حوار مع الشاعر المصري أحمد الشهاوي
كتاب " الوصايا في عشق النساء " بدأت فكرته في المنستير
حاورته : هيام الفرشيشي – تونس
بعد صدور كتابه " الوصايا في عشق النساء " للشاعر المصري أحمد الشهاوي نشرت مئات الدراسات حول الكتاب تنوه باستلهام الشاعر لفن الوصية كشكل فني لتجربة صوفية حسية . التقينا أحمد الشهاوي في الأردن وكان لنا معه هذه الحوار :
كتاب الوصايا في عشق النساء كتاب يختلف عن دواوين الشعر لأنه استلهام الوصية كجنس أدبي قديم ، ما هي مبررات كتابة الوصايا ؟
" الوصايا في عشق النساء " كتاب لم أتوقع يوما أن أكتبه ولكن يبدو أن طقس العشق وطقس التصوف الذين عشتهما في المنستير حيث كان ملتقى " التصوف في دول حوض البحر المتوسط " فلما كان لدي كتاب عنوانه " اسمه أحمد " وكنت أحاول أن أختتم الكتاب خلال إقامتي في المنستير وإذا بفصل الاختتام يتحول إلى شكل آخر من الكتابة وأسميه " الوصايا " حيث تخلق أفق وتشكل نص ووصية تتكون . مددت إقامتي في المنستير بعد انتهاء الملتقى و أنجزت جزءا لافتا من الكتاب ، وعندما عدت إلى القاهرة أتممت الكتاب وأتممت العنوان فأضفت " في عشق النساء " . في الجزء الأول من الكتاب الذي بدأت فكرته في المنستير كتبت مائتين وأربع وخمسين وصية أما الجزء الثاني من الكتاب فهو مائة وخمس وستون وصية . كتبت الكتاب كتجربة عشق بحثت لها عن شكل جديد هو في الحقيقة جنس أدبي قديم ، أهمل وترك وطواه الزمان هو الفن الوصية باعتبارها جنسا أدبيا كانت العرب تمارسه وانقطعت صلتنا به فأردت في إطار سعيي مع التراث العربي والإسلامي أن أخلق نصا عشقيا بلغة جديدة تتواصل مع تراثي.
هل الحب الواقعي الوارد في الوصايا مدخل إلى الحب الصوفي الإسلامي ؟
هل هو حب واقعي كما ذكرت ؟ ربما . هل هو حب مستحيل ؟ ربما أيضا . وبين الواقع والمستحيل يتحرك طموح الشاعر في البحث عن طريق في مسلك الحب وعن أساليب روحانية وحسية ما بين الكتابة والممارسة . هو كنص ليس غريبا علي لأنني بدأت حياتي بديوان شعري عنوانه " ركعتان للعشق " ولأن الناس اعتادت أن ترى أحمد الشهاوي ينجز كتابا شعريا بين كل ديوانين ، فكانت الوصايا التي جعلت المرأة متنا وأصلا وليست هامشا مثلما هو موجود في تراث العشق العربي ، بمعنى أنني أعول على الروح قبل الحس . أذهب إلى الحسية منطلقا من الروحانية لأن العاشق لا يستطيع أن يمتلك الجسد دونما إدراك وامتلاك للروح . وهذا الجانب الذي غيبه أغلبية الأسلاف عندما تناولوا موضوعات العشق في كتبهم رغم أن معظمهم كانوا من الفقهاء والأيمة والقضاة الشرعيين . أطمح أن يكون هذا الكتاب طريقة للعشق ، وكما تعرفين هناك مئات الدراسات التي كتبت عن الكتاب ، لكن كونه أن يصبح طريقة في الحب فهذا أشرف مسعى ، لذلك اطلعت على كتب العشق في الحضارات القديمة وخصوصا الصينية والهندية والمصرية ورأيت أن هذه الكتب تبقى لأنها تمس القلب والروح وتشكل البنية الأساسية لمن يتلقى
هل اقترابك من المقدس وخاصة من القرآن رغبة في توظيف التراث الديني توظيفا فنيا أم بحثا عن الحدس المدرك الكامن في القرآن ؟
