مصطلح "استخلاص السمات" مع نصوص أقاصيص القرآن والحديث وقصصهما القصيرة، لا "النقد"

 (1)

تنقسم النصوص اللغوية والأدبية والقانونية والسياسية قبالة من يتعامل معها من لغويين ونقاد وشراح ومحللين إلى قسمين هما: نصوص قوية، وأخرى ضعيفة.

ويختلف فعل المتعامل مع النص حسب نوعه فاللغوي لا يملك قبالة النص القوي من قرآن وحديث وشعر احتجاج إلا التخريج، لكنه يملك مع نصوص الصحافة حق التعديل والتغيير، وكذلك الناقد لا يملك قبالة نصوص كبار الأدباء إلا التحليل من دون اقتراح بدائل تعبيرية لكنه يملك مع نصوص المبتدئين سلطة التعديل والتغيير، وكذلك القانوني وكذلك السياسي- إذا كان السياق سياق مراجعة لا سياق تحقيق.

وهنا نحن مع نصوص أقاصيص القرآن والحديث وقصصهما القصيرة لا نملك استخدام مصطلح "النقد" الذي يجري مع نصوص الأدب من البشر مهما فسرناه ونزلناه على أحسن تفسيراته.

إذن: ما المصطلح البديل؟

إنه مصطلح استخلاص السمات.

لماذا؟

لأن من يرغب في الوقوف قبالة القص القرآني وقوف تحليل يستخلص السمات اللغوية وطريقة بناء الحديث، وأثر الألفاظ في أداء المعنى، و... إلخ. وكلها أمور لا تحتمل كلمة النقد التي تقتضي بيان الجيد والرديء في الشيء؛ لأن القرآن وقصصه والحديث الشريف وقصصه نموذج يُحتذى وقدوة تُتبع، ومن لا يعامله كذلك يهوي في مهاو.

كيف؟

(2)

سأنقل من كتاب "بين منهجين" للشيخ أبي عمر محمود بن عمر الأثري، طبعة دار إشبيلية للنشر والتوزيع- فقرات من ص 11 إلى ص 14 توضح ما يحدث عندما لا يلتزم الإنسان مع قصص القرآن بما ينبغي.

قال الشيخ تحت عنوان "سنن إهلاك الكافرين" بعد مقدمة الفقرة: "وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المعالجات النفسية للمستضعفين في غير موطن، ومنها قوله عن لوط عليه السلام لحظة استعلاء فجور قومه عليه ومراودتهم لضيوفه: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 77 - 81]".

أخذ يسير مع الآيات حتى وصل إلى قوله تعالى: {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ} ص ص 13-14 فقال: "أي نحن ملائكة العذاب. يا ألله! جاء الفرج، جاء الفرج!"

ثم يتابع وهنا مكمن الشاهد الذي تسبب في إيرادي هذه المقتطفات قائلا ص14 للقارئ وأظنه متأثرا بالأستاذ سيد قطب: "وهنا املأ مخيلتك بمشهد لوط عليه السلام، تخيل ماذا قال؟ وتخيل ماذا فعل بهم؟ نعم، في البداية جحظت عيناه من هول المفاجأة ولم يصدق ما سمع، لكنه جزما رأى ابتسامة على وجه الملك ردت إليه روح الأمل فصرخ: ماذا؟ ملائكة الله؟ ملائكة العذاب؟ هيا عذبوهم، اقتلوهم، أروني بهم ما يسر نفسي ويفرح قلبي! أرجوكم الآن؛ لأشفي قلبي منهم! لكن الجواب {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} هذا جوابهم. قال لوط: ماذا؟ الصبح! الصبح بعيد! وكان الوقت عصرا –كما قال بعض أهل التفسير- أريد أن أشفي قلبي منهم الآن!".

(3)

هكذا يحاول الشيخ أن يجسد المعنوي لرسول من رسل الله تعالى بصورة سينمائية لا تليق بنبي.

هذه الرغبة التي لا تندرج تحت النقد الأدبي أدت إلى هذا، فما بالنا إذا حاول البعض أن يتناول هذه القصة بمصطلحات النقد القصصي؟

إن مجمع البحوث الإسلامية مع هيئات إسلامية أخرى تحرم تشخيص الصحابة لا سيما العشرة المبشرين بالجنة، ويحرم تشخيص الأنبياء من باب أولى، وقد ثار الكثيرون عندما عرض مسلسل تلفزيوني يظهر سيدنا يعقوب وسيدنا يوسف.

والسؤال الذي تنتجه الفقرة السابقة: ألم يشخص الشيخ سيدنا لوطا بهذا الوصف؟ ما الفرق بين هذه الكلمات وبين ممثل يظهر في مسلسل فيؤدي هذه العلامات الجسدية المعبرة عن تلك الحالة النفسية التي لا تليق بنبي؟

لقد وقع في المحظور وهو لا يريد النقد، إنما يريد إكمال المساحات التي رأى القرآن سكت عنها ليحمل إلى قارئ كلماته شحنة نفسية تربطه بالقصة التي سماها مشهدا، إكمال مساحات فقط وحدث هذا، فماذا لو أراد النقد؟

(4)

إن هذا المثال من شيخ غير مرتبط بالنقد، إنما كان يعبر لأداء غرض ما فوقع فيما وقع فيه- لَيُحذِّرُ من كان له في النقد الأدبي أن يحاول تناول قصص القرآن وقصص الحديث الشريف بمصطلحات النقد التي تجعل الناقد متخيلا حالة الكاتب ومقترحا البدائل و... إلخ.

لماذا؟

لأنه سيكتب وإحساس القوة يعتريه فيجعل نصوص القرآن والسنة تلائم حديثه لا أن حديثه هو الذي ينبغي أن يراعيهما، ومن يقرأ النوع الرابع والثلاثين في كتاب "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي فصل في الاقتباس وما جرى مجراه يجد ضوابط وضع نصوص القرآن في ثنايا الإنشاء؛ مما يجعل المرء يستشعر خطورة السير نحو الأكبر والأعظم وهو النقد بمقاييس النصوص الأخرى.

وسوم: العدد 757