حوار مع المرشد السياحي في معالم فلسطين فوزي ناصر

حوار مع المرشد السياحي

في معالم فلسطين فوزي ناصر

سيمون عيلوطي

[email protected]

يمتاز بعدَّّة مواهب فنية وبحثية ، ومنذ أن تعرَّّّفتُ عليه وأنا أكتشف فيه كل يوم صفة جديدة- سآتي على ذكرها من خلال هذا اللقاء - ، ولكن ما استدعى انتباهي بشكل خاص ، هو أنه لا يُقدم على عمل أي شئ إذا كان يشك ولو بنسبة ضئيلة أنه لا يتقنه ، خاصة في مجال الفن الذي يمارسه ، وهذا ما ينطبق ايضاً على أبحاثه التي تمتاز بالدقَّة والموضوعيَّة والأمانة العلميَّة ، وأعترفُ أنني استفدتُ كثيراَ من كتبه في مجال معرفة الوطن ، وأعجبتُ كذلك بشعره ولوحاته ، وها أنا ألتقيه " حول الموقد" وأسجِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّل معه الحوار التالي ..

*فوزي ناصر، أنت متعدِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّد الإهتمامات ، ترسم ،تكتب الشعر،تتقن كتابة الخطوط العربية، جغرافي تهتم بمعالم الوطن .. أين تجد نفسك في هذه المجالات أكثر، ولماذا ؟.

* مررت بعدَّّّّّدة مراحل من حيث الإهتمامات ، وفي كل مرحلة كان أحد المجالات يتفوَّّّق ويظهر على السطح والآن ومنذ سنوات خلت أجد نفسي منغمساً بالدِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّراسات الجغرافية والتاريخية حتى شعرت بأني جزء من أرض الوطن وتاريخه ، أشرِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّشُ فيه كما يشرِّّّّّش فيّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ ، وكم أسعدُ بإرشاد الآخرين في دروب الوطن طولاً وعرضاً وعمقاً ، وهنا تتجلَّى موهبتي التي صقلتها الأيام والسنوات في التَّّّّعليم الذي مارسته في المدارس على مدى ثلاثين سنة كاملة ، وما زلتُ أمارسه من خلال عملي في الارشاد .وأستطيع القول إني مرشد يحاول أن يكون على معرفة ينقلها لللآخرين بأسهل الطرق وأجملها وأكملها وبحيادية كاملة ، وحين أضيف للناس معرفةً أشعر بسعادة غامرة ، وربما هذا هو السبب الذي جعلني أجد نفسي أكثر في هذا المجال .

* أصدرتَ ثلاثة كتب : قاموس الوطن ، ما وراء الأسماء ، وعلى دروب الجليل ، بماذا تميَّز الكتاب عن الآخر من حيث المواضيع التي تناولها ؟.  

*كتابي الأول كما جاء في عنوانه – قاموس الوطن – هدفه تعريف الأجيال التي تعلَّمت في المدارس الإسرائيلية بالأسماء العربية للمواقع والتي تجاهلها المنهاج الإسرائيلي عن عمد مسبق بهدف زرع الغربة في نفوس الأجيال العربية اللاحقة ، جمعتُ ما استطعتُ من أسماء مواقع من الشمال حتى الجنوب ووضعتُ الأسماء العبرية تقابلها الأسماء العربية دون أي شرح إضافي .

أما كتابي الثاني – ما وراء الأسماء – فقد تميز بالعمودية ، أي العمق التاريخي بدل الأفقية أي المسح الجغرافي ، انتقيتُ نحو ثلاثين اسماً لمواقع فلسطينية منها المدن والجبال والوديان والبحيرات وبحثتُ في تغيُّّّّّّّّّّّّّّّّر أسمائها عبر التاريخ منذ أن أطلق عليها الإنسان اسماً إلى اليوم . وفي كل مرحلة بحثتُ عن معنى أو سبب التَّّّّّّّسمية ، وأعتقد أن هذا الكتاب جدَّد الكثير في هذا المجال وكشف للناس أموراً كانت مجهولة بالنسبة لهم ، وقلبت بعض المعلومات التي كانوا يتناقلونها رأساً على عقب ، أمثلة على ذلك تاريخ اسم ايله او ايلات وتاريخ اسم بحيرة كناروت أو كنارة أو كنيرت وهي بحيرة طبريا وتاريخ اسم مدينة القدس أو أور سالم .. الخ.

