الانقلاب الانفصالي في عدن!
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
♦ استمرأ الرئيس المقتول علي عبدالله صالح إدارة اليمن بالأزمات طيلة عقود حكمه الثلاثة، وهي ما كان يسميها بسياسة التوازنات، وتحت هذا العنوان صنع مشكلات مزمنة لليمنيين، وورّث قنابل موقوتة للوطن، وما برح يفجرها في وجه ثوار فبراير وما نجم عن هذه الثورة من حكومة توافق وطني!
♦ ولا شكّ أن أخطر هذه القنابل هي القنبلة الطائفية التي يمثلها الحوثيون في شمال اليمن، والقنبلة المناطقية التي يمثلها الحراك الانفصالي في جنوب اليمن، بجانب قنبلة التطرف والإرهاب القاعدي، وبالمناسبة كنت قد كتبت عن هذا الثالوث المُريع قبل سنوات طويلة أثناء حكم صالح، وحذّرت من أن هذا الثالوث سيصير مثلّث برمودا الذي يبتلع الوطن إن لم يتدارك العقلاء الأمر .
♦ ولا شكّ أن طائفية الحركة الحوثية ومناطقية الحراك الجنوبي في الأصل وليدتا الأوضاع اليمنية التي تميزت بالتخلف وامتلأت بالظلم، حيث تضررت السلالة الهاشمية التي ينتمي إليها الحوثيون، بعد أن حكمت الشمال قروناً من الزمن، حيث انتزعت ثورة 26 سبتمبر 1962 منها السلطة، وتضرر الاشتراكيون بعد اتحاد الجنوب مع الشمال في 22 مايو 1990وبعد انتخابات 1994 التي اكتسح فيها المؤتمر الشعبي التابع لصالح الانتخابات بالحق والباطل مقاعد البرلمان، على حساب شريكه في الوحدة والسلطة، وهو الحزب الاشتراكي الذي ظل يقدم نفسه كممثل للجنوبيين، مما قاده إلى محاولة الانفصال بعد فشله في الانتخابات وبعد أن تصاعدت وتيرة الاغتيالات ضد كوادره!
♦ واندلعت بالفعل حرب بين سلطة صالح وبقايا سلطة الحزب الاشتراكي الذي كان ما زال اللاعب الأساسي في الجنوب، لكن الحرب انتهت بعد حوالي شهرين بدخول قوات صالح لمدينة عدن في 7 يوليو 1994، وبعدها اتخذ صالح قرارات صارمة بحق من ساهموا في اتخاذ قرار الانفصال والحرب، وما فتئت هذه الإجراءات تتسع لتشمل عشرات الآلاف من كوادر هذه الاشتراكي، ولأن أكثر كوادره من الجنوب فقد اعتبر الجنوبيون هذه الإجراءات موجهة ضد الجنوب، ومن يومها بدأت همسات الانفصال، ومع ازدياد المظالم وتدخل قوى خارجية في إشعال فتيل الفتنة، ارتفعت أصوات الانفصال واتسعت دائرة المُتبنّين لها، حتى استحالت التحركات العفوية المتفرقة إلى حركات منظمة، ثم توحدت عدد من الفصائل تحت مسمى الحراك الجنوبي!
♦ ودخلت إيران على خط الحراك الجنوبي، عبر زعيم أقوى فصائل الحراك الذي يتزعمه علي سالم البيض الذي كان قائد الجنوب قبل الوحدة ونائب رئيس الجمهورية اليمنية بعد الوحدة حتى حرب الانفصال، حيث احتضنت علي سالم البيض في بيروت وأسست له قناة فضائية تسمى عدن، ودعمت حراكه بكل أنواع الدعم المادي والمعنوي، وسافر كثير من كوادره لأخذ دورات في إيران ولبنان وسوريا، ومدّت جسور التواصل مع الحوثيين في صعدة التي صارت مزارا لكثير من قادة الانفصال!
