ليندا حويجي: الكولاج هو تجسيد فني يجمع ما بين الرسم والنحت
ليندا حويجي: الكولاج هو تجسيد فني يجمع ما بين الرسم والنحت
(حويجي) أتحكم بالخامة وهي تنقلني إلى عوالم لم أكن أتوقعها
(حويجي) القصاصة الورقية عنصر سيادي في اللوحة
بدأت الملامح الأولى للموهبة والميول الفنية تظهر عندها وهي في السنين الأولى من الدراسة، ثم دخلت قسم الفنون الجميلة في المرحلة الجامعية فصقلت موهبتها أكاديمياً وبالتالي فكريًا وثقافيًا، واختيار هذا القسم لم تأتي من العبث فبالإضافة إلى الموهبة فإنها تشبعت روحيًا وبصريًا من مناظر في موطنها حيث للجمال هناك أوجه كثيرة، فهي تنحدر من بيئة ساحلية غنية بألوان الطبيعة من البحر والساحل، والموج، إلى السهل والجبل، والانحدار، وما بينهم من الشجر والنبات، والنسائم الكثيفة، والتغاريد، أغدقت هذه المناظر المشعة مخزونها البصري بألوان التألق ونسغ الإبداع لتترجم ذلك من خلال إسقاطه على أعمالها الفنية المتميزة. في نهاية المطاف، تبلورت عندها أسلوب خاص مميز نتيجة شغفها بالفن الكولاج فاستغنت عن الألوان وتكتفي بالقصاصات نتيجة الخبرة وكنوع من التكنيك.
حاصلة على درجة الدكتوراه في التصميم الغرافيكي والميلتيميديا، كلية الفنون الجميلة جامعة دمشق، تعمل محاضرة في الجامعة الدولية الخاصة للعلوم والتكنولوجيا قسم التصميم الغرافيكي، وعملت محاضرة سابقة في جامعة تشرين كلية الفنون الجميلة (قسم التصوير)، كانت لها تجربة عمل سابقة في التلفزيون العربي السوري قسم الغرافيك.
د. ليندا حويجي فنانة تشكيلية من محافظة اللاذقية ـ سوريا
نص الحوار...
بزغت شمس موهبتها عند دخولها إلى الصفوف المدرسية، وصقلتها فيما بعد أكاديميًا:
برزت موهبتي الفنية منذ دخولي للمدرسة حيث كانت دفاتري المدرسية ممتلئة بالخطوط العشوائية والوجوه غريبة الملامح، ثم بدأتُ برسم الوجوه الواقعية بالقلم الرصاص، كانت هذه المحاولات خجولة ومتقطعة، حيث كان الوقت الأكبر للدراسة إلى أن أنهيت الفترة الثانوية وتقدمت لامتحان القبول في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، واجتزت الامتحان بنجاح حيث بدأت دراستي الأكاديمية لمدة أربع سنوات تخصصت فيها في قسم التصميم الغرافيكي والميلتيميديا.
رفدت موهبتها بألوان التألق ونسغ الإبداع من الطبيعة الخلابة التي تنتمي إليها:
أنتمي إلى البيئة الساحلية الغنية بألوان الطبيعة الخلابة والمشرقة، هذا الغنى اللوني جعل من أعمالي مفعمة بالألوان المشعة والقوية، فهناك علاقة قوية بين طبيعة المكان والفنان، وبالتالي فإنه يأخذ من طبيعة المكان الذي يعيش فيه، وبشكل تلقائي يسقط مخزونه البصري على مساحة عمله الفني.
تعد أعمالها اليوم هي نتاج الموهبة والخبرة والدراسة:
هذه الأعمال كانت نتاجاً للموهبة والخبرة والدراسة الأكاديمية التي تثقل من موهبة الفنان وتجربته، وتزوده بالمعرفة البصرية والفكرية التي يطلع فيها الفنان على المدارس الفنية التي مرت من خلالها رحلة تطور الفن التشكيلي بكافة أشكاله سواء في فن التصوير والنحت والتصميم والعمارة، وبالتالي يجد الفنان نفسه متأثراً باتجاه فني معين يطوره ويضيف إليه من تجربته الذاتية ليخط لنفسه أسلوبا فنياً خاصاً به يميزه عن غيره من الفنانين، حيث تلعب الخبرة والتجربة دوراً كبيراً في حرفية الفنان وفهمه للأسلوب والتقنية التي يعالج من خلالها العمل الفني.
