لقاء مع الأستاذ أحمد الجدع

مقابلة أدبية ثقافية مع الأستاذ القدير أحمد الجدع، رئيس اتحاد الناشرين الأردنيين وصاحب دار الضياء للنشر والتوزيع في عمان.

أجرى اللقاء الشاعر سالم عبد الله بن سلمان

ما إن يتناهى إلى سمعك اسم هذا الأديب الشاعر أحمد الجدع حتى تعود بك الذاكرة إلى رجل له باع طويل في الأدب والإبداع وجهود طيبة في خدمة الأدب الإسلامي وأهله ومحبيه ، بل وله مشاركات فكرية ثرية تجعله باقتدار شاعرًا وأديبًا وكاتبًا فاعلاً في حركة الأدب الإسلامي المعاصر .

فلقد أثرى الحياة الأدبية الإسلامية بخمسة وسبعين كتابا . و يكفيه فخرا أنه أصّل للشعر الإسلامي بمجموعة شعراء الدعوة الإسلامية في عشرة أجزاء و أتبعها بأناشيد الدعوة الإسلامية ودواوين الشعر الإسلامي المعاصر دراسة وتوثيق وأخيرا معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين في ثلاثة أجزاء.

التقى به مندوب مجلة حضرموت في معرض القاهرة الدولي الأربعين للكتاب فكان هذا اللقاء وهذا الحوار.

س1 : من هو أحمد الجدع ؟

ج1 : أنا عربي مسلم ، أعتز بعروبتي وإسلامي ، وأشكر الله الذي خلقني عربيًا مسلمًا .

أنتمي إلى أسرة قيسية قدمت إلى فلسطين من الحجاز في الجزيرة العربية و استوطنت إحدى قرى القدس ، ثم انتقل أحد أجدادي إلى منطقة جنين ، وفي مدينة جنين ولدت عام 1941م ، وفيها درست وتعلمت حتى حصلت على الثانوية العامة ، ثم حصلت على شهادتين جامعيتين في اللغة العربية والتربية وعلم النفس.

س2: ما هي الأشياء التي شكلت عالم أحمد الجدع في مسيرة الحياة  و سيرورة الأدب؟

ج2: هناك عدد من المعلمين في المدرسة و في الجامعة أثروا على توجهي الفكري وتوجهي الأدبي ، كما أن الأحداث التي أعقبت النكبة الأولى في فلسطين وانتشار الأحزاب والأفكار انتشارًا فوضوياً أثر تأثيرًا كبيرًا على مجرى حياتي، وقد انحزت دائما إلى الفكر الإسلامي ، واعتقدت ، و لازلت أعتقد ، أن شقاء هذه الأمة في ابتعادها عن جذورها الإسلامية و أن سعادتها وعزتها ورفعتها في تمسكها بعقيدتها الإسلامية وإحلالها في حياتها حلول الروح في الجسد .

أما عن الأدب وحبي له فهذا غرس زرعه الله في قلبي ،و نماه ورعاه أساتذة أحبوا الأدب ونقلوه إلى من أحبوا من تلاميذهم ، ونميته أنا بإقبالي على القراءة ، و أنا قد استجبت في ذلك للأمر الإلهي في القرآن في الكلمة الأولى : اقرأ.

س3: لماذا الأدب الإسلامي بالذات تتجه إليه كتاباتك و خطراتك وشعرك أيضا ؟

ج3 : منذ اللحظات الأولى للوحي الإلهي للرسول الكريم بدأ التحول العظيم للأمة العربية والإسلامية من بعدها ، وبدأ التحول للأدب من الأدب العربي إلى الأدب الإسلامي ذلك لأن الإسلام منهج حياة ، و الأدب أحد مكونات هذا المنهج ، رافق التحول من منهج الجاهلية إلى منهج الإسلام ، وساهم في نسج الخيوط المتينة لهذا المنهج .

وأحب أن أشير هنا إلى المكانة الراسخة والعميقة للأدب في منهج الإسلام الشامل . ذلك لأن القرآن الكريم اعتمد لغة العرب وبيان العرب في توصيل رسالته ، وكان رسول الله ( ص) أفصح العرب .

لهذا أرى غرابة في هذا السؤال ، ذلك لأن الأمر البديهي :أن يكون أدبنا إسلاميا ، والأمر الشاذ أن لا يكون كذلك ، ونحن في عصرنا نعيش أمورا شاذة في كل شأن من شؤننا ،ونحن نجاهد للخروج من هذا الشذوذ الذي أسميه ظلاما إلى نور الإسلام الذي جعله الله منجاة لنا .

