مع الشاعر الفلسطيني نمر سعدي
الشاعر الفلسطيني نمر سعدي لزمان الوصل:
أحاول أن أصوغ مأساة غزة في كل ما أكتب من شعر ممزقّ بين الواقع والخيال والحرية والظلم
نمر سعدي
حاوره : مرهف مينو – زمان الوصل
لو كنت لا أعرف نمر سعدي لظننت أنه شاعر ستيني، فحرصه على تقاليد قصيدة التفعيلة حد التقديس يشجع على مثل هذا الظن..فضلا عن انتهاجه نهج الستينيين في محاولة غزل خيوط الواقع ونسجها في نسيج رومانسي يتخذ من عناصر الطبيعة وعاءً لقضايا الفكر.
ثائر العذاري - ناقد عراقي -
لم اجد اجمل من هذه الكلمات لوصف الشاعر نمر سعدي .....
عرفناه شاعرا متمكنا مجيدا يحلق في سماء الشعر بأسلوب مميز يظهر جليا في قصائده التي يبدو وكأنها تنسلخ من روحه المبدعة سنحاول في هذا اللقاء أن نسلط الضوء أكثر على هذا الشاعر ونتعرف عليه عن قرب
-
· تعرفنا على الشاعر نمر سعدي من خلال ما قرأناه من خلال الصحف والدوريات الثقافية او ما يصلنا من خلال شبكة الانترنت .. نريد ان تحدثنا عما لا نعرفه عن نمر سعدي كبداية .
أوّلا أنا عربي مسلم أعيش في فلسطين المحتله في بقعة تدعى الجليل . من عائلة متواضعة من ضلع فلسطين وملح أرضها تسكن في قرية بسمة طبعون في الجنوب الشرقي من مدينة حيفا الساحلية .
وثانيا أنا كائن مملوء بالأحلام والطموحات والرؤى النبيلة ومسكون بعشق الحرية . وليست الكتابة عندي الاّ محاولة جريئة مني لتجسيد هذه الأحلام وممارسة الحرية ومنحها بعض الشرعية الوجودية لكي تتنفس في رئة حياة باتت جامدة وتتواجد في صخب هذا الواقع الذي بات يثقل كواهلنا بماديته وضيق أفقه ومحدوديته . .........أخيرا لكل شخص أن يفسرّني كيف شاء هواه من خلال قصيدتي .
في
ليلةٍ ما عندما يصحو الندى
في حنطةِ الأيام ِ
سوفَ يضيئني وجعي الذي أدمنتهُ
زمناً ...وتركضُ في مفاصلِ وردتي
نارُ المجوس ِ.....
يحيلني ندمي
الى أنقاضِ فردوس ٍ
يحيلُ دمي
فقاعاتِ النبيذِ المُرِّ
في قلبِ إمرئِ القيسِ
المُعذَّبِ بالجمالِ الحُرِّ
أو بلحاقِ قيصرْ
-
من الملاحظ أن المرأة تحتل مساحة واسعة من شعرك ؟
في الفترة الأخير أحاول أن أعطي المرأة بعدا رمزيا في قصيدتي وأمنح هذه العلاقة الملتبسة بعض الشفافية ليحاول الآخر أن يستشف ما يخفى عليه داخل جوهر الأنوثة . فنحن كبشر رجالاً ونساءً يكملُّ أحدنا الآخر ولا تقتصر صلتنا بعضنا ببعض على الحب أو ألنوازع البيولوجية فقط . هناك في بعض القصائد الأخيرة إستدعاء للمرأة المعجزة أو إمرأة اليوتوبيا الموعودة التي لا تتحقق الاّ في داخلنا وفي أعماق وهمنا وفردوسنا المفقود ولا نجدها في واقعنا . هذا الأحساس ينبع من خوف فقدانها وخسارتها كقيمة جمالية كبرى . كل كاتب أو شاعر أو فنان يستشعر هذه الخسارة الإفتراضية وهذا الفقد الوهمي قبل أن يقعا لذلك فهو متطرفٌّ الى أبعد حد بمثاليته الغنية الثرّة .من جانب آخر نحن نحاول دائماً التغنيّ بمزامير الطريق ولا نصل أبداً وهذا هو سر الجمال والسعادة هنا . المرأة كمدينة مسوّرة سحرية اذا وصلتها ضاع كل شيء . وقيمتها الجوهرية الفذة تكمن في هذه الضبابية التي تحيطها بالغموض والمجهول.