أخذت من رسم البورتريه بأسلوب الكولاج التشكيلي كاتجاه الفني لها، لأنها...
أميل إلى رسم الوجوه وتعابيرها فبالنسبة لي هي حالة تعبيرية تنقلنا إلى عوالم النفس والمشاعر العميقة التي تلامس إحساس المتلقي بشكل مباشر.
ما هو فن الكولاج:
هو فن يعتمد على عملية تجميع ولصق القصاصات من خامات مختلفة كالورق أو القماش والصور الفوتوغرافية، وبإمكان الفنان أن يستخدم الخامات الطبيعية مثل أغصان وأوراق الأشجار وغيرها من الخامات الطبيعية التي تلصق على سطح العمل الفني، إضافة إلى إمكانية استخدام الخامات الصلبة المعدنية أو القطع البلاستيكية.
نشأة الفن الكولاج بالاختصار:
نشأ الفن الكولاج في الصين، حيث تم اختراع الورق في القرن الثاني الميلادي، وظل فن الكولاج محدودًا حتى القرن العاشر الميلادي حيث بدأ شعراء اليابان في استخدام لوحات وقصاصات الكولاج لكتابة أشعارهم عليها، وقد ظهر مصطلح الكولاج في بداية القرن العشرين تحديداً بين عامي 1912-1914 م والذي استخدمه الفنان بابلو بيكاسو وجورج براك في تشكيل الأعمال الزيتية المرسومة حيث شكل خامة مضافة ومشاركة للون على سطح العمل الفني.
تبدأ مراحل صناعة لوحة الكولاج التشكيلي عند الفنانة ليندا حويجي بالطريقة التالية:
بداية أقوم باختيار الموضوع الذي سأعمل عليه، ومن ثم أبدأ في استخدام القصاصات الورقية الملونة وأتعامل معها كما أتعامل مع مزج اللون، حيث أقوم بعملية الفرز البصري لكل درجة لونية وأضعها في المكان الذي تفرضه سجيتي الفنية التي أثقلتها الخبرة والمهارة في التعامل مع هذه الخامة لتكوين وتشكيل الرسم الذي أعمل عليه.
وبهذا الأسلوب تكون قد أعادت الفنانة ليندا الروح إلى القطع والقصاصات متناثرة وأخرجت لوحات تبهر العين:
نعم، فالكولاج الورقي هو مساحة كبيرة للإبداع والابتكار حيث ينقل العمل الفني إلى آفاق غير متوقعة وليست في الحسبان، فأنا أتحكم بالخامة وهي تنقلني إلى عوالم لم أكن أتوقعها لتعطيني نسيجاً لونياً متجانساً حيث أننا لوهلة عندما ننظر للوحة من بعيد تظهر وكأنها مرسومة بالفرشاة واللون وليست بالقصاصات الورقية.
استخدمت (حويجي) في بداية مشوارها مختلف الألوان، وتفضل الألوان الزيتية:
يقتضي على الفنان أن يتعامل مع اللون بكافة أنواعه فهناك الألوان المائية، الزيتية، الباستيل فجميعها تشكل أدوات الفنان في العمل الفني، ويكمن الفرق في مدى خبرة الفنان في التجربة والممارسة لكل نوع من هذه الألوان. بالنسبة لي فإن تجربتي مع اللون كانت متنوعة فقد استخدمت الألوان المائية، الإكرليك، الزيتية والأخيرة هي المحببة لي فهي مطواعة وقابلة للتعديل والإضافة مع خامة أخرى على السطح القماشي للوحة.
