مقابلة مع عصام العريان

مركز الشرق الأوسط

عضو في مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين

مقابلة أجراها مركز الشرق الأوسط لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي مع الدكتور عصام العريان الأسبوع الماضي تتناول تجربة المشاركة السياسية والانتخابات التشريعية القادمة في مصر. تستحق المشاهدة والقراءة.

 ما هي أولويات الجماعة في ما يخص المشاركة السياسية، خاصة بعد انتخاب مجلس الإرشاد الجديد الذي توقع العديدون ان يتخذ نهجا أكثر تركيزاً على العمل التنظيمي الداخلي؟

أعتقد أن ما حدث هو عكس ما كان متوقعا على طول الخط لعدة أسباب، وهي أننا استمررنا في نشاطنا واهتمامنا بالقضايا القومية والوطنية، وفي الصدارة  قضية فلسطين وما حدث من تهديد للأقصى، وما حدث من حصار ضد الشعب في غزة. كانت مشاركتنا في انتخابات التجديد النصفي في مجلس الشورى، ثم بنفس النسبة كانت مشاركتنا في مجلس الشعب الماضي،  ثم كان هناك تنسيقا مع عدد من القوى السياسية وانفتحنا عليها، وزيارتنا  لها بل تأييدنا لبعض مرشحيها  في هذه الانتخابات في التجديد النصفي  لمجلس الشورى.

هذا يدل على حقيقة أن ما يكتبه بعض المحللين والمراقبين إنما هو انطباعات سريعة وليست مبنية على معلومات دقيقة، ربما تكون هذه تمنيات لدى البعض؛ انسحاب الإخوان من الحياة السياسية والحياة العامة، هو يدل على جهل أيضا بطبيعة عمل الإخوان. جماعة الإخوان لا تعمل وفق رؤية مرشد جديد أو مكتب إرشاد جديد، جماعة الإخوان تعمل وفق  خطط مستمرة، أحيانا  تنشر هذه الخطط، وأحيانا يحصل عليها الأمن  فيعرفها بالتفاصيل. وهذه خطط ليست سرية ولكنها معروفة وتطبق. ومن أهم دعائم هذه الخطط هو أن الإخوان يعتمدون مبدأ الإصلاح الشامل في كافة مناحي الحياة،  وهذا يعني  المشاركة الفعالة في كل المجالات: سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وفكرية وغيرها. أن هذا الإصلاح الشامل  يبدأ بالإصلاح الدستوري والسياسي، وهذا يقتضي مشاركة في الانتخابات العامة  والحضور الفعال في المؤسسات الدستورية  وهذا ما يطبقه الإخوان. أن هذا الإصلاح الدستوري والسياسي والشامل لايمكن أن يتم  بجهد الإخوان وحدهم، إذ لابد من أن تكون هناك جهود من كافة القوى السياسية والقوى الحية والأحزاب. وهذا يعني  أن نمد أيدينا  لهذه الأحزاب في هذه الانتخابات وقد قمنا قبلها بزيارة  خمسة أوستة أحزاب وزارتنا ثلاثة أحزاب أخرى. ثم أننا نؤيد الآن ستة مرشحين  في حوالي خمس محافظات من خمس قوى سياسية، ونؤيد مسيحي في أسيوط، وهي المرة الثانية التي نؤيد  فيها  مسيحي في أسيوط، لأن منطقة أسيوط معروفة بالاحتقان بين المسلمين والمسيحيين. ونؤيد أيضا مرشحين من حزب التجمع وهو الحزب اليساري الذي يهاجمنا بإستمرار، اثنين من حزب التجمع في دمياط وفي مدينة ستة أكتوبر. ونؤيد مرشح وفدي في محافظة كبرى وهي محافظة الدقهلية، ونؤيد مرشح آخر من حزب الغد في أسيوط ومرشح  أخير من حزب العمل في دائرة في بني سويف. إذن هذه سياسة إخوانية مستقرة، ونحن نسير عليها ولن تتغير أبدا بتغييرات هيكلية.

