الناقد عبد السلام المسدي
الناقد عبد السلام المسدي
أزمة النقد مرتبطة بمحنة الإبداع..
الناقد عبد السلام المسدي
دار الإعلام العربية
د.عبد السلام المسدي واحدٌ من النقاد القلائل الذين ترسخت أسماؤهم في حركة النقد الأدبي ليس في تونس فقط بل في العالم العربي، فعلى مدار مسيرته الطويلة قدم عطاءً وافراً أسهم في ثراء الحركة النقدية العربية، وهو بالإضافة إلى هذا له إسهامات في العمل السياسي والدبلوماسي والأكاديمي؛ حيث يعمل أستاذ اللسانيات في الجامعة التونسية، كما تولى عدة مناصب سياسية من بينها توليه حقيبة التعليم في تونس.. وأثناء زيارته الأخيرة للقاهرة التقينا المسدي، ودار حوار حول أحدث إبداعاته الكتابية، وعن تحليله للخطاب السياسي الراهن.. فإلى التفاصيل.
كتاباتك تتميز بالتنقل ما بين الرواية والسرد والشعر، خاصة في آخر أعمالك الإبداعية «مرافئ الأشواق» فهل هذا مقصود؟
«مرافئ الأشواق» هي تجربة في الكتابة ليست وليدة اليوم، ولكنها تعود إلى تجارب سابقة؛ فكنت قد أصدرت منذ فترة كتابًا بعنوان «فتنة الكلمات»، وكان هذا نوعًا من الكتابة الإبداعية التي تبحث عن مكان ما بين الشعر والنثر، وكان نوعًا من التجريب في الكتابة الأخرى، ثم كتبت بعدها في نطاق الإبداع أدبًا إبداعيًا في كتاب بعنوان «الأدب العجيب» وصفت فيه أسلوب الترسل، وتخيلت أنني أرسل فيه مجموعة من الرسائل إلى شخص مثقف من نوع خاص يحمل شهادات علمية كثيرة.
ولكنه يظل مرتبطًا بثقافته الأولى بشكل غريب، جاء بعد هذا محاولة لي طرق باب الرواية فنشرت كتابًا إبداعيًا بعنوان «رواية تبحث عن من يكبتها»، رابع هذه التجارب هو «مرافئ الأشواق» وهو نسق من الكتابة يقع ما بين الشعر والسرد.
ما الذي أردت أن توصله للقارئ في «مرافئ الأشواق»؟
حاولت أن أتحدث عن الجانب الآخر من حياة الإنسان، الجانب غير الحسي الذي تتألق فيه الأحاسيس المختلفة من حب أو كره أو انفعال أو توتر، وقصصت هذا في قالب سرد ملخص به «إن كاتب النص يتحدث عن معشوقة يفصل بينها وبينه الزمن فيظل اللقاء الخارجي مضطربًا، أما اللقاء الكامن فهو أبدًا وإلى آخر الدهر مؤجل، فمدار «مرافئ الأشواق» هو هذه اللحظة لحظة العلاقة بين المحبوب ومعشوقته».
بعد «مرافئ الأشواق».. هل لديك إصدارات جديدة؟
في هذه المرحلة لا أفكر سوى في كتابة المذكرات التي اعتبرها بمثابة شهادة الذات على نفسها، وربما أحاول أن استكمل سلسلتي الإبداعية لا عن طريق الخيال، وإنما عن طريق الواقع، وما يحثه الواقع من استشراقات إبداعية.
لك عطاء وافر في مجال النقد.. فهل توجز لنا أزمة النقد الأدبي في عالمنا العربي؟
صحيح هناك أزمة يشهدها الواقع العربي في النقد، وهي أزمة حادة، ولكننا إذا أردنا أن نشرحها ونفكر في مكوناتها يجب علينا أن نعود أولاً إلى أزمة الإبداع في واقعنا العربي، وربما يتعين علينا أن نفكر في هذا المشهد لوجود أزمة تاريخية حادة،.
وهذه الأزمة تتلخص في طموحات المجتمع العربي الذي أصيب بالخيبة والكبت، ورغم مرور 50 عامًا على الإبداع في دولة الاستقلال، إلا أنه في مجال النقد الأدبي هناك ضياع وتشتت بين ارتباط التراث واندفاع الحداثة، هذه الأزمة ازدادت تمكنًا بحكم طفرة المعارف الحديثة وصعوبة الالتحاق بالتطور العالمي، وكذلك تعقدت هذه الأزمة بحكم العلاقة المتوترة بيننا والآخر.