♦ومع كرّ الليالي وفرّ الأيام، ما فتئ كثير من الجنوبيين يعتقدون بأن حل كافة مشاكلهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية يكمن في انفصالهم عن الشمال، بحكم أن عددهم قليل وأراضيهم أوسع من الشمال، بجانب أن جزءً مقدرا من الثروة النفطية يتركز في حضرموت وشبوة الجنوبيتين، وشاعت أقاويل عن إمكانية انضمامهم إلى مجلس التعاون الخليجي إن تم انفصالهم وعادوا إلى حدود ما قبل 1990، ويبدو أن قوى خليجية قد منّتهم بذلك، لأنه ليس من مصلحتها قصيرة النظر أن تبقى اليمن موحدة، وفقاً للمبدأ العربي الذي تنتهجه كثير من الأنظمة المعاصرة والذي يقول: إذا أردتَ أن تبدو عملاقاً فضَعْ بجانبك مجموعة من الأقزام!
♦ ومنذ بضعة سنوات تبنت الإمارات ذات الحراك المدعوم من إيران، ولا سيما بعد الانقلاب الحوثي الذي اجتاح محافظات الشمال بسرعة كبيرة بفضل دعم إقليمي ودولي واسع النطاق، مما يؤكد وجود تعاون وثيق على الأرض بين إيران والإمارات، غير أن الحوثيين أخذهم الغرور فتجاوزوا التفاهمات الإيرانية الخليجية باجتيازهم للحدود الجنوبية واجتياح العاصمة عدن رغم التحذيرات السعودية، وزاد الغرور الحوثي إلى حدّ إجراء مناورات عسكرية على الحدود السعودية، والتهديد باجتياح المملكة وتمنية أعضاء الحركة ومناصريها بالحج بأسلحتهم إلى مكة المكرمة في موسم الحج القادم!
♦ ولم يكن للسعوديين من خيار غير تقليم أظافر الحوثيين الذين تنكروا للاتفاقات التي أعلنها حسن نصر الله في أول خطاب له بعد اندلاع عاصفة الحزم، وقد اندلعت عاصفة الحزم تحت قيادة التحالف العربي، وانخرط بعض الحراكيين في المقاومة ضد الحوثيين في الجنوب، بجانب المقاومة الإسلامية بشقيها السلفي والإصلاحي، وهنا لَمَع نجم عيدروس الزبيدي الذي كان قياديا في حراك علي سالم البيض، وكان قد زار إيران ولبنان، حيث تولى قيادة المقاومة في محافظة الضالع، وكانت أول محافظة تتحرر بعد تدخل القوات البريّة للتحالف في الجنوب مما رفع من أسهمه وسط مختلف فصائل الحراك الجنوبي!
♦ ويبدو أن السعودية أطلقت العنان للإمارات في الجنوب راضيةً أو مكرهة، وبعد التدخل البري الذي تُوِّج بالنصر على الحوثيين وطردهم من معظم أراضي الجنوب، اتضح بأن الإمارات في عجلة من أمرها، حيث عملت بشكل حثيث في عملية استثمار مشاعر الكراهية الجنوبية ضد الشماليين، بتوسيعها وتنظيمها ودعمها حتى تقود إلى فصل الجنوب عن الشمال، حيث دعمت التيارات الانفصالية، وقامت بإقصاء التيارات الوحدوية ولا سيما الإسلامية، وتعرّض أئمة المساجد الوحدويون للإبعاد من مساجدهم، وتطور الأمر إلى عمليات اغتيال منظمة طالت العشرات منهم، وتشير كل أصابع الاتهام إلى الحراك الانفصالي بالتعاون مع المخابرات الاماراتية، وقد اتهم بيان صدر من أحد الفصائل السلفية المخابرات الاماراتية بشكل صريح قبل أيام قليلة!!