لم أتعود أن أوظف القرآن في نصوصي ولكن نشأتي في بيت ديني فيه الأب أحد علماء الأزهر والمكتبة زاخرة بكتب الفقه والشريعة وعلوم القرآن ، فمن الطبيعي أن ينشأ شاعر في هذا الجو ويكون القرآن هو سماءه الأولى الذي هو سماء اللغة العربية وذروة تجليها وقمة بلاغتها ، فيكاد كلامي العادي وليس الشعري يتضمن شكلا كبيرا على ما هو ديني إسلامي خصوصا المصادر المقدسة الأخرى كالأحاديث النبوية والأحاديث القدسية تعاملت معهما باعتبارهما كتابين يتوزعان بين المقدس والبشري خصوصا أننا أمام بنيتين إحداهما إلاهية وهي الأحاديث القدسية والأخرى بشرية تنتمي إلى النبي محمد . وإفادتي تأتي بشكل عفوي لا تقصد ولا تعمد فيها وأرى أن العرب والمسلمين بشكل عام إذا أحصينا أو اختبرنا أحاديثهم أو كلامهم العادي يتخذ بنية قرآنية لها مصادرها الدينية والمقدسة . هنا أتعامل مع نص شعري أو نثري ينظر إلى القرآن أو إلى النصوص الإسلامية الأخرى باعتبارها أنها بعد قدسيتها أنها نصوص فيها من اللغة والبناء والتركيب والخيال ما يعجز ، ويجعل الشاعر يدرك باطن هذه النصوص ويتواصل مع دلالاتها . وهناك شعراء عالميون كبار قد نفذوا إلى النص القرآني وأفادوا منه في نصوصهم الشعرية مثل "غوته" في ألمانيا و "بوشكين" في روسيا وكثيرون طبعا ، وعلى الرغم من حسن النوايا التي يبديها شاعر مثلي إزاء النصوص المقدسة فإنني لم أسلم من السهام الطاعنة والفتاوي الجائرة .
هل العشق في الوصايا مناهض لموت الروح ؟
في العشق يصير الإنسان شخصا آخر يقترب من نفسه ويعرف إسمه ويدرك من هو ويحس للوهلة الأولى أنه كائن له قيمة في الحياة بل يكتشف ذاته ولغته الباطنية ويعرف أسراره ويفرح أنه حي تحتفي قدماه لأنه صاد طائر يحلق في سماء روحه ، ولا يجتمع جسدان في حالة حب إلا وكانت الروح هي التي تسير ذلك الحب ، إلا أن نكاح الروح هي التي يعول عليها قبل نكاح الجسد والشوق الذي يسكن باللقاء لا يعول عليه كما قال ابن عربي أي ممارسة عشقية تنطفئ لا تولد عشقا لأن اللقاء يولد اللقاء وهكذا تمتد سماء اللقاءات . وليست هناك مناهضة بين الجسد والروح إلا أن الروح تتذكر العشق عندما يكون عشقا حقيقيا نابعا من ايمان العاشق والمعشوق معا بأنهما خلقا للمحبة ، وأنا أؤمن أن العاشق يولد كل مرة ولادة أخرى مغايرة وجديدة مع كل لقاء في العشق . العاشق يكتشف كينونته في الكتابة التي هي العشق ، ولذا أقول دائما إن الشاعر لا يستطيع كتابة نص عقب ممارسته العشق لأن العشق نص كبير لا يمكن أن تأتي بعده نصوص أخرى خصوصا وأن العاشق يمنح طاقته الروحية وحياته الأخرى وأسراره لمن يعشق.
والشهوة في " الوصايا لعشق النساء " ليست شهوة مباشرة ، صحيح أنها ناغية لكنها تؤول ولها وجوه عديدة وكبقاتها متراكمة طبقة إثر طبقة . وهي شهوة ليست مجردة وليست شهوة كتبت أو منظر لها . هي ديناميكية لأن الشهوة بطبيعتها ليست استاتيكية حتى في كمونها لأن في الكمون براكين تشتعل وتحدد ميقات فيضها وتحركها . صحيح هي لا تعرف أوان البدء ولا تاريخ الوصول . إن ما أردته سميته أنت بشكل صحيح شهوة مع الأعلى ، الأعلى في عوالمه المتخيلة ساء كانت سماء أو روحا والشاعر كان إلاها يوما ما في الحضارات القديمة.