أنا عندما أكتب في الأدب الإسلامي أنسجم مع الحقيقة، ولا أُسال لماذا، إنما يُسأل أولئك الذين رضوا بالخروج عن هذا المنهج السوي إلى المناهج المنحرفة لماذا فعلوا ذلك ؟؟

س4: الأدب الإسلامي أصبح اليوم حركة لها صوتها المتناغم مع حركة الحياة ونكهتها المميزة، هل هذا يكفي، أم ماذا بعد ؟

ج4 : أشرت إلى الفوضى الفكرية التي عاشتها أمتنا نتيجة انتشار الأحزاب وتمكين رجالها من رقاب الأمة ، وتغلغلها في مفاصلها كلها ومنها الأدب ، فكان لا بد أن نجاهد حتى نعيد الأمور إلى جذورها ثم ننطلق .

ومن هنا بدأت ، فألفت الكتاب الأول : شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث ثم انطلقت في التأليف حول الأدب الإسلامي وقدمت في هذا السيبل عددا من الكتب وعشرات من المقالات ، واحمد الله أنني شهدت تحولات العودة إلى الجذور بادية في كل شأن من شؤون أمتنا ومنها الأدب ،وسنرى بمشيئة الله و عما قريب، نضوج هذه العودة .. فقد حان موعد القطاف.

س5: يكثر الحديث اليوم في الحياة الثقافية عن الآخر ( الغرب نموذجا) بحيث أصبح الآخر هماً تشرع له الأقلام ، ما رأيك ؟

ج5: الآخر موجود في حياتنا ورابض فوق صدورنا منذ أكثر من مئة سنة ولم يكن أحد يطالبنا بالحديث عن هذا الآخر ، و عندما بدأت أمتنا بالعودة إلى جذورها الإسلامية و أخذت تعمل لهذه العودة بدأنا نسمع نغمة الآخر ومحاورته ومداراته ومراعاة مصالحه !

أصبح الآخر مدافعا بعد أن كان مهاجما ، وهذا أول الفوز ، وعلينا أن نحذر من خداع هذا العدو الماكر ودعواته المراوغة .

المسلمون يا سيدي هم أهل الحوار وبالتي هي أحسن ، فلا يخدعنك المخادعون عن نفسك ، فهم لا يطالبونك بالحوار إلا عندما يحتاجون إليه .

س6: أنت كتبت كتابا عن الأديب علي أحمد باكثير شاعر من حضرموت ،هل هذا تعريف بباكثير أم هو أكثر من ذلك ؟

ج6: لكل أمة ولكل شعب رجل عبقري تخلده ويخلدها ،ورجل حضرموت بلا منازع – في رأيي – هو علي أحمد باكثير .

أنا كتبت عنه شاعراً، والشعر ليس إبداعه الوحيد، بل هو إلى ذلك مسرحي رائد ،وروائي مبدع، وأهم من ذلك كله أنه يصدر في كل هذه الإبداعات عن تصور إسلامي سليم ، لم يحد عنه حتى مماته .

نعم ، أحببت أن تعرف أمتنا هذه العبقرية الفريدة ، فكتبت عنه شاعراً ، و أنا في هذه السلسة التي أصدرها تحت عنوان : شعراء العرب المعاصرون ، لم أكن أهدف من ورائها سوى الترجمة والتعريف ، وإن لم تخل من نظرات نقديه يلمسها القارئ في أثناء قراءته للكتاب .

س7: لك ديوان شعر " الخروج من جحر الضب " توزعت قصائده بين القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة ، ثم أتبعته ببعض الخواطر النثرية، فهل هذا تقليد ربما تتواصل معه مستقبلا ، أم ماذا ؟

ج7: الأدب الإسلامي شامل ، وذو أفانين ،أهمها الشعر وقد حاول أعداؤنا خلخلة هذا الصرح الشامخ ، ومما حاولوا خلخلته شعرنا العظيم .

الشعر يا سيدي شعر ، ولا يمكن أن يكون النثر شعرا ، وأنا عندما قدمت نماذج عاطفية تنتشر فيها موسيقى داخلية نتيجة استخدام منوعات بلاغية كنت أقدمها تحت عنوان " خواطر منثورة" مؤكدا على أنها نثر .

