ما الذي جعل الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة يؤلف كتابا عن الجماعات الإسلامية

ما الذي جعل الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة يؤلف كتابا عن الجماعات الإسلامية وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين في هذا الظرف بالذات؟

صرحت بعض المواقع الإعلامية  أن الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة اغتنم فرصة تنظيم المعرض الدولي للكتاب بمدينة الدار البيضاء ليعرض كتابا ألفه تحت عنوان " تحولات الجماعات الإسلامية  التنظيم العالمي للإخوان المسلمين أنموذجا" . والمعروف عن هذا الرجل أن مستواه الدراسي  لما يتجاوز المرحلة الإعدادية ، ومع ذلك لا يتحرج من طرق مواضيع  قضايا  فكرية تتطلب التكوين الأكاديمي العالي . و معلوم أن ما ألف من كتب عن جماعة الإخوان المسلمين سواء من طرف مؤيديه أو من طرف خصومهم لا يشجع أصحاب القدم الراسخة في التأليف على الكتابة عنهم بله شخص في مستوى دراسي  جد متواضع . والكاتب النحرير لا يسعه إلا ترديد مقولة الشاعر " هل غادر الشعراء " حين يتعلق الأمر بالكتابة عن جماعة أو تنظيم عالمي رجاله من كبار العلماء والمفكرين ، وفيهم من فاقت مؤلفاته المئات ، وقد استغرق تأليفها  من الزمن ما يفوق عمر الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة الذي لم يتهيب الكتابة عنهم  وكتابه أثيرت ضجة حوله فيما يتعلق بنسبته إليه، ذلك أن من قام بتصحيحه خرج إعلاميا بتصريح ينفي فيه أن الكتاب من بنات أفكاره ، وأنه إنما قام ، ولا ندري ما حجم هذا التصحيح ، و لا ما طبيعته ؟ وهل هو تصحيح مضمون أم تصحيح شكل أم هما معا ؟

ولا حاجة لعرض مضمون هذا المؤلف ، وقد عرضته بعض المواقع الإعلامية وكفت القراء مشقة قراءته ،ووفرت عليهم ثمنه ،ووقت تصفحه لسبب بسيط هو شهرة جماعة الإخوان المسلمين الذين تولوا بأنفسهم التعريف بفكرهم ، وما ألفوه يغني عما سواه ، ولا توجد شهادة أوثق من شاهد الأهل كما يقال . والذي نريد الإشارة إليه  في هذا المقال هو: ما الذي جعل صاحب هذا الكتاب ينشره في هذا الظرف بالذات ؟ فمن المعلوم أن الظرف هو ظرف  ما بعد ثورات وحراكات الربيع العربي الذي أفرز من ضمن ما أفرز من الظواهر وصول أحزاب ذات مرجعية إسلامية إلى مراكز القرار ، والتي راهنت عليها الشعوب  العربية المنتفضة على الفساد  في بلدانها  بعدما بلغ منها اليأس مبلغه ، وهي تجرب أحزاب اليمين واليسار دون أن تنال مبتغاها . ومعلوم أن الأحزاب ذات التوجه الإسلامي  تمت مواجهتها بما سمي ثورات مضادة ، وهي ثورات من صنع جهات دولية وإقليمية داعمة  للأنظمة التي استهدفتها ثورات وحراكات الربيع العربي ، وقد أخذت هذه الثورات المضادة إما شكل انقلاب عسكري على الشرعية والديمقراطية كما حدث في مصر ، أو شكل انقلابات انتخابية غيّرت من نتائج الانتخابات التي أفرزت تميز تلك الأحزاب عن غيرها ، والتي أرغمت على الدخول في صفقات لاقتسام  السلطة  كما هو الشأن في تونس والمغرب . أما الأقطار العربية التي لم تصل مرحلة اللعبة الانتخابية، فلا زالت لم تبارح حراكاتها التي تحولت  إلى حروب طائفية دامية أتت على أخضرها ويابسها وأهلكت خضراءها  . ومعلوم أن حزب الأصالة والمعاصرة الذي نشأ في حضن وزارة الداخلية  تحت مسمى " حركة كل الديمقراطيين " في بداية الأمر ،وأعلن عنه بعد ذلك  سنة 2009 ونسب له  فوز كبيرفي الانتخابات الجماعية  قيل عنه ما قيل إنما ولد بتلك السرعة كرد فعل على تنامي نفوذ حزب العدالة والتنمية . ولم يخرج تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة عن القاعدة التي كانت تؤسس على أساسها ما يسمى بأحزاب النظام أو أحزاب  المخزن لخلق توازن سياسي كلما استقوى طيف سياسي معارض . ولقد حاول حزب الأصالة والمعاصرة أن يطعم صفوفه ببعض أتباع أحزاب أخرى بما فيها المعارضة حتى يموه على تهمة لعب دور حزب مخزني . وتهافت عليه من بعض الأحزاب متهافتون من ذوي المصالح والطموح  الضمني والصريح ، ذلك أن كل  تعثر حظه في حزبه التمس حظا في هذا الحزب صاحب المخزن  أو حزب الدولة العميقة كما يقال .

