مع الروائي الجزائري سمير قسيمي
الروائي الجزائري سمير قسيمي لأخبار الثقافة:
فعل الكتابة عندي حاجة تتعدى الضرورة لتصبح إدمانا مفرطا
لا نبالغ إن قلنا أنه من بين الأسماء الروائية الجديدة والجميلة في الجزائر، ولا نبالغ إن وصفناه بالخطير أيضا، فهو لا يتعاطى مع الرواية كما يتعاطى معها غيره من الكتاب، بل يمارس عليها جنونه الجميل فتخرج من بين يديه طيّعة، مجنونة، فيها ما فيها من روح التجديد، ومن تلك العبقرية الروائية التي يحتاج إليها الكاتب الجزائري اليوم. سمير قسيمي لا يصنع لنفسه مسارا روائيا فحسب، بل يصنع للرواية نفسها مسارا روائيا على طريقته التي تجعله أقرب الأدباء اقترابا من جائزة البوكر على سبيل المثال.. في هذا الحوار الحصري معه، حاولنا التطرق لعوالم هذا الكاتب الجميل، فكان هذا اللقاء...
أخبار الثقافة: كيف يقدم قسيمي نفسه؟
سمير قسيمي: لا أعرف طريقة محددة أقدم بها نفسي غير أنني عاشق للكتابة والأدب، عدا >لك من صفات وأسماء فلا يهم، حتى تلك التي تصفني بـ "الروائي" فلا يعنيني منها إلا أنها تقدم لما أكتب من سرد وحكايا.
أخبار الثقافة: قديما قيل أن الصحافة تقتل الكتابة الأدبية، مع ذلك رأينا العديد من الصحافيين برعوا في الكتابة الأدبية. هل تشعر أن سمير قسيمي الصحفي من صنع سمير قسيمي الروائي؟
سمير قسيمي: لطالما اعتبرتني صحفيا "سيئا" و"محررا ممتازا، لم أعتبر نفسي يوما صحفيا، بما تعنيه هذه الكلمة من دلالة، فقد كنت ولا زلت محررا فحسب، لذلك فلم يصنع الصحفي الكاتب ما دام لم يخلق في يوما. أظنني ولدت حكاءا حتى قبل أن أكتب الرواية، وأنا مكبل قبل سنين بأحلام "الشعر" التي كادت أن تقبر الأديب في ذاتي لولا رحمة الكتابة التي أعادتني لرشد الإبداع، حتى أنني في سبيل ما أشعر أنه موهبتي استقلت من كذا عمل في الصحافة التي بقدر ما أحترمها كمهنة شريفة مقدسة، بقدر ما أزدريها لما آلت إليه الآن في عديد الصحف التي أصبحت وسائط تجارية وإشهارية لا غير.
أخبار الثقافة: ما الذي يستفزك لتكتب عادة؟ وكيف تتكون لديك الرؤية الروائية لنص جديد؟
سمير قسيمي: لا شيء بالتحديد، فليست لدي طقوس معينة ولا منهجية أتبعها، ففعل الكتابة عندي يشبه في حاجتي إليه فعل التنفس والأكل والمضاجعة، هو عندي حاجة تتعدى الضرورة لتصبح إدمانا مفرطا، يضطرني للجلوس على مكتب لأزيد من ثماني ساعات يوميا، حتى وإن لم أكتب شيئا. أما موضوع الرواية فغالبا ما يتحدد وأنا أكتب سواها، ولا أبدؤها إلا وأنا أعرف بالتفصيل الممل أحداثها وشخوصها الرئيسية، كيف تبدأ وإلى أين تنتهي.. يحدث الأمر هذا، بلا مقدمها، فتتشكل القصة في رأسي وكأنه فيلم رأيته سابقا، حتى ملاح شخوصي أعرفها وكأنهم من ذكرياتي.
أخبار الثقافة: أصدرت قبل فترة رواية "هلابيل" التي حاولت من خلالها التعاطي مع الوجودية بجملة من الأسئلة. هل ترى أن الروائي مطالب بالأسئلة فقط؟
سمير قسيمي: لا أدري ولكن الذي أعرفه أنه غير مطالب بالأجوبة، كما لا أومن أنه عليه أن يتبنى موقفا أيا كان وأن يكون صاحب رسالة، الكاتب أو الروائي في نظري هو رجل ملكه الله موهبة الحكي، لا أقل ولا أكثر، يحكي ما يشاء وكيفما يشاء ما دام موقنا أنه يحسن الحكي ويحسن الإبلاغ، عدا ذلك فلا يهم.
أخبار الثقافة: في بداية الرواية جملة من الناشر توحي بأن مسؤولية العمل تقع على الكاتب وليس على الناشر. ألأنك تطرقت إلى أمور تتقاطع بين الدين والوجودية؟
سمير قسيمي: كنت أحب أن أقول "نعم" لأنزل ال‘تقاد في نفوس القراء أنني "كاتب خطير"، ولكن الأمر على خلاف ما يبدو، فرغم أن الرواية تتطرق وبجرأة غير معهودة للوجودية والدين والسياسة والجنس والعلاقات الزوجية وعلاقات المثليين وغيرها، إلا أن ورود تلك الملحوظة لا علاقة له بالأمر، فقد دأبت منشورات الاختلاف والدار العربية للعلوم على كتابة تلك الملحوظة كسياسة قانونية تعرف الداران أسبابها، حتى أنك تجدها في كل كتبهم.