أما كتابي الثالث – على دروب الجليل – فما هو سوى دليل طريق يستطيع القارئ التجوُّّّل على دروب الجليل بإرشاد الكتاب والإطِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّلاع على كل موقع على الطريق ، وقد أتيتُ بمعلومات مقتضبة دون الإطناب الذي قد يُثقل على الناس ، لم أقصد البحث بقدر ما قصدتُ تعريف الناس بمحيطهم وكي أصل إلى القطاع الأكبر من الناس ، كتبتُ بأسلوب سهل وجمل قصيرة وخرائط واضحة ، بدون تعقيدات . وطالما سمعت من الناس الذين قرأوا الكتاب ، دون أن يتجوَّّّلوا ، أنهم يشعرون بأنهم يقومون فعلا برحلة في دروب الجليل ، وطالما سمعتُ أيضا من الناس الذين خرجوا للتَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّجول وفقاً لاقتراحاتي في الكتاب ، أنهم استفادوا ووصلوا إلى كل الأماكن التي ذكرتها ، ووجدوا دقَّّة في الوصف ، وتعلَّموا من المعلومات الكثير .

*هناك كما يُلاحظ من المرشدين من يسير على دروب الوطن طولاً وعرضاً دون التعمق ، وأنك – كما أرى – تمتاز عن أولئك بأنك لا تكتفي بالسَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّير الخارجي ( الطُّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّولي والعرضي) فحسب، وإنما كثيراً ما نراك تغوص في أعماق هذا الوطن ، فتكشف لنا عن الكثير من مكنوناته وخباياه ، وهذا ما يفرض عليَّ السؤال التالي :

ما هي المراجع التي تعتمدها في أبحاثك ؟.. وهل هناك من مراجع عربيًّّّّة في هذا الموضوع ؟.

* أوَّلاً أجدُ نفسي مضطراً لإنصاف زملائي الذين يبحثون ويقرأون ويعطون منهم من تعلَّّّمت منه ، ومنهم من زاملته فتعلَّّم أحدنا من الآخر، وما زلت أتعلَّم الكثير من مرافقيَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ حتى لو كنت لهم مرشداً ، والحق أقول : إن تجوالي علَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّمني الكثير من حيث التَّجربة الشَّّخصية والملاحظة الميدانية ، وإني لا أستهين بأي كلمة أو ملاحظة أسمعها ، فكلها مهمة ، وكلها مفيدة ، وكلما تجوَّّلت مع الناس أكثر ، كلما تعلَّمت عن المكان أكثر ، عن الناس أكثر ، عن النبات أكثر ، عن التاريح أكثر ..ألخ..ألخ..

ومن ناحية المراجع التاريخية ، التراثية ، الجغرافية ، الحضارية ،.. فهناك شقَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّان .. الشق الأول هو الحضارة البشرية التي تشكِّّّل تراكماً تاريخياً منذ عمق التاريخ حتى يومنا هذا ، مثل : الدراسة في الديانات ، والفلسفة ، والميثولوجيا ، وحضارة البناء ، والطقوس ، والأمثال ..وما إلى ذلك . فأنا أكثر من دراسة كتب الفلسفة الدينية خاصة ما يكتب عن مدن مقدسة كالقدس ..

أما الشق الثاني وهو الأكثر إشكالية وهو عن تاريخ الوطن وحضارته المادية ، لأن المصادر مختلفة الإتِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّجاهات والرِّوايات ، فهناك المصادر التي لا بديل عنها عن الحضارة المادية والتي أبدع في الكتابة عنها أستاذنا شكري عرَّّّاف ، وهنالك ما يتعلَّق بالطقوس الدينية الخاصة بالمقامات والتي بحثها توفيق كنعان وعراف ، وهنالك إصدارات عن الحضارة المادية صدرت عن مؤسسة " رواق " في رام الله . أما ما يتعلَّق بالتاريخ .. فلدينا مصادر عبرية ومصادرعربية المصادر العبرية تقسم إلى قسمين : المصادر التقليدية التي تتحدَّث عن وجهة نظر صهيونية معادية للعرب ، والمصادر التي بدأت تظهر في الآونة الأخيرة والتي كتبها بعض المؤرخين الجدد مثل إيلان بابه ، وهليل كوهين ، وبيني موريس ، وهي مؤلفات موثَّقة جديرة بالإحترام والتقدير .

