مع المراقب العام علي صدر الدين البيانوني
مراقب إخوان سوريا يتكلم عن رسالته الغاضبة
للتنظيمات الإسلامية القريبة من دمشق
صدر الدين البيانوني:
الإسلاميون والعلمانيون خارج معادلة النظام السوري
الحالةَ الطائفيةَ في سوريا تزدادُ تأزّماً وتجذّرًا
المراقب العام: علي صدر الدين البيانوني
علي عبد العال
صحفي مصري/ القاهرة
صدر الدين البيانوني من خلال رسالة كتبها علي صدر الدين البيانوني المراقب العام لـ"الإخوان المسلمين" في سوريا إلى عدد من الأحزاب الإسلامية وتنظيمات الإخوان في أقطار عربية يدعوهم فيها إلى مقاطعة مؤتمر الأحزاب العربية المقرر عقده في دمشق (10 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري)، أعلنت الحركة انهيار الهدنة التي كانت قائمة بينها وبين نظام الأسد في دمشق على خلفية أحداث غزة، ورأت في إعلانها أنه من غير المناسب عقد مؤتمر الأحزاب في سوريا، خاصة أنه غير مصرح بإقامة أحزاب فيها.
وبينما أكد الإخوان السوريون دعمهم وتأييدهم لحق إخوانهم في فلسطين والعراق "أن يستفيدوا في سوريا من المفارقات السياسية لخدمة مشروعهم وقضيتهم"، فإنهم قالوا في الوقت نفسه إنهم ينظرون "بألم بالغ لأي علاقة بين النظام السوري وأي تنظيم إخواني أو إسلامي أو أي شخصية إسلامية"، دون مراعاة لأوضاع إخوانهم المضطهدين في سوريا.
وفي محاولة لفهم تفاصيل وأبعاد هذه القضية وموقف الجماعة منها اتصل "الإسلاميون.نت" بالمراقب العام لإخوان سوريا، المقيم بمنفاه في بريطانيا، وطرح عليه هذه الأسئلة:
* هل حقا انهارت الهدنة التي كنتم أعلنتموها من جانب واحد بينكم وبين النظام السوري؟
- في الحقيقة إن الحديث عن هدنة أمر مبالغ فيه، حقيقة الأمر أن جماعتنا في ظروف الحرب العدوانية الإسرائيلية الوحشية على غزة، ومن خلال رؤيتنا وقراءتنا للمخططات الدولية، ومحاولات فرضها على المنطقة.. ارتأت تعليق أنشطتها المعارضة للنظام السوري، وطالبت النظام في المقابل بالمصالحة مع شعبه، توفيرا للأسباب الضرورية اللازمة لتحرير الأرض المحتلة، ومواجهة العدوان الصهيوني، ولدعم صمود أهلنا في فلسطين.
نعتقد أن هذه الظروف والمخططات المريبة ما تزال قائمة، وقد تتكشف أبعادها في المستقبل القريب، وموقف جماعتنا ألا تكون معينا على إنفاذ هذه المخططات، وألا تعطي ذريعة للمنخرطين فيها، هذا موقف مبدئي نتمسك به.
وإخواننا في الأقطار الإسلامية ليسوا بعيدين عن هذه الرؤية، والرسالة التي تم توجيهها إليهم إنما كانت على سبيل التذكير والتوضيح.
لم يكن الوضع الداخلي في سوريا غائبا عن رؤيتنا عند اتخاذ قرار تعليق الأنشطة، لكننا نؤكد أن عوامل إستراتيجية مهمة كانت وراء اتخاذ القرار، ومنها رؤية ومواقف إخواننا المقصودين بالرسالة محل التعليق.. كانت الرسالة خاصة، ولم يكن المقصود أن تصل إلى الإعلام، ربما حصل سوء فهم لدى بعض الإخوان أدى إلى نشرها، وأعتقد أن من الطبيعي أن يكون هناك تنسيق بين التنظيمات القطرية في مثل هذه القضايا، وسواء كانت الرسالة سياسية أو إعلامية فإنها في اعتقادي لا تشكل خرقا لقرار تعليق الأنشطة المعارضة الذي لا يزال هو الموقف المعتمد في الجماعة.
