الفساد في إيران : كرة نار يتقاذفها أزلام نظام الولي الفقيه
قرر الرئيس الإيراني السابق (محمود أحمدي نجاد) فجأة ودون سابق إنذار العودة إلى الحلبة السياسية عبر بوابة الهجوم على مؤسسات النظام، والتهديد بفتح ملفات الفساد التي تدين شخصيات ونخب قريبة من خامنئي مباشرة، ما أدخل إيران في أجواء الشحن والاتهام المتبادل، إلى درجة تلويح نجاد بالكشف عن أسرار خطيرة وغير مسبوقة لفضح ما يجري في داخل النظام، مما حدا بالسلطة القضائية الحديث عن إجراءات عقابية قد تصل للحجر على نجاد بتهمة "السفه والجنون" وفقدان الأهلية الصحة العقلية "، واحتمالية تحويله إلى الطب الشرعي للكشف عليه إذا لزم الأمر"، كل ذلك تحت عنوان محاولته إشعال "فتنة جديدة" في إيران .
أطراف المواجهة تركزت بين نجاد، ورئيس السلطة القضائية صادق أمُلي لاريجاني شقيق رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني متوعداً بنشر وثائق تدين رئيس السلطة القضائية بتهمة الفساد وتلقي الرشوة، إلى جانب الكشف عن ملفات تثبت تورط كبار قادة النظام بالفساد.
حاول نجاد ومعاونيه السابقين توظيف وسائل التواصل الاجتماعي التي حضرها سابقاً أثناء الثورة الخضراء في العام 2009 التي تصاعدت وتيرتها تباعاً بسبب تزوير الانتخابات التي أوصلته إلى كرسي الرئاسة، حيث اتهم نجاد ..لاريجاني، بـ "الخيانة العظمى"، رداً على ما جاء في رسالة وجهها (أحمدي نجاد) للمرشد الإيراني علي خامنئي اتهم فيها السلطة القضائية وكل عائلة لاريجاني "باستخدام سلطتهم في القمع والنهب والاختلاس والسطو على مال الدولة والشعب "، ووصفوا القضاء الإيراني بـ"الظالم" و"المنحرف" و"العصابة التي تسعى لتقويض الدولة والنظام " ، مطالباً بفتح تحقيق موسع حول حالات الانتحار غير المفهومة في السجون الإيرانية، وتحميل السلطات القضائية والأجهزة الأمنية المسؤولية الضمنية في تنفيذ التصفيات جسدية .
لم يكتف نجاد بذلك، بل طالب الناس بالتحرك، والتسويق لوجود عصابات في مواقع صنع القرارباتت هي المسئولة بشكل مباشر عن كل ما يجري من خراب وانهيار اقتصادي وسياسي وأمني.
رغم هذا الإلحاح من طرف نجاد في سرد البراهين والدلائل التي تؤكد فساد الطغمة الحاكمة في إيران، وبعد إقصائه المتعمد عن المشهد السياسي، وعدم تمكنه من ترشيح نفسه ولا مقربيه من كرسي الرئاسة، فإن نجاد يسعى من خلال هذا الاستعراض المعروف لكل الشعب الإيراني -المغلوب على أمره- إلى تحقيق جملة من الأهداف :
- أولها : عمل " رفرش" للقاعدة الشعبية التي كان يمتلكها في بعض المناطق المهمشة والمعدمة، على أمل تحريكها لصالحه .
-وثانيها : التعويض عن حالة الإقصاء التي تعرض لها المحسوبين عليه في مفاصل الدولة ومؤسساتها .
- وثالثها : تشويه صورة بعض الرموز المحسوبين على خامنئي والذي ربما نفس المرشد يريد أن يوظفه للقضاء على فرص صادق لاريجاني الطامح لتولي منصب الإرشاد، خاصة أن المرشد لم يُشر بإصبعه - لغاية كتابة هذه السطور- اتخاذ أية إجراءات عقابية ضد نجاد، وبالمناسبة فإن اتهامات نجاد قد طالت الرئيس روحاني وحاشيته وأخوته كذلك، وهذا سيقلل حظوظ الرئيس للجلوس على منصب الإرشاد . هذا ما دفع أحمدي نجاد إلى التأكيد قبل أيام مضت السعي لتقديم المزيد من الملفات تسخينًا للوضع الداخلي الإيراني، الأمر الذي قد يُسهم معه رفع وتيرة الاحتجاج إذا استمر على هذا المنوال، وكذلك هناك بات من يرى في الأوساط الإعلامية الإيرانية أن سقف تهور نجاد سيوضع له حد عما قريب بعد أن تنتهي مسرحيته من خلال وضعه تحت الإقامة الجبرية ، وتوجيه تهم قضائية ضد مساعديه. لم تقف الأمور عند هذا الحد، فقد دخل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري، قاسم سليماني على الخط مُحذراً ومتوعداً نجاد، خلال كلمة ألقاها بمناسبة الذكرى 39 لانتصار الثورة التيارات المحسوبة على النظام والثورة، واصفاً إياه بأنه يحاول لعب دور المعارضة من خلال مواقف تنتقد المحافظين ورأس هرم السلطة. وقال سليماني في كلمة له في كرمان، إن "بعض من يجلسون على مائدة الثورة ، ويدعون أتباع خط الإمام (الخميني مرشد الثورة الأول) يوجهون رسائل انتقادية مفتوحة إلى الولي الفقيه، وطالب تلك الشخصيات التي وجهت رسائل لخامنئي أن يعتذروا للولي الفقيه، وأن يُوجهوا رسائلهم لما وصفوه بـ"الاستكبار العالمي" و"الأعداء" بدلاً من ذلك .
عمومًا، من المتوقع أن الأمور الداخلية في إيران باتت على صفيح ساخن مع الانهيار المتسارع للعملة الوطنية "التومان" الذي وصل اليوم إلى مستويات قياسية، وبلغ 5000 تومان مقابل الدولار الأميركي لدرجة دفعت أحد الصحف الإيرانية كتابة مقال تهكمي عنوانه "الدولار وصل إلى العرش والتومان للبيع "، ليعكس حالة الغليان الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ، وليُدشن لمرحلة العد العكسي لانهيار نظام ولاية الفقيه برمته .
سواء توقف نجاد أم استمر في كشف عورة النظام وسوأته والتنبؤ بسقوطه في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فإن ما يجري بالتأكيد هناك هو غيض من فيض، والمنازلة مستمرة بين النظام والشعب بفعل تعقيد المشهد الداخلي الإيراني بمتغيراته المختلفة ، والمفارقة الغريبة العجيبة أن الثورة ماضية في أكل أبنائها وطحن مقدرات و ثروات إيران والسطو عليها، مما يُنذر بدخول البلاد والعباد في دوامة الصراع مع اقتراب رحيل المرشد ...
د.نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 760