كان أدباؤنا يقولون :أجمل الشعر ما اقترب من النثر ، وأجمل النثر ما أقترب من الشعر ، ومع تحفظي على بعض ما يوحي إليه هذا القول إلا أنني أوردته حتى يعلم الناس أن الشعر يبقى شعراً حتى لو أقترب من النثر أو أن النثر يبقى نثراً حتى لو اقترب من الشعر، لا بد للشعر من وزن،موسيقى وإلا خرج من نطاق الشعر ، ولهذا تفصيل ليس هنا مجاله .

س8: إذا كانت قصيدة التفعيلة الابن الشرعي للقصيدة العمودية كما يقال ، فهل النص النثري البديع يستحق أن يطلق عليه شعرا؟

ج8: لا، و كما قدمت في السؤال السابق يبقى النثر نثرا ، و لا يعيبه أن يقال له نثر ، و لست أدري لماذا يصر بعضهم على أن يقول للنثر شعرا ، هل هذا اعتراف بتفوق الشعر على النثر ؟ أنا أرى أن الشعر المتفوق هو الذي يستحق الخلود،و أن النثر المتفوق هو الذي يستحق الخلود أيضا ... ما المشكلة هنا ؟ لماذا نصر على خلط الأوراق، لماذا  يصرون على هذه الفوضى ؟ ألم أقل لك إنهم يريدون أن يخلخلوا نسيج الأدب ، ومنه الشعر ؟

س9: كيف أطلت دار الضياء على عالم النشر ؟ ما هي البدايات وما هو الامتداد ؟

ج9: مخاض الميلاد قصته تطول ، أما عام الميلاد فكان عام 1984م في عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية ، فكان لا بد لها أن تهتم بالأدب الإسلامي ، فأنا منشئها وأنا صاحب الدعوة إلى الأدب الإسلامي ، فكان لا بد من هذا التناغم ،و إلا كنت متناقضا مع نفسي .

س 10: بمناسبة انتخابك رئيسا لاتحاد الناشرين الأردنيين، ما هي أهم الأمور التي تواجه الناشر في البلاد العربية عموماً.

ج10: أهم ما يواجه الناشرين عموما هو انصراف الأنظمة العربية عن الإنفاق على الثقافة، وقبض يدها عن الإغداق على الكتاب، فالناشر يجاهد في هذا الجو لكي يبقى في الساحة حتى تنفرج هذه الأزمة ويتابع رسالته.

ومما زاد في أزمة النشر الارتفاع المستمر في أسعار المواد الأولية التي تدخل في صناعة الكتاب وارتفاع تكاليف الكتاب .

ثم إن من أزمة النشر إصرار الدول المنظمة للمعارض على تقاضي أجور مرتفعة لمعارضها، وأنا استغرب استغراباً لا ينتهي لإصرار هؤلاء على فرض أجور لعرض الكتب التي هي زاد المعرفة، بينما ينفقون بإسراف على فعاليات أخرى...وفي الفم ماء !   

هموم النشر في العالم العربي كثيرة وكبيرة ، تحتاج إلى جهود مستمرة للخروج من أزمتها ونحن نستعين بالله أولا ثم بالمتنورين من المسئولين لمساعدتنا للارتقاء بالكتاب الذي هو الوعاء الأول و الأَشمل للثقافة .

وبعد :لحضرموت عندي مكانة خاصة ، إعجابا مني بدورها العميق في نشر الإسلام في أنحاء واسعة من العالم ، فأينما حل الحضرمي كان لسان الإسلام الناطق بسلوكه التجاري الذي اعتمد فيه مبادئ الإسلام في التجارة ، فنشر بسلوكه الإسلام في بلاد لم يكن ليصلها إلا بالسلوك .

تحية لحضرموت الوطن وحضرموت المجلة، وكل المحبة لكليهما.

              

-    أجري اللقاء على هامش معرض القاهرة الدولي الأربعين وذلك بتاريخ 3/2/2008م .

-أجرى اللقاء الشاعر الحضرمي ذائع الصيت : سالم عبد الله بن سلمان ونشر اللقاء في مجلة حضرموت العدد الأول – السنة الأولى – إبريل 2008 الصفحات 29-31 .

-        كتاب " شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث " وكذلك كتاب " أناشيد الدعوة الإسلامية " اشترك في تأليفهما الأستاذ الأديب الداعية حسني أدهم جرار .

-اشترك في تأسيس دار الضياء للنشر والتوزيع عدد من الإخوة الغيورين على الإسلام .