كيف ستؤثر درجة المشاركة السياسية هذه السنة على فرص الجماعة في الإنتخابات المقبلة؟

للأسف الشديد، المواطن المصري لديه نوع من المشاركة دفاعا عن حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والعمالية والوظيفية بصورة كبيرة إذا وقع ظلم مباشر عليه. وبالتالي رأينا خلال السنتين الماضيتين  تصاعد حركة الاحتجاجات العمالية  وللموظفين أمام مجلسي الشعب والشورى. ولكن للأسف المواطن المصري لايزال لا يربط بين هذه المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والوظيفية وبين الإصلاح السياسي. فانفصلت الحركة المطالبية عن الحركة السياسية، فرأينا مئات العمال بل آلاف أحيانا يتظاهرون عندما تصفى شركاتهم ولايحصلون على حقوقهم، بينما لانرى في الاحتجاجات  السياسية  التي نقوم بها  إلا عدد قليل. ونأمل  أن ينعكس هذا على نسبة التصويت في الانتخابات القادمة. بمعنى أنه إذا شعر المواطن أن صوته  يجب ان يصل إلى المسؤولين  في المؤسسات الدستورية  فعليه واجب أن يذهب إلى صناديق الاقتراع  بالذات في انتخابات مجلس الشعب لأنها انتخابات عامة على مستوى القطر كله، بحيث تزداد فرص نجاح  المعارضة التي تستطيع  أن تحمل صوته إلى المؤسسات  الدستورية.

أنا لدي تفاؤل وذلك، رغم هذا الانفصال بين حركة المطالبة الاقتصادية العمالية و حركة الاحتجاج السياسي، إن تترجم حركة المطالبة في تصويت قوي يزداد في النسبة من 27 في المائة في عام 2005 إلى 35 في المائة مثلا في الانتخابات القادمة. لوزادت النسبة سيكون ذلك مكسبا كبيرا لحركة الاحتجاج السياسي وأقصد هنا انتخابات مجلس الشعب لأنه دائما محل الاهتمام الأكبر. نضيف إلى ذلك ظهور شخصية بوزن وحجم الدكتور محمد البرادعي، وبروز تكتل جديد باسم الجمعية الوطنية للتغيير. وهذا يعيد إلى الأذهان ما كان عليه الوضع عام 2005 أيضا من ظهور شخصية عزيز صدقي والجبهة الوطنية للتغيير. فنحن  نعيد بذلك إنتاج ليس الفشل كما يقول بعض المحللين، وإنما نعيد إنتاج الأمل في إيجاد مخرج من هذه المشكلات وهذا المأزق السياسي.

ما عدد المرشحين من الجماعة الذي تتوقعون طرحهم في إنتخابات مجلس الشعب المقبلة؟ 

في مجلس الشعب سيكون التنافس على 508 مقاعد إذا أضفنا مقاعد المرأة. وإذا سرنا على نفس النسبة التي يترشح بها الإخوان فيمكن أن يزيد عدد المرشحين إلى قرابة 200، وسيكون هناك نصيب أكبر للمرأة في هذه الانتخابات. في الانتخابات الماضية رشح الإخوان 165، وإذا رشحنا بين 20-25 امراة يمكن أن يزداد العدد إلى 190 أو 200 مرشح ومرشحة في الانتخابات القادمة.

 

نحن نطمح إلى ما هو أبعد من ذلك في الانتخابات القادمة، وهو أن تلتقط القوى السياسية الأخرى والشخصيات المستقلة الكرة أو تبدي نوايا حسنة تجاه اليد الممدودة من الإخوان المسلمين إليهم. بحيث يكون هناك تنسيق أوسع ويكون هناك عدد أكبر من المرشحين على مستوى الجمهورية دون تنافس داخلي بين المرشحين المعارضين. وبالتالي ستكون هنالك جبهة واسعة من المرسحين المناهضين للوضع الحالي والمعارضين إذا قدم الإخوان 190 مرشح و إذا رشحت القوى المعارضة 190 أو 200. لكن هذا رهن بموقف القوى السياسية الأخرى.

