يهود ضد الصهيونية

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

أجرى الزميل في صحيفة العرب اليوم الأردنية أسعد العزوني لقاء صحفياً في عمان مع رئيس وفد حاخامات (ناطوري كارتا) - يهود ضد الصهيونية - إلى غزة، على هامش مهرجان الترحيب بقافلة شريان الحياة 3 في النقابات الأردنية في السادس من الشهر الحالي، ولأهمية هذا اللقاء وصراحته وشفافيته فقد وجدنا من الفائدة أن عليه أكبر عدد ممكن من المهتمين بالقضية الفلسطينية، ليكتشفوا حقيقة وزيف الدعاوي الصهيونية، التي لا تستند إلى أي وقائع دينية أو تاريخية، وقد خصنا الزميل أسعد – مشكوراً – بهذا الحوار ونشره قبل أن تنشره وسائل الإعلام العربية الأخرى.

وفيما يلي نص الحوار :

*- من أنتم ؟

= نحن يهود متدينون أتباع الله والتوراة الأصلية ونرفض الانصياع وراء الصهيونية تلك الحركة السياسية التي ابتدعها مجرمون سرقوا اليهود من الله وزوروا تعاليم التوراة ، وارتكبوا جرائم بحق أخوتنا الفلسطينيين والعرب قبل أن يرتكبوا جرائم بحقنا نحن اليهود المتدينين، بدءا  من هيرتزل وانتهاء بنتنياهو مروراً بوايزمان وجا بوتنسكي وبيغين وشامير وشارون. (ناطوري كارتا) وتعني بالعربية (حراس المدينة) مقرنا الرئيس في القدس المحتلة، رفضنا منذ البداية إقامة دولة إسرائيل وطلبنا من الأمم المتحدة اعتبارنا لاجئين فلسطينيين ومنحنا جوازات سفر أممية وحتى يومنا هذا لم نتسلم الجواب.

*- كيف تنظرون إلى اليهود الأمريكيين، ولماذا يدعمون إسرائيل ؟

= نحن  يهود متدينون وغالبيتنا ضد الصهيونية وإسرائيل لأنها ظالمة ومجرمة وتتصرف وكأنها فوق القانون الدولي وتسيء إلى سمعتنا كيهود، ومعروف أن اليهودي كلما ازداد تدينه بعدت الشقة بينه وبين الصهيونية.

*- لكن الإيباك من أكبر الداعمين لإسرائيل، ماذا نقول بذلك ؟

= هذه المجموعة مثال جيد للصهيونية، وهي صغيرة لكنها متنفذة وتسيطر على الكونغرس وول ستريت والإعلام والوسط السياسي بكامله بالتهديد والإرهاب وهي ضد الفلسطينيين وتدعم إسرائيل.

*- ماذا عن منظمة " J.STREET ؟

= هذه مجموعة جديدة وهي تجمع أفكاراً متعددة وضد إسرائيل المتغطرسة وضد الصهيونية التي جعلت فلسطين ساحة للقتل والإجرام، وخدعت اليهود أنفسهم وجعلتهم مكروهون من كل شعوب العالم.

*- اليهود يعتقدون أن فلسطين لهم، وأنت كيهودي متدين ماذا تقول ؟

= التوراة الأصلية لا تقول ذلك، ولا يمكن أن يكون الله الرحمن الرحيم والعادل قد وعد شعباً بالسعادة على حساب شعب آخر، لا أعتقد أن الله أمر بذلك، ومن شعاراتنا: (الدم الفلسطيني ليس ماء).

*- كيف تنظرون إلى الرئيس أوباما ؟

= أنا والوفد اليهودي قادمون من أمريكا وهو رئيسنا، ونحن معجبون بأدائه وبأفكاره فهو يدعو لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وهذا أمر ممكن وعليه عدم الانصياع لأوامر إسرائيل، وأن يعلم أن قتل اليهود بدعة صهيونية.

الرئيس أوباما صاحب عقل متفتح تجاه القضية الفلسطينية والمطلوب منه وضع حد لسيطرة الإيباك وتدخلها في حياة الشعب الأمريكي، وأن يمنح الفلسطينيين الحرية ويرفع الحصار عن غزة .

