الدكتور حلمي محمد القاعود
وواقع ثقافي أليم في حوار راصد
أبو الحسن الجمّال
الدكتور حلمى محمد القاعود هو قامة أدبية كبرى ، تصدى عبر عمره الثقافى لكل دعى فرضته الظروف ليفتى فى حياتنا الثقافية فى العقود الأخيرة، ونتيجة لذلك اضمحل دور مصر الثقافى، وانزوت أهميتها وهى التى ظلت تقود المسيرة الثقافية والأدبية والحضارية فى العالم العربى لسنوات طويلة ، فرضت هذه الفئة الباغية رؤيتها التى تخاصم المجتمع، وكانت تبغى من وراء ذلك حصد الجوائز والمنافع، لذلك دافعوا بشراسة على استمرار هذا الواقع، وناصروا الأنظمة الديكتاتورية والبوليسية والقمعية، وكانت هذه الفئة تحج إلى قصور الطغيان تبايعه، وبعد الثورة المباركة لم يتغير الوضع، وإنما هيمن أبناء حظيرة فاروق حسنى على الخريطة الثقافية يثيرون اللغط والإشاعات، ووقف المخلصون يرصدون خطوات هؤلاء ويفكروهم بتاريخهم السىء الذى لا يخفى على أحد ومنهم الأستاذ الدكتور حلمى محمد القاعود أستاذ الأدب العربى ورئيس قسم اللغة العربية بآداب طنطا سابقاً والمفكر الإسلامى ومن الأعمدة الأساسية فى الأدب الإسلامى .
حاورته حول الواقع الثقافى فى مصر بعد ثورة يناير، وناقشت معه السبل التى ينبغى اتباعها لإعادة إبراز دور مصر الثقافى، ودور الجامعة والأزهر فى المساهمة فى ارتقاء الثقافة المصرية والعربية ومستقبل الأدب الإسلامى ومدى الإستفادة من تراثنا العربى الثرى .
1- كيف ترى الواقع الثقافي فى مصر فى الوقت الراهن ؟
* لم يتغير الواقع الثقافي الرسمي بعد الثورة المجيدة ثورة يناير 2011 . الوجوه هي هي ، والمسئولون هم هم ، والأفكار هي هي ، والعداء للإسلام ازداد خاصة بعد أن صوّت الشعب المصري للإسلاميين في الانتخابات التشريعية والرئاسية ، العناصر المهيمنة على الثقافة الرسمية في مصر معظمها من الشيوعيين واليساريين والليبراليين ، بالإضافة إلى المرتزقة ومن لا طعم لهم ولا لون ولا رائحة . هؤلاء هم الذين يصنعون الثقافة الرسمية ويقدمونها للناس من خلال الكتاب والمجلة والجريدة والمحاضرة والمؤتمر والجوائز الأدبية والفيلم وغير ذلك .
مسئول المجلس الأعلى للثقافة أعلن على رءوس الأشهاد أنه لن يسمح (؟) بأسلمة الأدب ، ولا تديين الفن ..! موقف عدائي صريح من الإسلام في دوله دينها الرسمي الإسلامي ، وأهلها كلهم مسلمون بالعقيدة أو الحضارة .. ولكن المسئول الثقافي لا يعبأ بالدستور ولا الوطن ، فضلا عن الدين ، إنه ينفذ سياسة رسمية عدوانية ضد الشعب المصري المسلم منذ ستين عاما، اشتدت شراستها وتعمقت في الثلاثين سنة الأخيرة ..
2 - ما السبل التي ينبغي أن نتبعها لإعادة إبراز دور مصر الثقافي على المستوى العربى والعالمي ؟
* أول هذه السبل إلغاء وزارة الثقافة ، وتوفير ميزانيتها للبحث العلمي . مصر مليئة بالمثقفين والعلماء وأهل المعرفة الحقيقيين الذين يعرف أقدارهم العالم الخارجي ، ولا تعرف أقدارهم وزارة الثقافة التي يحتكرها ويستحوذ عليها ويكوش مجموعة من أصحاب المصالح ، وخصوم الإسلام .. إنها بميزانيتها وإمكاناتها ووسائطها كلأ مستباح ترعاه أقلية لا ترقب في مسلم إلا ولا ذمة، هيمنت على كل المرافق الثقافية، وحجبت الثقافة الإسلامية عن الشعب المسلم ، وساندت على مدى تاريخها الطويل حكم الاستبداد والبيادة ، وهللت للقمع والمصادرة والمطاردة والمحاكم الاستثنائية ، وشهّرت بالشرفاء وأجهزت على الجرحى في قبضة الجلادين والطغاة . إن إلغاء وزارة الثقافة خطوة ضرورية وأساسية إذا أردنا أن نسترد مكانتنا أمام العالم !