أما المصادر العربية ، أقول بأسف : إنها سطحية بأغلبيتها ، مليئة بالشعارات والديباجات على حساب العمق العلمي التاريخي ..ومن يقرأ نهجاً واحداً سيظل محدوداً .. ومن يود أن يكون صادقاً فليقرأ من كل التيارات والإتجاهات .

* ذكرتَ في إجابة سابقة اسم " ايله وبحيرة كنارة "، هل لك أن توضِّح أكثر ؟.

* هذه الأسماء كنعانية الأصل ، مثلاً: اسم مدينة ايلات ، مأخوذ عن الإسم الكنعاني ايله، وهذا الإسم يعني شجرة البطم أو إلهة ، أما بحيرة طبرية فإنها قائمة قبل مدينة طبريا وعلى مر التاريخ ، منذ عاش الإنسان حول البحيرة أطلق عليها الأسماء وفقاً لظواهر أو مدن أو مناطق قريبة كانت حولها ، فأحياناً سماها بحيرة جنيسارت وأحيانا بحيرة سمخ ، أما اسم كنيرت والتي يتعلم طلابنا في المدارس أنه اسم عبري أصله كينور وهو آلة موسيقية وذلك للشبه بين شكل البحيرة وهذه الآلة ، وهذا للاسف غير دقيق ، فالحقيقة التاريخية أنه في موقع يُعرف اليوم باسم تل عريمه في شمال غرب البحيرة كانت مدينة كنعانية اسمها كناروت واصل تسميتها شجر السدر الكثير في هذه المنطقة والذي يطلق على ثمره ( الكنَّار) ، ومن هنا من هذه المدينة الأولى التي بُنيت على شاطئ البحيرة دعاها أهلها بحيرة كناروت أو كنيرت كما نعرفها اليوم .

* أنت تكتب الشعر أيضاً : هل تلجأ إلى كتابة الشعر الذي يعبِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّر عن المضمون بالتَّلميح والتضمين والايحاء حين لا تستطيع أن تعبِّر عن هذا المضمون بالبحث الذي يحتاج إلى المعرفة والدِّقة والوضوح أم ماذا ؟.. وهل لك أن تعطينا نموذجاً من شعرك ؟.

* أن اكتب مقالا أو بحثاً ... أكتب عن سبق اصرار أنتقي ما أريد عن ما أكتب عنه ثم أجلس إلى طاولتي وأكتب ، وإذا احتاج الأمر الرجوع إلى الكتب فمكتبتي غنية بالكتب الموضوعية في مجالات ذكرتها سابقاً ، أما كتابة الشعر فأمر مختلف تماماً ... لا أجلس إلى طاولتي بقصد كتابة قصيدة أبداً،إنما تدفعني القصيدة ذاتها إلى الطاولة حين تكون جاهزة في ذهني ... لا أعتبر نفسي شاعراً رغم أني نشرت عشرات القصائد بالفصحى والعامية في صحف مختلفة ، ولا أعرف إن كان ما يحصل لي في مجال كتابة الشعر أمراً طبيعياً ... فأنا أكتب أحياناً عدة قصائد في شهر واحد وأنقطع عن كتابة الشعر عاماً أو أكثر ، فالقصيدة تأتي ... لا أعرف كيف ومن أين ثم أجدني بعيداً عن القصيدة كما يحصل لي هذه الأيام .

أنا لا أحفظ ما أكتب لكن تحضرني مقطوعة قصيرة ...

لما صبيعي لامست ايدا

قالت يا ابن الناس لا تزيدا

ولما ايديي تخطَّت حدودا

قالت حبيبي دخلك تعيدا .

* جو الشعر ذكرني بجانب فَني آخر تمارسه ، وهو الرسم ، وأعرف أنك صمَّّّّّّمت الكثير من لوحات لأغلفة كتب شعرية ونثرية ، أذكر منها على سبيل المثال ، أكثر من مجموعة لصديقنا الشاعر حسين مهنا ، وعبد الرحمن عواودة ، ونبيل عودة ، ومينا عليان ، ونايف سليم ، وغيرهم بالإضافة إلى لوحات رسمتها واحتفظت بها في بيتك ، لكن هذا لم يمنعك من أن تشارك في معرضين على ما أذكر . سؤالي هو : هل تجوالك ومعرفتك لمعالم الوطن وعشقك له أفادك في مجال الشعر والرسم ؟.. أم العكس هو الصحيح ؟.