*- ما تقييمكم للعلاقة بين نتنياهو وأوباما ؟

= أولا لابد من التوكيد على أن نتنياهو هو رئيس مافيا دولة إسرائيل وهم ممثلو الشيطان أصلاً والمجرمون الحقيقيون الذين يديرون دولة مجرمة ويحاول نتنياهو عرقلة مساعي الرئيس أوباما ومنعه من العمل من أجل سلام اليهود قبل غيرهم، لأنه يريد الاستمرار في استغلالهم لتحقيق مآربه الشخصية شأنه شأن الصهاينة الآخرين الذين نظروا إلى اليهود على أنهم حطب نار الصهيونية ؟

*يدعون أنه كان لهم دولة يهودية في فلسطين وأنهم عادوا إليها بعد غيبة دامت 2000 عام ما قولك كيهودي متدين في ذلك؟

= لا علاقة للصهيونية بالتوراة وما يقولونه عبارة عن أكذوبة، لأنه ممنوع علينا إقامة دول. وأحب التوكيد أيضاً أن دولة الصهاينة في إسرائيل ستزول حسب نصوص التوراة الأصلية، ونحن بدرونا نصلي من أجل تقريب الموعد.

*ما الهدف من مشاركتكم في حملة شريان الحياة 3 إلى غزة؟

- حضرنا إلى غزة حتى نظهر من صميم قلوبنا الدعم والتضامن مع أهل القطاع الصامد وجميع الفلسطينيين الذين يعانون ولأكثر من مائة عام على أيدي الصهيونية. ونحن إذ نقف وجهاً لوجه مع ضحايا ظلم الصهيونية، فإننا من أعماق قلوبنا نشعر بحجم المأساة التي ألحقت بهم، ولا زالت تحاك ضدهم وبلا توقف. ولأكثر من مئة عام، قمع وروّع الصهاينة الشعب الفلسطيني الذي لطالما على مدى التاريخ  كان ودوداً مع اليهود، و وفر الأمان والصداقة والضيافة وكل ما يمكن أن يقدم من حُسن الجوار. ولا زال بيننا شهود أحياء يشهدون على طيب العلاقات، بين اليهود والفلسطينيين في مدينة القدس وكل أرض فلسطين، هذه العلاقات التي امتدت إلى مئات السنين حتى بدأت أنشطة الصهاينة الذين تدرجوا في شرورهم وغيهم و أقاموا جدران من عدم الثقة والكراهية بين بعض اليهود وشعب فلسطين.

*كيف تنظرون كيهود متدينين إلى الحركة الصهيونية؟

- لغايات كسب تعاطف ودعم العالم، أقدم الصهاينة على سرقة الهوية اليهودية، إنه لشعور فظيع بالخزي والإهانة أن تحدث كل هذه الأفعال المشينة باسم اليهودية وباسم التوراة. لقد استخدمت هويتنا لارتكاب أفظع الجرائم، والصهيونية المغلفة بهوية التوراتية ليست سوى حركة سياسية مادية بحتة عاصية لتعاليم الله. إن تعاليم التوراة واضحة: (إن الله قد نفى اليهود وحرّم عليهم السيادة على أي بقعة في العالم، ووفقاً لتعاليم الملك سليمان الموضحة بالتلمود) لقد أخذ منا العهد على ألا نعود مجتمعين إلى الأرض المقدسة، أرض فلسطين. لقد أمر الله اليهود ألا يكونوا ضد أي أمة وأن يكونوا مواطنين مخلصين وأوفياء للدول المضيافة، وقد أمر الله اليهود أيضا ألا يحاولوا أبداً إنهاء هذا النفي الإلهي. فإنه حتى ولو كانت فرضاً الأرض المقدسة غير مأهولة ومقفرة، فإنه محرماً تحريماً قطعياً أن تنشأ عليها دولة لليهود. إن هذه الوصايا قد حفظت آلاف السنين قبل الصهيونية ولم يفكر أي يهودي في إنشاء كيان. ناهيك عن استخدام قوة السلاح لتحقيق ذلك الكيان.