* هل تجاهل نظام الأسد للمبادرة يشي بضعف إخوان سوريا؟ بمعنى أن النظام لا يخشى جانبهم ومن ثم لا يرى حاجة للتفاوض معهم أو النظر في مطالبهم؟
- هذا تبسيط شديد للقضية السورية.. إن مجرد طرح القضية على أنها بين النظام والجماعة فيه ابتعاد عن واقع الحال، وخروج على مقتضيات القراءة الإستراتيجية للأوضاع في سوريا.. نعتقد أن لقياس الضعف والقوة معايير أخرى.
كانت هناك عبر التاريخ القديم والحديث أنظمة وأحزاب شمولية كثيرة، وكانت هناك شعوب تطالب بالحرية.. الدكتاتوريات كانت دائما هي التي تذهب، والشعوب هي التي تبقى، هذه هي القراءة الواقعية، الشعب السوري اليوم وفيهم الإسلاميون والعلمانيون والعرب والأكراد.. كلهم خارج معادلة النظام.
لا شك أن خياراتنا ليست سهلة مع موقفنا المبدئي الرافض للخيار الخارجي تحت أي عنوان أو ذريعة، وهذا موقف إستراتيجي قد يحد من مجال حركتنا ومواقفنا التكتيكية، لكننا مصرون على التمسك به، ومستعدون لدفع ثمنه.
المستبدون أمام خيارين (إما اعتدلت وإما اعتزلت)
* ما هي الخيارات المتاحة في هذه الفترة أمام الجماعة لمواجهة ما ترونه تعنتا من النظام؟
- قلت إن خياراتنا الإستراتيجية واضحة ومستقرة، ونحن متمسكون بها، وماضون بها إلى غايتها، أما خياراتنا المرحلية فهي رغم صعوبتها متعددة ومفتوحة، وربما لا يكون من المصلحة الإفصاح عنها إلا في وقتها.. تقول العرب: عند الصباح يحمد القوم السرى، أو يسفر الصبح لذي عينين، لقد راهن الغرب على أنظمة الاستبداد أكثر من قرن، وكانت شعوبنا خارجة من لجج الأمية والجهل، واليوم وهم يقررون استئناف المراهنة بأساليب جديدة، ينسون أن الشعوب تتقدم، وتسير حثيثا نحو التحرر، أما المستبدون أنفسهم فسيحاصرهم قريبا خيار (إما اعتدلت وإما اعتزلت)؛ لأن حركة الشعوب نامية، وتسير في الاتجاه المعاكس لحركتهم.
مرة أخرى أؤكد أنه لا يجوز أن نفكر في إطار حزب أو تنظيم أو حتى معارضة.. بل يجب أن نفكر في إطار الشعب وفي إطار الأمة، وأن نبني خياراتنا على هذا الأساس، موقنين أن الله الذي هو فوق الجميع، وهو الملك الحق، وهو العدل السلام.. هو معنا، كما أن حركة التاريخ هي أيضا معنا.
* لكن ما الفائدة التي قد تعود عليكم بعد أن يقاطع الإسلاميون مؤتمر دمشق للأحزاب العربية؟
- قلت إن الرسالة كانت سياسية بالدرجة الأولى، وكان المقصود منها التذكير.. المطلوب من السياسي أن يكون حاضرا، وإذا كان ثمة حضور سياسي للأحزاب العربية في دمشق فالمفترض أن نكون نحن وجميع الأحزاب السورية حاضرين في هذا المؤتمر، بل من المنظمين فيه والمستقبلين.. هذه حقيقة لابد من التذكير بها.