أخبار الثقافة: في روايتك الكثير من الرموز الدلالية التي تناقش القضاء والقدر والحياة والموت مناقشة فلسفية تتقاطع أحيانا مع اللادينية..
سمير قسيمي: هذا صحيح، على اعتبار أنني لا أومن بالثنائية القطبية"السالب والموجب"، لا أومن بالمطلق في الصفة والحكم والوجود، ففي كل خير شر، وفي كل شر خير، والحياة مماة من زاوية ما والموت حياة من زاوي أخرى، المعصومية فكرة زائفة وإن تعلقت بالأنبياء ما دمنا نقول عنهم بشر، والتشيطن صفة لا وجود له وإن تعلقت بأبي جهل. من هذا المنطلق تختلف رؤيتي للقضاء والقدر عن الرؤية الفقهية الرسمية وهو ما حاولت تأكيده في كل أعمالي ولكن بدرجة أكبر في "هلابيل" لطبيعتها، كما أنني لا أومن بنظرية الثبات البشري في التطور وأعتقد بنظرية التطور إعتقادا مطلقا جسده عملي الأخير.
أخبار الثقافة: هل من حق الروائي أن يتجاوز المحظورات الدينية تحت سياق البحث عن الإجابات الوجودية والميتافيزيقية في نظرك؟
سمير قسيمي: لو تمعنت معي فليس في الدين من محظور عقائدي إلا أن لا تؤمن بالله مطلقا أو تشرك به، عدا ذلك فالأنسام المسلم مطالب بالتفكر ولو في الخلق والخالق، وأرى أن "حظر" التجاوز الذي تتحدث عنه يدخل في باب عدم الثقة في الله وآياته، لأنني أعتقد أن الإسلام من قوة ما يجعل كل تفكر وتفكير يقع فيه، وهو اعتقادي الذي أكتب في إطاره.
أخبار الثقافة: الرواية رشحها الناشر لجائزة البوكر الروائية، وسبق أن رشح من قبل روايتك السابقة "يوم رائع للموت" التي وصلت للقائمة الطويلة كأول عمل جزائري يصل هذه المرحلة.. ما الذي ينقص الروائية الجزائرية لتفوز بجائزة مثل البوكر على سبيل المثال؟
سمير قسيمي: لا شيء غير الثقة في النفس وعدم تصغير النفس والأكيد العمل والعمل الحقيقي، فلا يمكن أن يفوز بمثل هذه الجائزة "المخلوقات الأعلامية" التي يصنعها الإعلام من فراغ، لا يمكن أن يفوز بها من يعتقد أن منصبه في أي وزارة أو طول تواجده الأدبي وإن كان عدميا. الفكرة أنها جائزة تتوج عملا متميزا، والأكيد لا يفوز بها من لم يملك مثل هذا العمل. وصولي السنة المنصرمة للقائمة الطويلة يؤكد أنها جائزة تتمتع بمصداقية عالية وموضوعية، على أساس أنني لم أكن اسما كبيرا رغم وجود أسماء باعها الأدبي أعظم، وتجربتهم أكبر من سني مرتين.
أخبار الثقافة: على ذكر ذلك كيف يقيّم سمير قسيمي واقع الرواية في الجزائر؟
سمير قسيمي: قلت مرة أنني لا أصلح الآن لأكون في أي لجنة تحكيم تقيم الرواية، وذلك بمناسبة انتقادي للجان قراءة وزارة الثقافة في جوائزها وإصداراتها، وما زلت أقول ذلك، لست في موقع يسمح لي بتقييم التجربة الروائية في الجزائر وأنا الحديث فيها.. على الأقل سأظل على موقفي حتى أقتنع أخيرا أنني أستحق صفة الروائي.
أخبار الثقافة: ثمة ما اصطلح على تسميته بالرواية الاستعجالية، ألا ترى أن هذا المصطلح ظلم التجربة الروائية الحديثة في الجزائر؟
سمير قسيمي: هذا المصطلح لا علاقة لهو بالرواية الجديدة، فهو وصف للرواية التي ظهرت في التسعينيات، وهو وصف لم يمس كل إصدارات تلك الفترة بل بعضها الذي اتسم بالهزول والرداءة، ويلاحظ أن هذا النوع من الأدب الهجين كان من توقيع صحفييين من الأقسام الثقافية الذين لم يميزوا بين الكتابة الصحفية والكتابة الروائية.
أخبار الثقافة: هنالك أيضا ظاهرة الرواية النسوية بالمعنى الإبداعي، (التي لا تعني نسائية بالمعنى الأنثوي)، كيف يقيم الروائي سمير قسيمي السرد الروائي النسوي في الجزائر؟
سمير قسيمي: قرأت لياسمينة صالح، سارة حيدر، زهرة الديك، فضيلة الفاروق، وأحاول جاهدا أن أجد أعمال غيرهن لأكون فكرة عن أدبهن، بالطبع أملك فكرة ورأيا عن كل واحدة ممن ذكرت، بل ويمكنني التفصيل في كل أعمالهن بما قد يدهشك أيضا ولكني لا أملك رأيا يجمعهن تحت مظلة ما سميته بـ "الأدب النسوي"، وحتى يتأكد لك الأمر ففي القريب العاجل سأعاود كتابة ركني "حديث في الأدب" الذي سأتناول فيه كل تلك الأسماء.
أخبار الثقافة: كلمة أخيرة لزوار موقعنا؟
سمير قسيمي: لا أكثر من الشكر على اهتمامكم بكاتب للتو بدأ مشواره.