوري وقتلت نساءه وأطفاله وهدمت مدارسه ومستشفياته.
الحل المقدم لسوريا هو الحل الروسي الإيراني الذي يُكرّس الظلم والاستبداد، والذي دفع الشعب السوري مئات الآلاف من الشهداء ثمنا له. يريدون من الشعب السوري أن يلعق جراحه ويُقبّل يد جلاده، وأن يُقبّل أهل القتيل قاتلَ أبنائهم ويطلبوا منه الصفح والغفران.
لماذا لا تبادر جماعة الإخوان بطرح مبادرة سياسية لمحاولة إنهاء الأزمة والصراع السوري؟
حل القضية السورية واضح لكل ذي عينين، وهي ليست معضلة كما يصورها البعض، والمشكلة أن هناك أطرافا دولية نافذة تستثمر تناقضات الوضع الإقليمي وتستفيد من الوضع الحالي، وتريد له الاستمرار لاستنفاد طاقات المنطقة في صراع إقليمي مدمر لا يبقي ولا يذر.
والجماعة تسعى مع القوى الوطنية السورية المخلصة لبلورة مبادرة واقعية تجمع الشتات، وتوحد الجهود المتفرقة، والطاقات المعطلة بإذن الله.
مؤخرا عاد الحديث عن صيغة قيام مجلس عسكري له صلاحيات واسعة يوحد القوى العسكرية المعارضة مع وحدات الجيش السوري التابعة للنظام على أن يقود المرحلة الانتقالية في البلاد.. كيف تنظرون لهذا الأمر؟
نحن نؤمن أن الدور الرئيس للجيش هو حماية الحدود، والدور الرئيس للأمن هو حماية المواطنين، وليس حماية الأنظمة. إن التجارب التاريخية للحكم العسكري في سوريا والوطن العربي والعالم الثالث عموما كانت تجارب كارثية.
ومع ذلك، إذا وُجدت مبادرة حقيقية تحقق التوافق الدولي والإقليمي، وطُرحت بكل شفافية كمرحلة مؤقتة لضمان تنفيذ ما يتم التوافق عليه، سوف ندرسها ونقرر بشأنها في حينه.
نحن أمام مرحلة جديدة في تاريخ سوريا، وتأسيس جديد لها، وأية أخطاء بنيوية في هذا التأسيس ستجر على البلاد وبالا يصعب تصحيحه والخلاص منه في المستقبل.
حسب رؤيتكم، كيف يمكن حل الأزمة السورية اليوم؟
نحن لا نريد أكثر من تطبيق قرارات الشرعية الدولية التي تقضي بالبدء بهيئة حكم انتقالي لفترة مؤقتة (يُحيّد فيها رأس النظام)، وتؤسس لعمل دستور للبلاد، وتحضر لانتخابات تشريعية ورئاسية شفافة يشارك فيها كل السوريين في الوطن وفي مناطق النزوح والهجرة بإشراف الأمم المتحدة، وتخرج فيها قوى الاحتلال التي استدعاها النظام من سوريا، ويعود السوريون إلى بلاد آبائهم وأجدادهم.
إن فرض استمرار النظام بمنظومته القاتلة المجرمة لا يمكن أن يكون حلا، بل سيُشكّل وصفةً لعدم الاستقرار في سوريا والمنطقة.
كيف ترون الدعوات التي يطلقها البعض بضرورة إحداث تقارب أو تفاهم بين الإخوان وإيران؟ وهل جرت أي اتصالات أو لقاءات أو وساطات بينكم وبين الإيرانيين منذ اندلاع الثورة أم لا؟
يفتخر الإيرانيون بأنهم هم مَن ثبتوا النظام السوري في الحكم بعد أن كان مشرفا على الانهيار، بل إن حسن نصر الله في مقابلته مع قناة الميادين يتباهى بأن الحاج قاسم سليماني (قائد الحرس الثوري لجمهورية إيران الإسلامية) هو مَن أقنع الروس بالتدخل في سوريا لتغيير توازن القوى لصالح النظام وحلفائه.
إذن هم مَن ثبّت نظام الطائفية والفساد والاستبداد الذي ثار عليه السوريون ودفعوا ثمنا غاليا للخلاص منه. فماذا تظن أن موقفنا سيكون من أناس يفتخرون بالقتل ويجلبون المحتلين إلى ديارنا.
والحقيقة أن الإيرانيين حاولوا الاتصال بنا، وكان جوابنا شرطا للقائهم هو أن تُعلن إيران أنها مع الشعب السوري ضد نظام الاستبداد والفساد، وأن تنسحب وتسحب ميليشياتها المحتلة من سوريا.
ومع ذلك، نحن لا نُكنُّ أية مشاعر عدائية تجاه عموم الشعب الإيراني، ولكننا ننظر لإيران كدولة محتلة ذات روح طائفية بغيضة، صاحبة مشروع يتذرع بالمقاومة ويعمل على تغيير النسيج الديني والثقافي للشعب السوري.
لماذا تصر السعودية على موقفها "السلبي" من الإخوان؟ وكيف تنظرون لموقفها من الثورة السورية؟
موقف المملكة ليس سلبيا من الإخوان السوريين، ونحن يدنا ممدودة للتعاون مع كل القوى المخلصة في المنطقة.
ونحن نأمل أن يستمر موقف المملكة الداعم للثورة السورية لتسقط النظام، وأن يبقى مانعا من إعادة إنتاج النظام وإدماجه في المجتمع الدولي رغما عن إرادة الشعب السوري، وهذا هو أكبر ضمان لردع إيران عن تهديد دول الخليج واليمن.
وسوم: العدد 920