-
تعددت أساليبك الشعرية فتارة تكتب بالتفعيلة وتارة القصيدة العمودية .... فلما التنقل من مدرسة لأخرى ؟
أنا بالأساس شاعر عمودي أي بدأت عمودياً ولا زلت أكتب قصائد عمودية كشعراء كثر وهذا لا يضير فهناك شعراء عموديون وتفعيليون في نفس الوقت كنزار قباني ومحمد علي شمس الدين وسميح القاسم ولكني وجدت فيما بعد أن التفعيلة هي الصورة الحية المقنعة لتطوّر القصيدة العربية والأمتداد الطبيعي للموروث الجمالي الشعري لدينا . أعتقد أن التفعيلة حاولت بكل صدق أن تذهب بعيداً وتحتوي تجارب صادقة وأن تعبّر جليّا عن مكنونات الشاعر العربي في الوقت الراهن .القصيدة العمودية مرتبطة ذهنيا عندنا وقبل كل شيء بخيام البدو وأبلهم وظبائهم .ولكنها إستطاعت أن تتطوّر عندما كتب بها شعراء موهوبون . الشكل الشعري لا يهم كثيرا هنا. ما هو الاّ وعاءً أما المهم فالسائل الذي يملؤه .
التجربة النثرية مثيرة للجدل والإهتمام لأنها إستوعبت الكثير من العناصر والجماليات الجديدة . وأتمنى أن لا يكون هناك فجوة عميقة بين تطوّر هذه وحضور تلك . لأن النثر في النهاية يرجع نثرا مهما بلغ من الروعة والبلاغة ويحسب علينا كذلك في المستقبل . هناك مثلا تجارب النفرّي وأبن عربي وأبن حزم الأندلسي هي حسب مقاييس الغرب لقصيدة النثر تجارب شعر محض ولكنها في موروثنا تجارب نثر فنيّ أو صوفي أو نثر جمالي ذاتي وجداني . أما الشعر فلا مبّدل له . هل يستطيع أحد أن يغيّر شعر المتنبي ؟ أو شعر أبي تمام . لا أظن ذلك .
-
· ما رأيك بالحركة الشعرية المعاصرة " الغير ملتزمة بالتفعيلة أو القصيدة العمودية " عربيا ؟
هناك بعض الضبابية أنا لا أستطيع أن أميّز موهبة كبيرة حقاً .
وكل الشعر يبدو لي متشابها بعض الشيء . نحن نسير حسب قول أينشتاين الى الكارثة الثقافية . المشكلة أن الشعراء النثريين لدينا مثقفون وكاتبو دراسات نقدية وأبحاث وعلى مستوى عالٍ من الإطلاع وهم واعون جيداً لمشكلة هيمنة النثر الجمالي . لا أعرف سر هذه الحملة على الإيقاعات العربية . هناك شعراء مثل سعدي يوسف الذي فتح المجال أمام اليومي والشائع ومثل أدونيس الذي أغرى الآخرين بالشعر الفكري المشبع بالرمزية والغموض والذهنية والتقريرية أحياناً.
أنا ضد هيمنة القصيدة العمودية ولكنني أيضاً ضد هيمنة قصيدة النثر . حتى أدونيس" رغم إعجابي بشعره وتنظيره الجريء "في كثير من كتاباته لقصيدة النثر غامض وغير متسلسل وتغلب عليه الذهنية والفكرية أحيانا . أنا أحب شعره التفعيلي أكثر . وأحترم ريادته وتجديده في الأوزان العربية وفي المحتوى والمضمون .
-
· نمر سعدي ... هل أنت متأثر بتجربة شعرية حديثة أو قديمة ؟
من الصعب عليَّ أن أجزم بكلمة واحدة أنني متأثرٌ بتجربة بعينها قديمة أو جديدة . أؤمن أن المبدع اذا توقفّّ عن القراءة فقد أنقطع وحيه وجف نبعه. تجاوز الذات شيء مهم لدي وانقلابات الشاعر على نفسه أيضا . أحيانا تجربة واحدة غنية ومتنوعة كتجربة "ماركيز" تغنيني عن تجارب عدة فقيرة .
كل يوم جديد أكتشف تجارب جديدة تقنعني بضرورة المتابعة والكتابة .في النهاية أنا متأثر بالمجموع الكلي للتجارب الجيّدة الحقيقية ولست متأثرا بتجربة واحدة فقط .
-
· لمن تحب أن تقرأ ؟
لشعراء وكتاب كثيرين عرب وأجانب لا مجال هنا لحصرهم جميعا , ربما أقرأ في الصباح في رواية من روايات مركيز وفي الليل أقرأ في ديوان المتنبي . هناك تنويع كبير ولا محدودية في القراءة الموزّعة على الشعر والرواية والمقالة النقدية ولكنني في أحيان كثيرة أقرأ طويلا متأملاً في وجوه الناس والطبيعة والأشياء . وأجد في ذلك كنزاً عظيماً وحكمة.
-
هل تعتبر نفسك تعبر عن جيل من شعراء الحداثة ,ام ان نمر سعدي نسيج خاص ؟
بل أجد نفسي في آن واحد أعبرُّ عن جيل من شعراء الحداثة ابتدأ بالسيّاب والبياتي ونازك الملائكة وأمل دنقل وحجازي وقباني واستمرَّ حتى شوقي بزيع وعبد العزيز المقالح ومحمود درويش وحسب الشيخ جعفر وأدونيس . وأحاول من جهة ثانية صنع نسيج خاص بتجربة منفصلة تنمو رويدا رويدا وعلى حدة .