هل ستصدر الجماعة برنامجاً سياسيا جديدا قبل انتخابات مجلس الشعب ووإذا ما كان الأمر كذلك، كيف سيختلف عن البرنامج الذي صدر سنة 2007؟

البرنامج الذي صدر في 2007 كان مشروع قراءة أولية لبرنامج حزب سياسي، ولم يكن برنامجا انتخابيا. وكان مطروحا على الرأي العام وبالذات على النخبة من المفكرين من كافة التيارات السياسية لأخذ الملاحظات عليه.  ودارت حوله مناقشات قوية جدا استضافها الإخوان، وتقبلوا بصدر رحب كل الانتقادات التي وجهت إليهم. ولايزال البرنامج محل مراجعة ولم يصدر بعد في صورته أوقراءته النهائية لأنه مرتبط بإحياء الحياة الحزبية كلها وقدرة وجود أحزاب قابلة للحياة والنمو وبالذات في مناخ يسمح بتداول السلطة. لأنه من العبث أن يتقدم الناس بطلب لحزب وأن يتقدموا ببرنامج الحزب ثم تكون الحياة الحزبية على هذا الموات الذي نراه الآن.

لكن البرنامج الانتخابي موجود بالفعل. نحن لدينا برنامج انتخابي لانتخابات مجلس الشورى في انتخابات التجديد النصفي الأخير، وحظي بمناقشة وهجوم شديد من الحزب الوطني. وهو البرنامج الوحيد الذي انتقده الحزب الوطني.  لدينا برنامجنا الذي خضنا به انتخابات 2005 ولدينا إنجازاتنا وهذه تضاف بالقطع إلى رصيد إنجازات الإخوان في مجلس الشعب.

وأنا أتمنى من نشرة الإصلاح ومن مركز كارنيجي، ومن المراكز الأخرى أن يفحصوا بدقة إنجازات الإخوان  خلال خمس سنوات من الفصل التشريعي في الدورات الخمس، لأن الإخوان المسلمين يتعرضون بشكل مقصود لحملة تشويه لأدائهم داخل مجلس الشعب. الإخوان المسلمون هم الوحيدون الذين تصدوا للموازنة العامة للدولة وللحسابات الختامية لفضح ممارسات الحكومة في الاستيلاء على أموال التأمبينات والمعاشات أو لإخفاء أموال الصناديق الخاصة، وهي تقدر بمليارات الجنيهات، وهذه لايعلم عنها الشعب. ولم تناقشها القوى السياسية الأخرى إلا في الصحف لكن داخل مجلس الشعب لم يحتدث عنها غير الإخوان المسلمين وكانوا هم الأساس في هذا.

الإخوان المسلمون هم الذين تصدوا لمشاريع القوانين الخطيرة التي حاول النظام أن يفرضها أو فرضها بالفعل مثل: إعطاء القطاع الخاص حق استغلال المرافق والخدمات العامة وأيضا قانون الاحتكار الذي شوهه البرلمان، وغيره من القوانين التي شارك الإخوان في التصدي لها.

الإخوان المسلمون تصدوا عبر استجوابات قوية جدا وكثيرة جدا للتدهور الشديد في المرافق والخدمات في قطاعات الصحة والتعليم والإعلام والأوقاف. كان الإخوان أصحاب الجهد الرئيسي داخل مجلس الشعب، وكان هناك إنجاز كبير بالتنسيق مع الأعضاء المستقلين. كانت دائما لدينا كتلة برلمانية تقف ضد حالة الطواريء وتمديد حالة الطواريء  من حوالي 103 نواب،  من الإخوان 86 والباقي مستقلون، يعني انضم لهم 15 نائب، وكانت دائما لدينا كتلة تقف ضد الحزب الحاكم في انتهاك حقوق الإنسان، ولدينا كتلة قوية تقف مع القضايا الوطنية والقومية. هذا كله سيضاف إلى  برنامجنا لعام 2005 الانتخابي. أما برنامج الحزب الذي نشرناه في 2007 فهذا برنامج هو حاليا محل مراجعة ولن يصدر إلا إذا  تعدلت الحياة السياسية بحيث تكون هناك فرصة لنشؤء أحزاب ولحياتها وقدرتها على تداول السلطة.