* عشقت الرسم والخط العربي منذ نعومة أظافري ، وذلك بفضل معلمي للرسم واللغة العربية ، المرحوم ذيب عطا الله ( والد الدكتور الياس عطاالله –اللغوي المعروف ) ، ما رست الرسم سنوات طويلة خاصة الرسم بالحبر الصيني والفحم ودمجت بين جمالية الحرف العربي والرسم وفي السنوات الأخيرة أشغلني موضوع معرفة الوطن ، فابتعدت عن الرسم ، لكني ما زلت أرى بعض الآثار التاريخية بعين من يهوى الرسم ، فتوجَّهت في الآونة الأخيرة لرسم هذه الاثار بالحبر الصيني .. وآمل أن يكون لي مستقبلا معرض لهذه الرسوم .

إن من يتجوَّل في ربوع الوطن لا بد أن تسحره مناظره الطبيعية وآثاره التاريخية ، فتشده إلى التصوير الذي يلجأ له الكثيرون ، أو الرسم كما يفعل القليلون ، من لا ينبهر أمام جمال قلعة مونفورت في الجليل .. أو خان العمدان في عكا ؟ .. ومن لا ينبهر أمام مناظر راس الناقورة ... أو مرج البطوف ؟! .

* كيف ترى الحركة الإرشادية في وسطنا العربي ؟... وما هي سبل تحسينها من وجهة نظرك ؟.

* مع كل الإحترام لزملائي الذين أقدر عملهم المتطور باستمرار والمتعمق باستمرار ، وعذراً لعدم ذكر أسمائهم خوفاً من سهو ، فإن مجال الإرشاد تمَّ اختراقه ليعمل فيه هواة لم يستطيعوا الإنطلاق من هذه الصفة ، ونصيحتي لهم أن يدرسوا ..ويدرسوا.. وأن لا يعتمدوا على جهل من يقومون بإرشادهم ، أن يعتبروا كل مشوار تجربة أولى في هذا المجال .. أن يفكروا دائماً أنهم يرشدون أوسع الناس ثقافة ومعرفة .. وألا يترددوا في قول كلمة (لا أعرف) حين لا يعرفون دون خجل يجعلهم يبحثون عن اجابة غير صحيحة في غالب الأحيان .

الإرشاد دافع داخلي وشعور بالإنتماء ، ومن لا يستطيع أن يقوم بالعمل برغبة قلبية صادقة وأمينة وموضوعية ، عليه أن يبحث عن عمل آخر .

* ما هي مشاريعك المستقبلية ؟

*سيصدر كتابي – الذي آمل ألا يكون الأخير – بعد أيام عن جمعية الثقافة العربية ، ويحمل اسم "وتشهد الجذور" وهو عبارة عن مسح لكل ما أهملته الموسوعات الإسرائيلية من مواقع عربية وتاريخية .. من الناقورة إلى ايلات ( او ايله او ام الرشرش ) وأخطط الآن للكتابة بتوسع عن بعض المواقع التي تخفي بين حجارتها قصصاً مثيرة ، وقد أدمج بين المعلومات والرسم حيث أفكر برسم هذه المواقع بريشتي .. ولا أخفي أنني بدأت بجمع مواد عن موضوع ما، وبعد شهور عديدة صدر كتاب في المجال ذاته لباحث أحترمه ، فتوقفت عن البحث، ومنذ زمن بعيد بدأت ببحث آخر .. توقفت عنه لانشغالي بأمور أخرى ، وربما أعود إليه قريباً .

*هل تود أن تضيف شيئاً ؟ .

*أود أن أقول للمرشدين الذين يعملون مع طلاب المدارس إنهم يساهمون في بناء شعب .. ليظل هذا الأمر في بالهم .

أما من يقوم بالعمل مع غرباء ليسوا منا، أن يكونوا صادقين مع أنفسهم وانتمائهم وأن يحاولوا بقدر الإمكان رسم صورة ناصعة عن شعبنا لأنهم رسل لنا ، وعليهم جميعاً أن يقولوا الحقيقة دائماً حتى لو كانت لها مرارة العلقم ، وأن يضعوا عاطفتهم ( التي تتعارض والحقيقة أحياناً ) في ثلاجة .

وللموقد الثقافي كل شكر واحترام مع تمنيات التقدم والتألق دائماَ .. كتألق شعر صاحبه سيمون عيلوطي .