استغنت الفنانة ليندا حويجي حاليًا عن الألوان وتكتفي بالقصاصات نتيجة الخبرة وكنوع من التكنيك:
أعتمد في تشكيل أعمالي الفنية على خامة واحدة، فلا أضيف اللون إلى اللوحة، وإنما أكتفي بلصق القصاصات الورقية الملونة في عملية البناء والتركيب والإخراج النهائي للعمل الفني، وهذا ما أعتمد عليه في أسلوبي الفني في الكولاج التشكيلي، فأنا أرى بأن الخبرة الطويلة والتعامل مع هذه التقنية يغنيني عن المعالجة اللونية بالفرشاة واللون ويجعل من القصاصة الورقية عنصر سيادي في اللوحة وهو تكنيك أعتمد عليه في أسلوبي الفني.
من الفروقات بين فن الكولاج وبقية المدارس التشكيلية إذا يعتبر الأول شكلاً من أشكال الفن المفاهيمي، وتقنية مضافة للون لإظهار البعد الثلاثي:
ظهر فن الكولاج في محاولة لربط الفن التشكيلي بالحياة اليومية، فهو يعتبر محاولة لكسر التقاليد المتبعة في الفن التشكيلي من الرسم بالخط واللون والنقطة، فهو يعتبر شكلاً من أشكال الفن المفاهيمي أي الفن الذي يحمل مفهوم وهدف ما وراء الصورة البصرية، ولقد أدخل الفنان التشكيلي الكولاج منذ بدايات القرن العشرين، ففي حين كانت المدرسة التكعيبية مرتبطة باللون فقد أدخل أهم فنانيها بيكاسو وجورج براك الكولاج كتقنية مضافة للون في بناء اللوحة وإظهار البعد الثلاثي للأشكال فيها وتنوع الخامات والملامس. وارتبط فن الكولاج بالعديد من المدارس الفنية فهو فن ليس بحديث العهد، وإنما كان قيمة مضافة للعمل الفني بسبب جماليته وآفاقه الإبداعية، وهو تجسيد فني يجمع ما بين الرسم والنحت لأنه يعطي للوحة البعد الثالث في الفراغ يتضارب مع السطح المستوي للوحة.
تبلورت عندها أسلوب خاص مميز نتيجة شغفها بالفن الكولاج والإعجاب برواده الأوائل:
دفعني الشغف بهذا الأسلوب الفني (الكولاج) للتعرف على الإنتاج الفني لعدد من رواد هذا الفن فأحببت أعمال الفنان راؤول هوسمان، وهو من أحد رواد فن الكولاج التشكيلي ومؤسسي فن اللصق وتركيب الصور، بالإضافة إلى أعمال الفنان هنري ماتيس الذي كان له لوحات فنية عديدة استخدم فيها أسلوب الكولاج باستخدام القصاصات الورقية على السطح القماشي. وغيرهم من فناني الكولاج الذين أضافوا الكثير لتجربتي الفنية التي تبلورت بأسلوب فني اعتمدته من حيث التكنيك وتوزيع القصاصات الملونة بتوزيع لوني مدروس وفقاً للموضوع وفكرة العمل الذي أشتغل عليه.
تتناول في لوحاتها قضايا المرأة والطفولة من خلال رسم البورتريه:
الفنان التشكيلي يجب أن يكون حاضراً في مختلف القضايا التي تمس مجتمعه والمحيط الذي يعيش فيه والفنان يتأثر بما يدور حوله من ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية، تكون المنبع الذي يستقي منه مواضيع أعماله الفنية، فاللوحة لا تقتصر على الإمتاع البصري وإنما يجب أن تحمل موضوع وفكر وهدف، بالنسبة لي أميل للتعبير عن المرأة والطفولة في أعمالي من خلال رسم البورتريه وإظهار التعابير والانفعالات العاطفية من خلال ملامح الوجوه فهي عالم خصب للجمال والبراءة.