ما أهم درس تعلمته الجماعة من تجربة المشاركة السياسية منذ 2005؟

هناك دروس كثيرة في الإنتخابات. نحن نشارك في الانتخابات من عام 1984 أي ربع قرن أي منذ وقت طويل، المشكلة الرئيسية هي الانسداد السياسي  في مصر وعدم قدرة النظام المصري على التكيف مع الإصلاحات السياسية.  النظام المصري، نتيجة الضغوط الدولية من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اضطر لعمل إصلاحات خطيرة جدا في المجال الاقتصادي. وأدت إلى كوارث اجتماعية ولكنه لم يرضخ أبدا لأي ضغوط من أجل عمل إصلاح سياسي. المؤسسة الدستورية الأولى، وهي مجلس الشعب أو البرلمان،  صلاحياتها محدودة جدا وقدرتها على محاسبة الحكومة محدودة جدا. وإذا كان هناك انتخابات حرة فيجب إجراء تعديل دستوري لكي تتم الموازنة بين صلاحيات البرلمان وصلاحيات الحكومة، لأنه إذا اختلف البرلمان مع الحكومة، فمن السهل جدا حل البرلمان ومن الصعب إقالة الحكومة بل من المستحيل إقالتها. فهذا درس أساسي، لابد من تغيير قواعد  العمل السياسي في مصر بإنهاء حالة الطواريء وإطلاق حرية تشكيل الأحزاب دون قيد أو شرط، والسماح للبرلمان بمحاسبة الحكومة محاسبة حقيقية، واختيار الحكومة من الأغلبية البرلمانية، ومنع تزوير الانتخابات. هذه قواعد أساسية لأي نظام سياسي ونحن نعتقد أن مشاركة الإخوان  المستمرة  ستدفع في نهاية المطاف إلى هذا التغيير الحقيقي.

هل سيترشح عضو من الجماعة في إنتخابات 2011 الرئاسية إذا ماتم تعديل الدستور لفتح الطريق امام مشاركة المستقلين؟

أعلن الإخوان أنه لن يكون لنا مرشح في انتخابات 2011، وسوف ننتظر أسماء المرشحين الحقيقيين وننتظر برامج هؤلاء المرشحين لندرسها بعناية قبل أن نعلن موقنا من تأييد مرشح أو عدم تأييد الآخر.

ولكننا نقول بكل وضوح أن المشاركة في التصويت واجب. وأنه لايجوز للإخوان ولا لغيرهم أن يتخلفوا عن المشاركة في أي انتخابات عامة، لأن معنى ذلك هو الانسحاب من الحياة السياسية. يحاول البعض عبر دعوة للمقاطعة أن يجبر النظام على تغيير قواعد العمل السياسي ولكن هذا النظام  لم يستجب لأي ضغوط داخلية ولا خارجية منذ 30 عاما. والاستجابات الوحيدة التي تأتي من النظام نتيجة المشاركة التي تجبره على محاولة التجمل والتغيير الذي يبدأ شكليا ثم لابد أن ينتهي موضوعيا. وهذا ما نحاول الرهان عليه، ونحن نعتقد أنه إذا التقت القوى السياسية جميعا، من أحزاب وحركات شعبية وسياسية والقوى المنظمة من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان، في القواسم المشتركة وتناست الخلافات الجانبية فنحن أمام نافذة أمل تستطيع أن تؤشر على أن مصر يمكن أن تقبل على ديمقراطية حقيقية، أو تضع أقدامها على بداية الطريق نحو ديمقراطية حقيقية.

أجرت المقابلة ميشيل دن، رئيسة تحرير نشرة الإصلاح العربي، في القاهرة في 31 مايو/أيار 2010.