اعرفوهم قبل أن تؤازروهم .. فلن تعذركم الشعوب بالغفلة، حين تباركون لجلاّديها، سفك دمائها!

 1) حين لزم توفيق الحكيم الصمت ، في عهد عبد الناصر ..! زعم أنه وأمثاله ، كانوا فاقدي الوعي ، فلم يكونوا يرون ، إلاّ ما يعرَض عليهم في وسائل الإعلام الرسمية ، من إنجازات عظيمة..!

وحين مات عبد الناصر، وصار الكلام عليه مباحاً، في عهد خلفه السادات ، استردّ الحكيم وأمثاله وعيَهم ..! فسجّل الحكيم فرحته ، بعودة وعيه ، في كتاب سمّاه (عودة الوعي)!

 كان لابدّ للحكيم ، أن يدفع للدكتاتورية ثمناً ، من كيانه :

 - إمّا أن يدفعه من بدنه ـ سجناً.. أو قتلاً ـ (إذا تكلّم..)!

 - وإمّا أن يدفعه من سمعته أو أخلاقه : تحمّل صفة الجبن (إذا صمَت)!

 - وإمّا أن يدفعه من مداركه العقلية: أن ينسِب إلى نفسه صفة الغفلة ( أو فقدان الوعي)، ويجعلها سبباً لصمته ، إزاء ما كان يجري ، من ظلم بشع على الناس ، من قِبل قادة الثورة الميامين!

 - ولقد اختار الحكيم ، أن يدفع الثمن من هذا الجزء الأخير ، من كيانه البشري ،لأنه وجدَ الدفع منه ، أخفّ الأضرار عليه :على بدنه الذي لا يَحتمل الأذى ، وعلى رجولته، التي يصعب عليها تحمّل صفة الجبن..! أمّا المدارك العقلية ، فأمرها هو الأسهل، حسبما توقّع الحكيم.. لأنها مغلّفة بالغموض عامّة .. ولا سيّما في أوساط الشعب المصري الطيب البريء!

 2) كان هذا في سبعينات القرن الماضي، يوم لم تكن السماء قد ملئت بالفضائيات، ولم تكن شبكة الأنترنت ، قد غطّت الكرة الأرضية ، ودخلت كل بيت..!

وربما صدّق بعض (الأبرياء!) توفيق الحكيم ، يوم قدّم عذرَه ذاك (غيابه عن الوعي!) وهو مَن هو، قوّةَ وعي، وحسنَ تقدير، وفهماً وإدراكاً..! لأنهم لم يستطيعوا ، أن يدركوا ما معنى أن يَتّهم رجل مثل الحكيم ، نفسَه ، بقلّة الوعي.. أو غياب الوعي ..!

 3) فكَم مِن الناس ، اليوم ، مَن يستطيع أن يصدّق الهتّافين والمصفّقين ، الذين يتهافتون على قصور الطغاة ـ طائعين مختارين..غيرَ مهدّدين بقطع عنق أو رزق ـ ليباركوا لهم جَزر شعوبهم وتدمير أوطانهم ، تحت لافتات برّاقة من القومية، والوطنية، والصمود، والتصدّي، والتحرير.. ! ثم ليعتذروا بعدئذ ـ أي الهتّافون والمصفّقون ـ بأنهم كانوا مغفّلين، أو فاقدي الوعي ، أو قليلي الفهم ، أو عديمي الحسّ والإدراك..!؟

 4) وأيّ لقب ، أو مكانة علمية، أو مهنية، أو بدلة أنيقة، أو عمامة، أو مركز اجتماعي .. يشفع لصاحبه، حين تدور الدائرة على (صَنمه) الطاغية، فيفتضَح أمره، وتَنكشف جرائمه، وخياناته الوطنية، وهوانه، وارتماؤه في أحضان القوى الأجنبية التي يتاجر بشتمها ليلاً نهاراً، ليَخدع السذّج والبلَهاء والحمقى من أبناء أمّته ، وليكسب ثقتهم، وهتافهم، وتصفيقهم.. وليظلّ جاثماً على صدر شعبه، يَنحره بشراسة ولؤم، ويسرق لقمة عيشه بخسّة ونذالة..!؟

 5) كلا والله ..ما عدنا نتحمل بطش الجزارين، وما عادت أيّة لافتة يرفعونها ، تَحجب عن عيوننا وعقولنا ، صفاتهم الحقيقية ؛ وهي أنهم أوغاد مجرمون..! وما عادت الحجج التي يحتجّ بها الهتّافون والمصفّقون ، تقنعنا بأنهم معذورون ؛ لأنهم يَصفون أنفسهم بأنهم : حمقى وأغبياء ومغفلون ، ليغطّوا على صفاتهم الحقيقية، وهي أنهم مرتزقة مجرمون ، مشاركون في ذبح الشعوب وتدمير الأوطان.. وعليهم تحمّل أوزار جرائمهم كاملة، مع سادتهم الطغاة الأصنام، الذين يسبّحون بحمدهم، ويزيّنون للناس جرائمهم ومخازيهم ، الواضحة وضوح الشمس ،لا تحتاج إلى دليل أو برهان..!

 6) فليَعرف كل من هؤلاء المجرمين (الهتّافين والمصفّقين..) نصيبَه من المسؤولية عن ذبح هذه الأمة.. ليعرف ـ بالتالي ـ نصيبه من العقاب ، الذي سيناله على أيدي الشعوب المذبوحة ، في الدنيا..! وليعرف ـ إن كان ممّن يؤمنون بالآخرة ـ أن ضحاياه الذين شارك الطغاةَ في قتلهم، سيطالبونه بدمائهم بين يدي العزيز الجبّار..!

وسوم: العدد 760