قضايا الترجمة ومفاهيمها الحديثة
قضايا
الترجمة ومفاهيمها الحديثة
بحسب الإختصاصي الكندي جان
دوليل
أجراه:صباح زوين
في المؤتمر الدولي الثالث للغة والترجمة الذي عقد في جامعة القديس يوسف، مدرسة الترجمة بيروت، شارك باحثون من كندا وسويسرا وفرنسا وبلجيكا والمانيا واسبانيا والأردن، وعلى هامش هذا المؤتمر التقينا مدير مدرسة الترجمة في اوتاوا، كندا، جان دوليل وكان هذا الحديث.
كيف نعرّف أكثر بجان
دوليل؟
- أدير معهد الترجمة المكتوبة والترجمة الفورية في جامعة
أوتاوا حيث ادرّس
منذ .1974
شهدت إذن تطور المعهد خلال العقود الثلاثة الماضية، كما أصدرت
نحو خمسة
عشر كتاباً حول بيداغوجية الترجمة وتاريخها فهما حقلا اختصاصي.
الى ذلك احاضر
في مختلف أنحاء العالم ضمن ندوات عالمية، وهذه المرة
الثانية آتي فيها
الى
لبنان بدعوة من مدرسة الترجمة في جامعة القديس يوسف.
*
حول أي
موضوع كانت مداخلتك؟
- تناولتُ موضوعي "كيفية تدريب المترجم" و"مهنية
الترجمة". كما أقمت حلقة
دراسية لبرنامج الدكتوراه ومُدّتها 15 ساعة، وكان جزء
منها حول تاريخ الترجمة
والجزء الآخر حول بيداغوجيتها، وشارك فيها خمسة طلاّب
متحمسين جداً ويناقشون
كثيراً".
*
ما الفرق بين الترجمة البيداغوجية
والترجمة المهنية؟
- طلب إليّ هنري عويس، مدير مدرسة الترجمة في جامعة
القديس يوسف، أن أحاضر حول
هذين الموضوعين لدى بعض مدارس الترجمة في لبنان لكن
في شكل خاص في البلدان
العربية حيث يبدو تعليم الترجمة غير مهيّأ علمياً بعد.
اي ان هذه المدارس في
البلدان العربية لا تملك بعد المفهوم الواضح في حقل
الترجمة كما هي الحال في
أوروبا وأميركا وجامعة القديس يوسف. فتلك المدارس لا
تزال تجهل ما هي مدرسة
الترجمة ومفهومها، وسوى ذلك، إذ تخال أن رسالتها تكمن في
تعليم اللغات...مهنة
حقيقية
*
في حين أن الترجمة موضوع مختلف
تماماً.
- بالتأكيد. طلب إليّ هنري عويس أن أصوّب محاضرتي
الافتتاحية في هذا
الاتجاه، وأن أبرهن
عن أن الترجمة مهنة بذاتها، وقام تفسيري على أربع نقاط
تبرهن عن أن
المترجم مهنيّ رسمي.اولا،
المترجم مهني رسمي من خلال ما
حصّله من تدريب وتعليم جامعيين، ثم خلال
التمييز بين الترجمة "البيداغوجية
- الديداكتية" والترجمة المهنية، ثم اعتراف
بعض الحكومات بأن الترجمة مهنة حقيقية
عبر منحها بعض الالقاب مثل "مترجم فوري
معتمد"، الخ. في كندا مثلا يضحي المترجم
عضواً في جمعية مهنية. في تعبير آخر،
لا يستطيع المترجم أن يصبح عضواً في إحدى
هذه الجمعيات إلاّ إذا كان مترجماً
معتمداً، لكن ذلك لا يعني ان من ليس معتمداً
غير قادر على الترجمة، فهذه المهنة
ليست مغلقة على أصحابها كما في المحاماة أو
الطب أو الهندسة وسواها.
*
وهل وصلت رسالتك واضحة الى الجمهور؟
- اعتقد ذلك. فالمختصر المفيد أن مدرسة الترجمة ليست
مدرسة لغات، حيث يعطون
الطلاب درسين أو ثلاثة في الترجمة في السنة الأخيرة.
والآن عودة الى
سؤالك السابق حول الفرق بين الترجمة البيداغوجية
والترجمة المهنية.
في بحث لي، وجدت
بين هاتين الترجمتين عشر نقاط تشابه، بينما عثرت على
ما يقارب الثلاثين
نقطة اختلاف. استطيع القول اختصاراً إن الاولى هي "وسيلة"
لتعلم اللغة، اي "تمرين"،
كتركيب الجملة وتعلّم المفردات، إلخ، بينما تهدف
الثانية الى
التواصل.