لقد خالفت الصهيونية كل هذه التعليمات وتمردت وعصت لأنها رفضت فكرة العقاب الإلهي لليهود بالنفي وسعت إلى تحويل ما هو كيان معنوياً إلى كيان مادي مصطنع.

* قالوا أن فلسطين حق لهم من الله وأنها مقفرة لا سكان فيها أليس ذلك تزويرا ؟

- إن الخطيئة قد تراكمت عندما قرر الصهاينة إنشاء دولتهم المصطنعة على أرض فلسطين المأهولة بسكانها الأصليين لآلاف السنين. لقد خالف الصهاينة كل قاعدة أخلاقية وردت في التوراة، والتي قالت لا تقتل فقتلوا .. لا تسرق فسرقوا.. عامل أخيك الإنسان بالرفق والعدل فقتلوا وشردوا أغلبية الفلسطينيين.. وشنوا حرباً ونشروا الدمار، الصهاينة لم يأبهوا أبداً بأرواح اليهود وغير اليهود كل همهم هو القوة والمجد.

إن الصهاينة قد تسببوا في مأساة بالغة للفلسطينيين غير اليهود، بل قد أضروا أيضاً بيهود فلسطين الذين عاشوا بسلام قبل وصول الصهاينة مثل جماعة الحاخام (يوسف زوننفلد) ذو الذكرى المباركة، الذي التقى القيادات العربية وأكد لهم أن يهود التوراة ليس لديهم طموح سياسي، وجماعة الحاخام (يوسف تزفي دشنسكي) الذي ترافع أمام هيئة الأمم في العام 1947م مؤكداً أن الصهيونية لا تمثل اليهود وأن اليهود لا يريدون دولة يهودية. لكن الصهاينة نجحوا، ونرى اليوم النتيجة الحتمية لهذا النجاح، عذاباً وآلاماً للشعب الفلسطيني لأكثر من 60 عاماً.

*هل يفهم من كلامك أن الصهاينة زوروا التوراة؟

- إن زيف الادعاء بقدسية طلب دولة لليهود في فلسطين ليست سوى تلويح بالتوراة لإضفاء الشرعية على سرقتهم. إن زعم الصهاينة بأن لديهم الحق بانتزاع فلسطين، زعم يخالف تعاليم التوراة، إنها الوقاحة بعينها أن يقول الصهاينة أن فلسطين أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض. لقد نجحوا في ترويج تلك الأكاذيب بسبب انحياز الإعلام لهم وبدعم القوى الغربية.

أدرك الصهاينة أنهم بحاجة إلى إضفاء الشرعية وتغطية سرقتهم الكبرى لفلسطين عبر الزعم الكاذب بأنهم أصحاب حق توراتي مقدس، وأن دولتهم هي تحقيق تعليمات توراتية وخلاص ووعد إلهي. لكن كل ذلك محض كذب وتزوير. ليس صحيحاً أن التوراة لا تقول بخلاص اليهود عبر إنشاء حركة سياسية تدعو للاستقلال! إن الخلاص سيكون بأن ينشئ الله مملكته في العالم لتخدم الإنسانية الله الواحد، ولن تشهر أي أمة سيفها ضد أي أمة أخرى، أبداً لن يكون.

*ما رسالتكم إلى غزة؟

- حضرنا اليوم إلى غزة حتى يعلم أهل غزة، أننا نشعرهم، نحن كيهود توراتيون نعيش في فلسطين وأمريكا وكندا وبريطانيا وكل مكان في العالم، نقف متعاطفين ومتضامنين معهم ونقول لهم : يا أصدقاءنا في غزة وكل فلسطين. نحن نشعر بالمعاناة التي تعيشونها، كما نشعر بالإهانة والإحباط والخزي خاصة لأن ذلك يحدث باسمنا وباسم التوراة، ولأن أصواتنا التي ترفض وتدين الصهيونية تكاد لا تسمع، ولأن مظاهراتنا لا تحظى بالتغطية الإعلامية.