-
· وجدنا بعض قصائدك العمودية الكلاسيكية قد كتبت بشكل شعر تفعيلة ما السبب ؟
لا يوجد أهمية عندي لتقسيم وتوزيع القصيدة . التوزيع التفعيلي للقصيدة العمودية نجده عند شعراء كثر مثل محمد الفيتوري ونزار قباني وشوقي بزيع وعلي جعفر العلاّق والبياتي وهذا أمر يعدُّ ثانويا في كتابة الشعر . ربما هذا نوع من التجديد في العمود الشعري على مستوى الشكل . كل شاعر حرٌّ بتقطيع قصيدته ما دامت سليمة من الكسر في وزنها .وكل قارئ ذكي يكتشف لعبة التقطيع تلك من السطر الأول .عدا أن هذا الأمر لا يضير القصيدة شيئا بل يقوم بتحديثها وتقديمها بصورة مفاجئة ومغايرة تتناسب مع الراهن أكثر . وهناك قصائد كثيرة لعلي جعفر العلاّق موزعة توزيعاً تفعيلياً وهي قصائد عمودية بالأساس .
حب
بلا امرأة يغلف نومَه
المرئي بالكلمات تقطرُ من
دموع النورس البريِّ
.. كان غناؤها المائيُّ
يجرحهُ كزقزقة العصافير
الغريبة عن سماء الله
كانَ معبّأً بالبرق من أعلاهُ
حتى أخمص القدمين
يبحثُ في خلايا الأرضِ
عن منفى ومفردةٍ بلا ماضٍ
يؤنثها يُعيد بها تفاصيل
الرواية أو يدقُ بها
على الروحِ التي نامت
على وجع الترابِ
بلا مراودةٍ ويحتضنُ الفضاءَ
بلا يدين وقبلتينِ
من السرابِ الهش
ينظرُ دونما شفق
بعين غزالةٍ مذبوحةٍ
ببهلال شهوتهِ/ مرايا للغيابْ
-
هل قرأت لشعراء سوريين وهل تعتبر الحركة/span> الشعرية السورية مؤثرة في الأدب العربي ... طبعا في الفترة الراهنةة ؟
قرأت لكثيرين منهم ونيس ومحمد الماغوط ومحمد منير خلف
ويوياسر الأطرش ونوري الجراح ونزيه أبو عفش ومحمد الصالح الحسين وبهيجة مصري وغالية خوجة . كلهم كبار ويستحقون القراءة . وأعتبر الحركة الشعرية في سوريا من أقوى الحركات التي تحتضن المشهد الشعري في العالم العربي . وهي مؤثرة ومتطوّرة بشكل مذهل . وقد قمت بالإطلاع على الدواوين التي يصدرها اتحاد الكتاب عندكم فأصبت بالذهول من نضوج التجارب الشعرية وغناها بالمقارنة بما يجري في فلسطين .
أنتم تتفوقون علينا أضعافا مضاعفة .
-
غزة ...؟؟؟ أنت في قلب الحدث نتاجك الشعري/span> الذي وصل لم يتناول ما يستجد من أحداث على أرض فلسطين ؟؟
منذ شغفي الأوّل بالشعر وأنا أحاول أن أتخلّص من شعر الحدث والمناسبات الذي رحل زمنه مع أن مصيبة غزة ليست مناسبة .
أحاول أن أصوغ مأساة غزة في كل ما أكتب من شعر ممزقّ بين الواقع والخيال والحرية والظلم ولكني قلت شعرا كثيراً لفلسطين كلها ولا أريد أن أجزأها فهي حاضرة في كل ما كتبت وما سأكتب حتى لو كان شعرا بسيطا أو شعرا يعبرُّ عن قضايا كبرى . يجب على الشعر أن يعبّر عن الحدث بصورة غير مباشرة ومن هنا تنبع قوته وحدته . الشعر عندي ليس شعارا ولا تقريراً يومياً. أنا أعبرُّ عمّا يحدث في كل بقعة موبوءة بالظلم في العالم بصورة مغايرة وجماعية أكثر .
-
نلاحظ انك تنشر الكثير من موادك في زمان الوصل فهل من الممكن شرح السبب ؟؟
لا لغير أنه يحتفي بنصوصي دائما وينشرها . وأود أن أتمنى له دوام لإستمرار والنجاح .
-
نمر سعدي ... تفضل النشر الالكتروني أم الورقي ... السبب ؟
أفضلُّ النشر الورقي بالصفة الأولى والألكتروني بالصفة الثانية .
وقد يكملُّ أحدهما الآخر. اليوم بالذات النشر الألكتروني مهم لأنه يتيح المجال أكثر لإنتشار النص الأدبي .ويشرع تحدِّ آخر أمام الكاتب ليتقن أدواته ويبدع ويجاري غيره . ولكنني أظن أن في النص المنشور ورقياً حميمية خاصا تربطه بصاحبه .