*
لكن ألا يمكن المترجم أياً كان تدريبه أن
يتواصل مع
القارىء؟
- الأمر الأساسي أن الترجمة "الديداكتية" تعمل على نصوص
أدبية، فيما تعمل
الترجمة المهنية على ما اسميه نصوصاً براغماتية، أي
نصوصاً صحافية،
تقنية، إدارية،
علمية. انها مواد تغذي مهنة المترجم، فمعظم المترجمين في الغرب
لا
يترجمون ادباً. تسعون في المئة منهم يترجمون تقارير إدارية وما
شابه، والأقلية،
اي ربما عشرة في المئة يعيشون من ترجماتهم الأدبية،
كالرواية مثلا.اذن
هدف مدارس الترجمة ليس تدريب مترجمين أدبيين في الدرجة الاولى، بل
التركيز
على حاجات السوق وبالتالي إنتاج مهنيين قادرين على مواجهة واقع
السوق. أما
مدارس اللغات التي تُعلم بعض الترجمة فلا تهتم بجعل
المترجم صاحب مهنة، إذ
ليس
ذلك هدفها، في حين تركز المدارس المهنية على تدريب
الطالب لإدخاله سوق
العمل."عدة"
وأدوات
*
لكن ماذا يعني ذلك تحديداً؟
- يعني أن
علينا ان نرسخ في ذهن الطالب هذا الهدف وان نريه ونزوّده أدوات
مهنة الترجمة،
أي "العدة" التي عليه استعمالها في عمله.
*
ماذا في هذه العدة؟
- ثمة "عدة
مكتبية"، وثمة "مساعدات في الترجمة". العدة المكتبية، الكل يعرف ما
هي، أي
ما نسميه "معالجة النص" و"إنترنت"، إلخ. لكن "مساعدات في
الترجمة" تتعلق
بذاكرة الترجمة
كبرنامج "ترادوس" وغيره، وتُستعمل هذه البرامج لدى عمل المترجم
مع زبون
كبير.
*
مثلا؟
- ثمة برامج كثيرة منها "ترادوس" و"مولتي ترانس"
وسواهما. إنها موجودة في
الكومبيوتر. لو كان زبون المترجم مصرفاً، مثلا، فإن
الكومبيوتر يخزن في ذاكرته
ملايين النصوص التي ينتجها هذا المصرف على مدى سنين،
والحصيلة ستكون بالتالي
مليارات المفردات. وحين يتناول المترجم نصاً لاحقاً من
المصرف نفسه، يلجأ الى
الكومبيوتر طالباً منه أن يأتيه بكل ما سبق له أن ترجم
في هذا المجال...
*
كالمفردات.
- المفردات والجمل. وحتى المقاطع! ما
يحصل، أن الكومبيوتر يأتي بالنص المطلوب،
مميزاً بلون مختلف ما سبق أن تُرجم
فيه. في ذلك اقتصاد كبير في الوقت والطاقة،
فضلا عن نقطة إيجابية أخرى هي توحيد
ترجمة المصطلحات، أي أنك تجدين من كتاب الى
آخر المصطلح نفسه. إنه مثل بسيط عن
الادوات التي يستعملها المترجم الذي يستخدم
اليوم الآلات الإملائية لكونها أسرع
إذ يمكن انتاج بين ستة وسبعة آلاف كلمة
يومياً عوض الألفين عندما يقوم المترجم
بطبعها في تأن وبطء. لذا من الافضل
التسجيل الشفهي على شريط يُعطى في ما بعد
لسكرتيرة تتولى الطباعة وإخراج
الصفحة، فهذه ليست مهمة المترجم لأن مهمته
التركيز فقط على الترجمة ولا على
الاملاء والقواعد. وأودّ التذكير هنا أني لا
اتكلم على الإطلاق على نصوص أدبية،
لا تُترجم بهذه الطريقة، بل اشير الى النصوص
البراغماتية. إذن اتكلم عن المترجم
المهني هنا لا على المترجم الأدبي الذي
يترجم صفحتين في اليوم في حين أن الاول
يترجم عشر صفحات أو اكثر. وثمة حالياً
تقنية جديدة تسمح باقتصاد إضافي
والاستغناء عن السكرتيرة من خلال الكومبيوتر
الذي يتعرف الى الصوت فينقل النص
ويكتبه ويعالجه.اختلاف
النصّ
*
لكن اليس على الطالب او المترجم ان يوصل