وفي هذا السياق يمكن تحويل هيئة الكتاب والمركز القومي للترجمة ودار الكتب والوثائق القومية إلى هيئات مستقلة ، على أن تقوم هيئة الكتاب بطبع كتب التراث ، والكتب الخاصة بالمدارس والمعاهد الأزهرية ، وتتوقف عن طبع الكتب العامة التي يمكن أن تقوم بها دور النشر الخاصة !
ويمكن أن تتولى وزارة الشئون الاجتماعية دعم الجمعيات الأدبية والثقافية والفنية الجادة ، وتشجيعها بالمعونات والجوائز الرمزية ، ويمكن لوزارة التربية والتعليم العالي أن تدعم المجلات الأدبية والثقافية الجيدة بالاشتراك في أعدادها لدعمها واستمرارها والكتب ذات القيمة بشراء كميات منها وتوزيع المجلات والكتب على مكتبات المدارس والجامعات ، فضلا عن قيام وزارة التعليم بوضع أسس جديدة لمنح جوائز الدولة من خلال لجان سرية محايدة تتغير كل عام ، وتستطيع الشئون المعنوية بالقوات المسلحة فعل الشيء نفسه . ولا شك أن ذلك سيخلص الحياة الثقافية من طبع ونشر مجلات رديئة وكتب لا قيمة لها .
أما تشجيع الأدباء والمفكرين فيوكل أمره إلى الجمعيات الثقافية والفنية ، تختار من تراه صالحا لجوائزها ، دون ضغط حكومي ، أو أيديولوجي !
3 - ما الدور الثقافي للجامعة فى النهوض بالثقافة والأدب وزيادة جرعات الوعي؟
* الجامعة لها دور كبير في النهوض بالثقافة والأدب، وخاصة إذا أتيح لها جوّ من الحرية وقدر من الإمكانات المادية . الجامعة مصنع الأدباء والمفكرين والباحثين، وهي من يكتشف الموهوبين، وأصحاب القدرة على الكتابة والأداء الفني المتميز، وحين تتاح الفرصة والإمكانات للجامعة فإنها تستطيع أن تساعد على تنمية الحياة الثقافية والفنية، من خلال الندوات والمحاضرات والورش الأدبية والفنية ومسرح الجامعة والأفلام القصيرة أو الطويلة، ومخاطبة المجتمع في مؤسساته وتجمعاته الشعبية.
4- كيف ترى الأزهر الشريف ودوره فى الإبداع؟
* الأزهر الشريف طوال تاريخه المضيء كان منبع المقاومة للظلم والطغيان، فضلا عن تخريج الأدباء والعلماء الفاقهين، ولا غرو أن يكون معظم أدباء النهضة الحديثة من الأزهر الشريف بدءً من رفاعة الطهطاوي، وحسين وسيد المرصفي، وعبد الله نديم، ومحمد عبده، وسعد زغلول، ومحمد المويلحي، وعبد العزيز البشري، وسعد زغلول، وحسن البنا، وعلى الجارم، وسيد قطب، ومحمود حسن إسماعيل، وآل عبد الرازق، وطه حسين، والزيات، والغزالي، والشعراوي وغيرهم . لكن الضربة القاصمة للأزهر بالقانون 103 لعام 1961 ، أفقدت الأزهر مكانته مؤقتا، ويكفي أنها جعلته "أزهر بلا قرآن"، ثم أثقلت طلاب الأزهر بالمواد الدراسية فهرب منه كثير من الطلاب، ولم يقبل عليه إلا قلة محدودة المستوى ضعيفة القدرات. ولكن ثورة 25يناير ستعيد للأزهر ما فقده إن شاء الله وستعدل القانون المذكور بما يجعل الأزهر يعود سيرته الناضجة الأولى، وستجعل من طلابه وأساتذته نماذج رائعة للتحصيل العلمي ، والدفاع عن الإسلام والوطن مثلما كان على مدى تاريخه الطويل .
5- متى تذلل العقبات التي تواجه المبدع كي يرى عمله النور؟
* أولا من هو المبدع ؟ الشيوعيون احتكروا لأنفسهم صفة الإبداع. ما يقوله غلام شيوعي لا يعرف الإملاء ولا علاقة له بالنحو والصرف يسمي نفسه مبدعا أو يسميه رفاقه بالمبدع، وهذا تجاوز خطير في ظل هيمنة الشيوعيين وأشباههم على الصحافة والإعلام، وتقاعس الآخرين عن المواجهة وإثبات وجودهم . المبدع صفة عامة تشمل كل من يعمل بجد وإخلاص، ويحقق إنجاز متميزا في عمله ، ولا بأس أن يكون الأديب أو الناقد مبدعا، وعلينا في كل الأحوال أن نتواضع ، ولا نطلق الألقاب على أنفسنا ، ولا نحكم لصالحنا. لنترك ذلك للناس .