في رأيك.. ما السبل للخروج من هذه الأزمة؟
هناك شرطان أساسيان لتجاوز هذه الأزمة، أولاً الشرط الخاص بالوعي الثقافي، وهذا الوعي مرتبط بالنهضة التعليمية الصحيحة، وبالسياسة العقلانية في كل مجالات حياتنا.
حيث إن الردود الفعلية في عالمنا العربي أقرب إلى الردود الغريزية منها إلى العقلانية، والشرط الثاني وهو خاص بضرورة التطور في بنية المجتمع، وضرورة تطور أسلوب تعمير المجتمع، لأن مجتمعنا العربي مازال محكومًا بالسلطة الاشتراكية، صحيح أن الديمقراطية بمعناها الشامل ليست شيئًا متيسرًا خلال هذه الفترة، ولكننا نتألم لعدم وجود الحد الأدنى من الديمقراطية العامة، وهذا الحد الأدنى يتبلور في حرية التفكير والإبداع والتعبير والنشر وإبداء الرأي حتى يدخل العرب من الباب الكبير.
هل من وجهة نظرك انخراط الناقد في الحراك السياسي والثقافي أثر في تجربته النقدية؟
بالتأكيد هناك تأثر في تجربته الإبداعية النقدية، حيث إن المبدع شاعرًا أو كاتبًا هو المعبر عن هموم الوطن ومجتمعه وآلامه، فإذا زاد القمع في مجتمعه تبدأ حالات التشتت في مجالات الإبداع هذا بجانب غياب الحريات في المجتمع.
وإلى أي حد وصلت حالة التوتر بين الناقد والمبدع؟
السبب في هذا يرجع إلى أن آليات التواصل قد تطورت فأصبح النقد منتشرًا من خلال وسائل النقد الإعلامية والصحفية، وبفضل هذا التطور في أجهزة التواصل أصبح الأدباء يتعجلون المردود النقدي، ويتلهفون إلى الرؤية النقدية بعد كتابة نصهم، وكأن الأديب يريد من الناقد أن يكون على ذمته أي «يلاحقه»، وهنا تبدو نرجسيته الأدبية، وهي نرجسية حميدة..
من ناحية أخرى فالنقد قد تطورت آلياته، ودخل في مرحلة التطور المعرفي، وأصبح الأدباء يشتكون من غموض النقد، لأن الأديب لا يتابع الحركة المعرفية، لكن في الوقت نفسه فإن الأديب لم يتقبل بعد الشروط الحالية المعاصرة، والتي غيرت وظيفة النقد، فالنقد مستويات عديدة، حيث هناك الخطاب النقدي الأكاديمي الذي يتجاوزه الناقد مع زملائه النقاد، وهناك الخطاب النقدي الثقافي الذي يكتبه الناقد للمبدع والقراء العاديين، والناقد الذي يخدم مصلحة المجتمع الثقافي عليه أن يضع مصطلحات واضحة في الخطاب النقدي الثقافي العادي.
كيف تنظر إلى الخطاب السياسي الحالي ومدى تطوره؟
الذي تغير هو التوظيف السياسي للغة، ففي السياسة المتطورة نستعمل أداة من أدوات السياسة، وفي المجتمعات المتطورة هناك ورش لصناعة الخطاب السياسي لأصحاب القرار الدولي قبل إصدار التقارير الصحفية الخاصة بهم، بمعنى أن لديهم من يسألونه ويستعينون به لإعداد الطبخة المناسبة للخطاب السياسي الذي يقال.. معنى هذا أن اللغة أصبحت سلاحًا من بين الأسلحة الأخرى التي يقوم عليها الصراع الدولي، وقضية الخطاب وسلاح اللغة وأهميتها في الخطاب السياسي قضية مازالت غائبة عن وعينا العربي.
وكثير ما نرى أصحاب القرار في وطننا العربي يرتجلون الكلام السياسي دون حبكة مضبوطة ودراسة مسبقة، وأعتقد أنه من الغباء في ظل آليات السياسة الدولية الحالية أن نماطل التعامل مع الخطاب على أساس البراءة اللغوية، ليس هناك كلام بريء وهذا ما لم يفهمه الساسة بعد؛ لأن الصراع الدولي ليس به براءة لغوية، وكذلك في وكالات الأخبار ونشرات الأخبار ليس بها أيضاً براءة لغوية، فاللغة جزء لا يتجزأ من معركة الصراع الدولي وهي أيضاً الجسر الذي يتسلل عليه صاحب القرار ليغزو النفوس من الداخل، ويهيئ الناس إلى قبول قراره.