الرسالة في الحالتين ؟
- في "ديداكتية"
الترجمة يعمل المترجم على جمل او مقاطع منفردة، وعلى نصوص يجهل
اصحابها او يجهل الى من يتوجه. كل ذلك ليس مهماً لأننا
نترجم من أجل اللغة
بذاتها. بينما في حال الترجمة المهنية يجب أن نعرف حتماً صاحب
النص. فالنص الآتي
من النقابة لا يحمل المفهوم عينه الذي يحمله نص آتٍ من مدير ما. المعالجة
تختلف من نص الى آخر، بحسب المرسل اليه ونوعية النص ومتى
كُتب، وهذه ثوابت على
المترجم الالتزام بها. يقوم المترجم بفعل التواصل. أعطيك مثلا
يوضح الفكرة اكثر:
الترجمة "الديداكتية" تشبه قراءة النوطات الموسيقية حيث ندخل الإشارات
على مهل، نرتكب أخطاء، نتمرن، نذهب ونعود بين ثنايا
الشيفرات، أما الترجمة
المهنية فهي مثل أداء قطعة موسيقية في مهارة امام الجمهور. لذا
لا يستطيع المترجم
القيام بهما في الوقت نفسه. إذن على الطالب - تبعاً لما ينبغي أن يكون
الوضع في كل مدرسة ترجمة حقيقية كمدرسة الترجمة في جامعة
القديس يوسف ومدرستنا
في أوتاوا - ان يعرف اللغات جيداً أولا، وهذا شرط أساسيّ لقبوله
فنخضعه لامتحان
في هذا المجال، ثم نقوم بتدريبه على مهنة الترجمة.
*
ما المواد التي
تركّزون عليها في التعليم؟
- نعطي الطالب دروساً توثيقية ليتقن عملية البحث
إذ لا يستطيع المترجم أن يعرف
كل شيء، وهكذا يتعلم كيفية التوثيق السريع في
موضوعات مختلفة. نعطيه كذلك
دروساً في علم الاصطلاحات، فثمة منهج كامل وتقنية
جاهزة للبحث في المصطلح
والتحقق من دقته. ثم نعطيه دروساً تدريبية، في الترجمة
بالطبع، وهي متعددة
الحقل، أي الترجمة الاقتصادية، والقانونية، والطبية، الخ.
في تعبير آخر، ندرّبه
في المجالات الكبرى والواسعة الانتشار كتلك المذكورة
أعلاه، إذ لا يسعنا أن
نمرّن المترجم على سائر الحقول والنشاطات، هذا مستحيل.
نعطيه طريقة عمل، الى
دروس نظرية في الترجمة والمعلوماتية وما يتعلق بهما في
حقل الترجمة. لكن ذلك لا
يعني أنه ليس علينا في السنة الاولى أن نمتن معرفته
اللغوية. فالشباب اليوم
قليلا ما يكتبون، لذا علينا أن نقوّي المنحى المكتوب في
اللغة فتغدو الكتابة
لغة متناسقة ومنطقية والمفردات اكثر تنوعاً وثراء،
الخ.
* أعلم أن في مدرسة الترجمة في بيروت كما
في سويسرا، عدد الطالبات طاغ. ماذا عن
اوتاوا؟
- مدرستنا في اوتاوا، كذلك معظم طلابها إناث. انها مهنة
أنثوية! مع ذلك استطيع القول إن نسبة
الشبان لدينا اكبر من التي هنا. يشكلون تقريباً 15 في المئة
من عدد الطلاب.
* هل من مدارس اخرى جيدة في كيبيك
غير مدرسة أوتاوا؟
- جامعة مونريال وجامعة لافال. هذه الثلاث هي
الأهم.
* ليس في أوكام Uqam؟
- كلا. لكن في جامعة ماكغيل كما جامعة
كونكورديا ثمة فقط برنامج ما. هناك ايضاً مدرسة في تورونتو
ووينيبيغ. أودّ لو تصبح للترجمة في كل مكان مدارس مستقلة.
أعني أن يكفوا في معظم جامعات العالم عن
إلحاق مادة الترجمة بقسم الاداب مثلا او قسم الألسنية. هذا
يسيء جداً الى صورة مهنة الترجمة. فهل نرى مثلا برنامج
حقوق ملحقاً ببرنامج تاريخ، أو برنامج
رياضيات ملحقاً ببرنامج العلوم البيولوجية؟!