أما قضية وصول العمل الأدبي أو الثقافي إلى الجمهور فذلك مرتبط بتغيير المنهج القائم لحركة النشر سواء في ذلك النشر الحكومي الذي يهيمن عليه أهل الحظيرة الثقافية ،أو النشر الخاص الذي يتغيا الربح أولاً وآخراً في معظم الأحوال. يجب أن تتغير وزارة الثقافة لتكون لكل الأدباء والمثقفين وليس للشيوعيين وحدهم، ويجب تشجيع الناشر المثقف الرسالي – صاحب الرسالة الذي يسعى لنشر الكلمة الطيبة التي تخدم الدين والوطن والإنسانية .
متى نرى نظرية أدبية حقيقة تنبع من الثقافة المصرية ولا تصطدم بالتربة المصرية التي تطرد كل غريب وشاذ؟
* الثقافة العربية الإسلامية لديها إمكانات كبيرة في صياغة هذه النظرية الأدبية، بل أزعم أن هذه النظرية موجودة بالفعل، والمشكلة تنحصر في النظرية النقدية، حيث ينقل بعض الناس نظريات النقد الغربية وتطبيقها تطبيقا مفتعلا على الأدب العربي الإسلامي مع الفارق بين خصائص اللغة العربية واللغات الأخرى، وهذا يعود إلى عقدة النقص التي يستشعرها بعضهم تجاه أمته وأدبها وثقافتها، فيظن أن النقل الحرفي لما يقوله الغرب هو العلاج أو الدواء الشافي لما يعانيه أدب الأمة. هناك جهود كثيرة تبذل منذ عقود لصياغة نظرية نقدية عربية ، لعل أبرزها ما قام به الراحل عبد العزيز حمودة وصلاح رزق وسعد مصلوح وحسن الأمراني وكاتب هذه السطور، وقد سبق ذلك إرهاصات للأخوين محمد وسيد قطب وآخرين.
والأمر في كل الأحوال يتعلق بنهضة اللغة العربية واعتزاز أهلها بتراثها ومستقبلها، فهذا يحل كثيرا من المشكلات التنظيرية، ولكن أمة تحتقر لغتها وتراثها ماذا تنظر منها ؟
لعل الوضع الجديد بعد الثورة واستعادة الأزهر لدوره، يهيئ لدور جديد وكبير للغة العربية في البناء الأدبي، والحضاري بصفة عامة.
7- كيف نستفيد من تراثنا العظيم ؟
*طرق الإفادة من التراث عديدة، أولها غربلة هذا التراث والإفادة من التراث النافع والمضيء، ويتم ذلك بتحقيقه ونشره ودراسته ومناقشته وتعميمه على الباحثين والدارسين وطلاب العلم، وخاصة إذا أمكن تيسيره لعامة الناس. وثاني طرق الإفادة من التراث تنقيته من الغث والرديء الذي كان نتاجا لمراحل معينة أو يمثل مواقف وقضايا لا تخدم الإنسان المعاصر ولا تتفق مع قيم الإسلام وأخلاقه ، وهذا يوفر متاعب عديدة خاصة إذا استبعدنا ما يتعلق بالخرافة أو الانحراف الفكري أو السلوكي أو الغلو غير المبرر.
8- كيف ترى مستقبل الأدب الإسلامي؟
* إن شاء الله سيكون مستقبل الأدب الإسلامي مشرقاً وعظيماً ، وخاصة إذا رافقته نهضة اللغة العربية، ونهضة التعليم بصفة عامة. الأدب الإسلامي هو أدب الأمة، وهو الذي ساد منذ البعثة النبوية الشريفة، ولكن التغريب في القرنين الماضيين حاول أن ينحرف بمسيرة هذا الأدب، وأن يوجهه وجهة بعيدة عن الإيمان بالله وأخلاق الإسلام، واستطاع أن يحقق بعض النجاحات الجزئية بحكم هيمنته على القيادة ووسائط التعبير ، ولكن الصحوة والتجديد والثورة ستعيده إلى مساره الطبيعي ليعبر عن هوية الأمة وطموحاتها وآمالها في المستقبل العظيم بإذنه تعالى . وإني أدعو أصحاب الأقلام المتوضئة في كل مكان أن ينشطوا لتقديم أدب راق فائق يؤثر في الأمة ويحركها للأمام ، ويعوضها عن الكتابات المبتذلة الرديئة السائدة .