غوطة دمشق
1. كان من الممكن العمل على حسم الملف السوري مبكراً، لكن –بالإضافة إلى مخططات التقسيم- فإنه يراد للشام أن تبقى جرحاً نازفاً لتكون عبرة لكل شعب "تسول له نفسه" الخروج عن عبودية النظام الدولي، وهو هدف تتَّفق عليه كل أطراف النظام الدولي وأذنابه، مهما تعارضت أجنداتها وتضاربت مصالحها، حتى لو قام أيٌّ منها بدعم فئة من المسلمين دعماً محدودا يُـجيَّر في النهاية لخدمة أجندات "السادة" ولا يخرج عن سقف محدود جداً.
2. في المقابل، حتى الشعوب الساكتة الخاضعة لم تسلم من القصف والدمار! لكنه قصف "بلا دويٍّ" على عقيدتها وهويتها الإسلامية، بحبس الدعاة والمصلحين وشباب المسلمين الغيورين، وتلويث المناهج وتصدير المفسدين للمنابر ودعم الدعوات الإلحادية والتشكيكية وترويج الشهوات المسعورة، وطمس الأخلاق والفطرة، بالإضافة إلى تجويع الناس وسرقة ثروات البلاد والتجهيل وتخريب التعليم.
هذا "القصف" شرٌّ من القصف بالكيماوي والبراميل، فإن كان قتيل البراميل يرتقي شهيدا متمسكا بدينه إلى سعادة الأبد (فيما نحسبهم والله حسيبهم)، فإن ضحية قصف العقيدة والفطرة يموت وهو حي! وإن فارق الدنيا وقد أعطى أعداءه منه ما أرادوا فإلى شقاء الأبد!
3. فلا الثائر يسلم منهم ولا الخاضع يسلم منهم! وهذا كله مصداق قول الله تعالى: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا).
4. غوطة دمشق لها مكانة عقدية خاصة جدا، ففي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن فُسطاطَ المسلمين يومَ المَلحمةِ بالغُوطةِ، إلى جانبِ مدينةٍ - يُقالُ لها : دِمَشْقُ - مِن خيرِ مَدائنِ الشامِ).
5. أمام هذه الحرب على الإسلام:
- إن كنت ممن يضعف ويقول: "ما دام الأمر كذلك فلأترك الإسلام الذي يتسبب لي بهذه الشدائد"...فهذا ما يريده أعداؤك منك بالضبط! (حتى يردوكم عن دينكم)..فاتركه إن شئت، وعش بعده عشر سنين، عشرين، خمسين، ثم بعد ذلك: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)).
- وإن كنت ممن يجلس يتسخط على القدَر! فما نفعت إخوانك في الغوطة بشيء ولا نصرتهم بشيء، بل أهلكت نفسك بلا فائدة.
- وإن كنتَ ممن يبث في المسلمين عبارات التقريع والتوبيخ و"البهدلة" على عدم نصرة أهل الغوطة، دون خطة عمل، ولا خطوات إيجابية، ولا خارطة طريق، فأنت بوق من أبواق تحطيم المعنويات من حيث لا تشعر...فهنيئا لأعدائك بك!
- وإن سببتَ وأبديتَ غضبك على المتآمرين من بني جلدتنا، فها هم متفرغون لك! ينتظرون منك كلمة ليقدموك قرباناً لأسيادهم، ويغيِّبوك عن مجتمعك الذي هو بحاجة إليك في هذا الوقت العصيب.
لا تنجز لهم ما يريدون...حوِّل ألمك على إخوانك إلى قوة دافعة إيجابية...عالماً بأنه: (ولو شاء ربك ما فعلوه)..(ولكن ليبلوَ بعضكم ببعض)...معركتنا معهم طويلة، وجبهاتها كثيرة، وإن لم تستطع إنقاذ ضحايا القصف بالبراميل فأنقذ ضحايا قصف العقيدة والفطرة والأخلاق..وتسلح في سبيل ذلك بالعلم والهمة والنشاط..وسترى من الله عوناً وتوفيقاً وكرماً..(وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيرا)...عسى الله أن يصطفيك يوماً ببركة ذلك لنصر الدين والمستضعفين بالنفس والدم ليجمع لك الخيرين...
اللهم نجِّ إخواننا في الغوطة وخفف عنهم وتقبلهم وأعنا على نصرتهم وأذل من تآمر عليهم.
وسوم: العدد 761