♦ ومع الأيام أصبح الحراك الانفصالي سلطة أمر واقع، بفعل الدعم الإماراتي اللا محدود، وكوّنت الإمارات جيشاً موازيا للجيش الشرعي تحت مسمى الحزام الأمني في عدن، والنخبة الحضرمية في حضرموت والنخبة الشبوانية في شبوة، وهما المحافظتان اللتان تملكان مخزونات النفط والغاز، بجانب أن عدن هي الميناء الرئيسي والعاصمة الاقتصادية، وأطلقت يد هذه المليشيات لتحقيق الأجندة الانفصالية تحت راية التحالف العربي، وأجبرت الرئيس هادي على البقاء في السعودية ومنعت سفن الدعم من دخول ميناء عدن، وحالت دون وصول طائرة الأموال المطبوعة من النزول في مطار عدن، وعندما أصر هادي على المجيئ إلى عدن كادت أن تسقط طائرته لولا تدخل السعودية وعودته من حيث أتى بعد جولة خاطفة!
♦ وفي السنة الماضية اتخذ رئيس الحكومة د. أحمد عبيد بن دغر قرارت جريئة لتثبيت الشرعية في عدن، وعاد إلى عدن رغم تعرضه لمضايقات القوات الإماراتية والحزام الأمني، والتي وصلت إلى حد محاولة الاغتيال، وأبعد الرئيس هادي صقور الحراك الانفصالي من مناصبهم الحكومية وعلى رأسهم زعيم الحراك الجديد عيدروس الزبيدي الذي كان قد عيّنه محافظا لعدن، وظل يُسخر كل إمكانيات الشرعية لنخرها من الداخل!
♦ وعندما أزيح عيدروس الزبيدي من محافظة عدن، أظهر ما بقي معه من أوراق انفصالية مخفية، وأسس ما سماه بالمجلس الانتقالي، الذي حضّره لاستلام السلطة بعد إسقاط السلطة الشرعية على الطريقة الحوثية في صنعاء، وبدأت كوادره بتطبيق الانفصال على الأرض، من خلال السيطرة على مراكز الدخل المالي وفي مقدمتها الميناء، والقيام بحملات اعتقال وتعذيب وطرد ضد المواطنين الشماليين في عدن، بجانب أمور عديدة لا يتسع المقام لذكرها، وظل كل ذلك يتم بدعم إماراتي غير محدود وغير مستتر، ولا يكاد يمر أسبوع دون أن يسافر بعض قادة الحراك الانفصالي ومجلسه الانتقالي إلى أبو ظبي!!
♦ وفي الشهر الأخير اتخذ رئيس الحكومة الشرعية إجراءات عديدة ساهمت في رفع أسهم الشرعية، فارتفعت الأصوات ضده داعية إلى إبعاده أو قتله، وكانت آخر هذه الإجراءات منع حملات الاعتقال للشماليين في عدن، وجلب الوديعة السعودية للبنك المركزي مما منع سيناريو سقوط الشرعية الذي كان ينتظره الانفصاليون في عدن والانقلابيون في صنعاء، بجانب الإصرار على تحرير تعز ومدها بالسلاح والمال من أجل تحقيق هذه الغاية!
♦ هذه النجاحات التي حققها رئيس الحكومة أصابت المجلس الانتقالي الانفصالي بالهستيريا ولا سيما بعد إعلان العزم على رفع الحصار كلياً عن تعز، فأعلن قبل أيام مطالبته لرئيس الجمهورية بعزل بن دغر وأعطاه مهلة لمدة أسبوع، بتهمة الفساد وهي ذات التهمة التي وجهها الحوثيون لحكومة باسندوة قبل الانقضاض على السلطة في صنعاء، وهي من أشرف الحكومات التي عرفتها اليمن، وحينذاك استجاب الرئيس هادي لمطالب الحوثيين، لكنه وعى الدرس هذه المرة كما يبدو، ولذلك فقد وجّه ألوية الحراسة الرئاسية بالوقوف بقوة مع رئيس الحكومة!
♦ وبالطبع فقد انتهت المهلة اليوم، وانطلق الحزام الانفصالي بمحاولة للانقلاب على السلطة بأسلحة إماراتية متطورة، وبأموال وغطاء إماراتي كامل رغم أنها مع السعودية ضمن ما يسمى بالتحالف العربي!!
وسوم: العدد 757