من المتوقع أن تتفاوت تقديرات التنظيمات الإسلامية في الأقطار، فيقاطع بعضها المؤتمر، ويحضر بعضها الآخر، وستكون في أذهان الحاضرين بعض الحقائق عن الوضع الداخلي في سوريا، وبالمناسبة -وفي السياق نفسه- كنا ننوي أن نوجه كتابا مفتوحا إلى الأمانة العامة للمؤتمر والمؤتمرين، نؤكد فيه وجودنا ونشرح وجهة نظرنا، هذه هي طبيعة العمل السياسي، إذا رجعت إلى صيغة الرسالة تجدنا نقول: (إننا ننظر بألم بالغ) إلى كل علاقة مع النظام السوري لا تراعي أوضاع المضطهدين ومعاناتهم.. ولم نقل: (إننا ننظر باستنكار) مثلا، ربما يكون الركود السياسي العام في المنطقة، هو الذي ضخم من وقع الرسالة التي تسربت إلى الإعلام، وربما أراد البعض أن يحملها أكثر مما تحتمل.
* هل تواصلتم بشكل مباشر مع الجهات الإسلامية بهذا الشأن؟
- إن العلاقة بين التنظيمات الإخوانية القطرية هي علاقة تشاور وتنسيق لا أكثر، والواقعة التي بين أيدينا تؤكد ذلك.. إن المفارقات القطرية ترخي بظلالها على الموقف العام، فالظروف القطرية والتنظيمية لا تسمح بأكثر من ذلك، مشاكل العراق مثلا أكثر تعقيدا، والوضع في لبنان البلد الصغير قد يصعب فهمه في مدينة مليونية مثل القاهرة، ربما يكون الأصعب في الموقف العام، اختصار مشاكل الأمة في مشكلة قطرية، وعدم التمييز عند حساب المواقف بين العناوين والمضامين.
* ألم يكن من الجائز أن علاقة النظام السوري بالإخوان في أقطار عربية أخرى عامل من عوامل التهدئة مع إخوان الداخل؟
- أولا أحب أن أؤكد أنه لا يوجد تنظيم للإخوان في الداخل، لأن القانون ذا الرقم (49/1980) الذي يحكم بالإعدام لمجرد الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين ما يزال نافذا ومفعلا، يتناول في تطبيقه أبناء الإخوان وأحفادهم وأصدقاءهم، وكل من يمت بصلة إليهم.. ثم لا شك أن علاقة النظام السوري بالتنظيمات الإخوانية القطرية يمكن أن توضع في الميزان بما لها وما عليها، كما يمكن أن توظف لمصلحة الأطراف التي تثبت حضورا أفضل.
* تحدثتم في الرسالة عما اعتبرتموه "معاناة أهل السنة" في سوريا فماذا قصدتم؟
- الوضع الطائفي في سوريا وضع مزمن، ولدينا في الجماعة مشروع وطني لاحتواء سلبياته، وتمتين اللحمة الوطنية، على أساس دولة المواطنة، التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات، كل المؤشرات تؤكد أن الحالة الطائفية في سوريا تزداد تأزما وتجذرا، لقد كانت الإشارة في الرسالة إلى حقيقة قائمة يدركها كل مواطن سوري، ولا علاقة لها بالمذهب الشيعي الذي لا يتبعه في سوريا إلا نسبة ضئيلة من المواطنين، ولم يكن القصد منها الإثارة أو تقليب المواجع، لقد أكدنا في مشروعنا السياسي المستقبلي -وما زلنا نؤكد- ضرورة تجاوز الحالة الطائفية، وبناء دولة المواطنة التي يتساوى فيها الجميع.
* لكن علاقة جهات إخوانية عديدة جيدة بالنظام الإيراني، كما في حال حركة حماس في فلسطين، بل الجماعة الأم في مصر، وحتى إخوان إيران أنفسهم دائما ما يدافعون عن طهران.. كيف ترون هذه المفارقة؟
- في العلاقة مع إيران علينا أن نميز بين إيران (الدولة) كوجود حضاري وإسلامي وقوة سياسية وبين إيران كمشروع مذهبي يحاول الهيمنة والتمدد في المجتمعات السنية.. لا أحد في التنظيمات الإسلامية يعادي إيران (الدولة) على الصعيد الأول، ولكن الحديث والخوف يكون دائما على الصعيد الثاني من مشروع التمدد المذهبي والغزو الثقافي، هناك فريق متعصب في إيران يحاول في هذه الظروف الصعبة أن يدير معركة في المجتمعات الإسلامية.. إن ما تخسره إيران من هذا المشروع هو أكبر بكثير مما تربحه.