وفي غمرة الحملة الغربية والإقليمية المستعرة  ضد ما يسمى بالإسلام السياسي، والذي يقصد به تحديدا إسلام جماعة الإخوان المسلمين ، تفكيرا أو تنظيما ،جاء كتاب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة كحلقة من حلقات تصفية الحساب  في الساحة السياسية المغربية مع غريمه حزب العدالة والتنمية المحسوب على فكر جماعة الإخوان المسلمين  حسب قناعته أو ادعائه بعبارة أدق لأنه لا وجود لصلة بين هذا الحزب وتلك الجماعة سوى اعتماد كل منهما المرجعية الإسلامية ولكن بطريقتين  أو بأسلوبين  مختلفين تماما، وأهل الخبرة على علم ودراية بذلك.ولا يدخر الغرب ومن يطبق أجندته في الوطن العربي  جهدا في إقصاء كل حزب ذي مرجعية إسلامية من خوض  غمار مجال السياسة الذي يجب أن يبقى حكرا على  من يدين بالولاء لهذا الغرب ، وهو الذي يريد بسط هيمنته  على  عموم الوطن العربي ، وقد أسلست له  القياد غالبية الأنظمة . ولقد كشف اعتراف الرئيس الأمريكي  للكيان الصهيوني بالسيادة  على مدينة القدس أن ما يسمى صفقة القرن كانت هي السبب وراء إضمار العداء للمرجعية الإسلامية التي تعارض بشدة الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين .  ومعلوم أن الذي جعل حركة الإخوان المسلمين ترمى بتهمة الإسلام السياسي وبالتنظير للإرهاب مع أنها لم تتبن العنف خلال تاريخها هو رفضها لصفقة القرن وما يشبهها من صفقات مما يطبع مع الكيان الصهيوني. ولهذا كثرت  اليوم الجبهات التي تعادي التوجه الإسلامي ، وكثر منتقدوه ، وكثرت المنابر الإعلامية  التي تستهدفه تصريحا لا تلميحا . ولا يخرج مؤلف الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عن هذا التوجه ، وقد سنحت لصاحبه الفرصة لخوض نزال آخر مع قيادة  حزب المصباح في الوقت الذي بدأ الحديث يدور عن نوع من فتور علاقة هذا الأخير بالمؤسسة الملكية ، وعن خيبة أمل الشعب فيه ، والذي راهن عليه  للخروج من نفق الفساد المظلم وقد زاد هذا الأخير حلكة . وإذا صح أن تعوي الذئاب لوجه الله تعالى  كما يقال ، أمكننا التصديق بأن الأمين العام لحزب الجرار قد ألف كتابه لغاية علمية وليس لحاجة في نفسه قد بدت وإن حاول إخفاءها وما هي بالتي تخفى.

وسوم: العدد 760