*ما ردة الفعل الصهيونية على مواقفكم؟

- اليوم نحن نعاني من مضايقات وتهديدات واستفزازات الصهاينة، حتى وصل الأمر إلى حد الاعتداءات بالضرب المبرح على حاخامات في فلسطين معارضون للكيان الصهيوني. أيضاً تتعرض جالياتنا إلى مضايقات وأعمال عنف ضد بيوتنا ومكتباتنا في أمريكا على يد الصهاينة ولهذا السبب يتجنب مئات الألوف من اليهود المشاركة علناً في رفض الحركة الصهيونية.

لكننا أيضاً نعلم أن عملنا لن يذهب سدى عند الله الذي يسمع صوتنا ويرى المعاناة وكل شيء في يد الله، وهو الذي سينهي الكيان الصهيوني كما وعدنا في التوراة: (إن كل من يتمرد على الله لن يفلح)، نتمنى حدوث ذلك بسرعة وبدون إراقة دماء أكثر من ذلك!

* ما رسالتكم لليهود الأمريكيين والمجتمع الأمريكي؟

- سوف نعود إلى مجتمعاتنا برسالة بما رأينا في غزة من جرائم الصهيونية المستمرة ضد الفلسطينيين، لقد ساهمنا في إحضار بعض الأدوية والمستلزمات الطبية والحقيقة أن هذا ليس سوى نقطة في محيط ما يحتاجون، إن عملنا هذا هو خطوة رمزية لنكشف للعالم حقيقة حريتهم المسلوبة، وللتعبير عن تعاطف وتضامن بعض يهود العالم معهم.

*ما تصوركم للحل الأمثل؟

- نحن نؤمن بأن الحل الوحيد العادل هو بإعادة كامل حقوق الفلسطينيين على كامل أرض فلسطين، وحين ذلك قد يعود الوئام والسلام بين العرب واليهود، عندها سيكون بإمكان اليهود إظهار الشكر والعرفان على حسن ضيافة الشعب الفلسطيني لهم لمئات السنين.

نحن ندعو الشعب الفلسطيني، وبكل تواضع، ألا يطلقوا على هذا الاحتلال اسم (دولة اليهود) أو (اليهود) لأنهم بذلك يخدمون الصهيونية، وإن زعم الصهاينة الكاذب بأن الشعب اليهودي يخدم مصلحتهم في إظهار أن الصراع الدائر هو صراع ديني وأن أهل فلسطين وغزة متعصبون ومعادون للسامية كذب، لأن الفلسطينيين هم ضحايا الصهيونية التي سرقت أرضهم وشردتهم. ويجب أن يسمّوا دولتهم باسمها (دولة الصهاينة) وأن يفرقوا بين اليهودية واليهود من جهة، وبين البربرية والمعصية لله المتمثلة في الصهيونية من الجهة الأخرى، ليعلم العالم أنه ليس صراع أديان وليتذكروا التاريخ الحقيقي حيث عاش العرب واليهود في سلام ووئام.

إن العرب أصدقاؤنا، ولقد تعايشنا معاً في السابق، وما زلنا أصدقاء، وعلى الجميع أن يساعدونا على نشر الوعي والحقيقة في جميع أنحاء العالم، حقيقة ما يجري وما هو السبب الرئيسي لكل هذا العذاب في الأرض المقدسة، وهو الكيان الصهيوني، الجار الجديد في المنطقة، دعونا نتخلص من هذا الجار بإزالته حتى يعود السلام والوئام.

ونحن ندعو الله أن يبلسم ويشفي جراح أهل غزة وأن يعينهم على إعادة البناء، وأن يحقق الحرية الكاملة لأهل غزة وفلسطين، وندعوه أن يكون ذلك عاجلاً وبسلام.. كما ندعو الله أن يجعل من كابوس الصهيونية ذكرى من الماضي.

وندعو الله أن نحتفل سوياً بغزة الحرة والقدس الحرة وبفلسطين الحرة.. وندعو الخالق العظيم أن يصلح العالم حيث لا حروب وأن تخدم كل الإنسانية الله في سلام.