رسالة الفنان:
يعتبر الفن التشكيلي وسيلة للتعبير عن الأفكار والرؤى، فالفنان التشكيلي يحمل رسالة لمجتمعه يضخ من خلالها أفكاره وإبداعه بأدواته وتقديم مستوى عالي من المهنية الفنية الجمالية مع الرسالة الإنسانية لمعالجة قضية يهدف لها الفنان لإيصالها للمتلقي والمتذوق بشكل عام
دور الناقد: يأتي دور الناقد الفني في تحليل مكامن العمل من خلال اللون والخطوط والأشكال ومعالجتها بشكل فني وفكري.
تأثرت بالمدرسة التعبيرية الواقعية، ولكن:
تأثرت بالمدرسة التعبيرية الواقعية في تجسيد عملي الفني، ولكن الاختلاف كان باستخدام أدواتي التي أعمل بها، وهي القصاصات الورقية التي تعاملت معها كما أتعامل مع الفرشاة واللون في إظهار الملامح الواقعية للوجوه التي أرسمها.
ما مدى العلاقة بين التصميم الغرافيكي والميلتيميديا وفن الكولاج تحديداً؟
فن التصميم الغرافيكي هو فن يختص بتصميم المواد المطبوعة مثل المجلات، الكتب، الملصقات، النشرات الإعلانية، الشعارات....الخ إلا أن التطور الحاصل والثورة التكنولوجية أضافت الكثير للتصميم الغرافيكي فأضيفت الوسائل الإعلامية المتعددة (الميلتيميديا) والتي تتعامل مع رسومات الكمبيوتر التي يكونها في إطار حركي كالأليستريشن التفاعلي، والغرافيك موشن، والرسوم المتحركة، والأفلام السينمائية واستخدام الصورة والتأثيرات الصوتية باستخدام برامج التصميم، بالإضافة إلى تصميم صفحات الإنترنت وكان هذا التطور قد ظهر نظراً لانتشار شبكة الإنترنت، وحاجة الشركات الكبرى للتسويق لمنتجاتها، وبما أن فن الكولاج هو فن تركيبي يدخل في عملية التصميم كوسيط فني كغيره من الأساليب الفنية يضاف إلى العمل التصميمي وهذا يحدده المصمم تبعاً لفكرة التصميم والهدف الوظيفي منه وقد استخدم بكثرة في تصميم الملصقات الإعلانية.
أهم مشاركاتها الفنية:
كان لي عدة مشاركات في معارض محلية ومعارض خارج القطر، منها معرض عشتار ومعرض جمعية شموع السلام في لبنان وهي معارض جماعية مشتركة لعدد من الفنانين العرب كانت تجربة غنية تعرفت من خلالها على التجارب والأعمال الفنية العربية.
أفصحت الدكتورة الفنانة التشكيلية ليندا حويجي عن رأيها في الفن التشكيلي السوري، والعربي، والنسوي...
فعن مميزات الفن التشكيلي السوري قالت:
يتميز الفن التشكيلي السوري بغناه بالتجارب والاتجاهات الفنية وميل الفنان السوري للتجربة والبحث المستمرين، والتي هي نتاج للظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والحالة الفكرية، ولقد أغنى هذه التجارب الملتقيات والمعارض التي تلعب دوراً كبيراً في تنشيط الحياة التشكيلة في سوريا.
الفن التشكيلي العربي:
يعتبر الفن التشكيلي العربي فناً متنوعاً من حيث المحتوى والشكل، وقد ظهرت ملامح الحركات الفنية العالمية في إنتاجات الفنانين العرب فظهرت الانطباعية والتكعيبية والتعبيرية والتجريدية، بينما حافظ البعض الآخر على إرثهم التراثي والحضاري والشعبي في تجسيد أعمالهم الفنية.
الفن التشكيلي النسوي: لم تغب المرأة العربية عن المشهد التشكيلي فلقد انضمت للركب الإبداعي للفن وجعلت لنفسها مساحة فنية حاضرة بقوة في عالمنا العربي.
في الختام، أشكرك جزيل الشكر على هذا الحوار، والإضاءة على تجربتي الفنية، وأتمنى الخير والسلام لبلدي الحبيب سوريا.
وسوم: العدد 964