الغوطة.. روح الثورة ومغناطيسها
شكلت الغوطة مغناطيس جذب للثورة الشامية منذ انطلاقتها المباركة عام 2011، فكانت المظاهرات الصاخبة، والأناشيد والهتافات الجميلة للحرية، عنواناً بارزاً للغوطة وللريف الدمشقي، نظراً لما تميزت به تلك المظاهرات الشعبية الرائعة، وعلى مدى سبع سنوات ظلت الغوطة على العهد الثوري، بالرغم من الهنّات التي طرأت عليها بسبب اقتتال داخلي فصائلي هنا أو هناك، لكن ظلت هذه الفصائل على العهد فيما بينها، تُدشم وتستعد ليوم النزال يحدوها في ذلك الأحاديث النبوية التي تحدثت عنها، ووصفتها بفسطاط المسلمين، بالإضافة إلى وقوع دمشق على مقربة حجر منها، وكونها بوابة الفتح الدمشقي تاريخياً، كما حصل أيام الصحابة، وهو ما يأمل به الثوار المحيطون بها اليوم أن يكرروه.
حافظت الغوطة وبلداتها على روح الثورة، فكان المقاتلون من أهلها فقط، وليس من الأغراب عن المنطقة، كما كان الحال في بعض الأماكن، وبالتالي عزز النسيج الاجتماعي بين الثوار اللحمة، وقوى معه الهدف العام، مما أبعد عنهم سيناريوهات محتملة قد تطرحها العصابة الطائفية وسدنتها من تكرار تجربة حلب وغيرها، خصوصاً أن أهالي الغوطة قد رأوا ما حل بجيرانهم من أهالي الزبداني ومضايا الذين هاجروا إلى إدلب، فانعكس ذلك على مواقفهم الأخيرة تشبثاً بالأرض، وإصراراً على المقاومة حتى النصر والتحرير.
ضاقت العصابات الطائفية، بصمود أهالي الغوطة الأسطوري، فضلاً عن تمدد هذا الصمود، ومواصلة إشعاعه إلى المناطق الثورية الأخرى، وبالتالي كانت الخشية كل الخشية من أن يلعب دوراً مهماً في توحيد القوى الثورية مستقبلاً، ويكون ككرة الثلج تكبر وتكبر لصالح الثورة والثوار، لا سيما مع عجز التدخل الروسي وغيره على مدى السنوات الماضية عن تفكيك فصائل الغوطة، سواء أكان من خلال التحريش بينهما، أو عبر إخضاعهما، من خلال المفاوضات والمساومات ونحوها.
تدرك روسيا وإيران العمق السكاني والديمغرافي للثورة في الغوطة، ويدرك معه أن دمشق العربية السنية قوية بغوطتها إن كان ديمغرافياً، أو من خلال العمق الزراعي والجغرافي والديمغرافي البعيد المدى، ولذا الدول المتدخلة تسعى إلى هندسة ديمغرافية تروق لها على غرار ما تم فعله في بغداد، وعلى رأس ذلك العمل على ضرب العمق السني الحقيقي في دمشق، ممثلاً بالغوطة، وهذا لا يتأتى إلا بتفريغ ديمغرافي، ثم تبديل جغرافي وسكاني وعمراني، ولذا فقد رأينا الإصرار العدواني الرهيب هذه الأيام على مواصلة المعارك، على الرغم من إقرار مجلس الأمن الدولي هدنة لمدة شهر، وكأن هذه الدول في عجلة من أمرها، من أجل مشروعها الديمغرافي في المنطقة، ولكن بإذن الله الخيبة والخسران مصيرها.
بقي أن نقول للثوار وأهالي الغوطة الأشداء: إنكم بيضة القبان، ليس على مستوى دمشق، ولكن على مستوى الثورة الشامية بشكل عام، وأن تحالف وانسجام الفصائل في قتالها الأخير بمواجهة العصابات الطائفية أثبت قدرة الفصائل على صدّ العدوان الدولي والإقليمي، وأخرج البلدان تماماً من كونهما ضامنين للأستانة، إلى كونهما شريكين في القتل والدمار، إلى جانب العصابة الطائفية، وأظهرهما على أنهما عدوان حقيقيان للثورة الشامية، لا فرق بين شمالها وجنوبها، وعليه فإن هذا الصمود ينبغي أن يمنح مزيداً من القوة لهذه الفصائل في تعزيز قوتها وتطوير تحالفها وانسجامها مع بعضها، لتكون نواة لتجمع الفصائل الشامية كلها، حادي الجميع فيها أن الغوطة فسطاط الثورة، وفسطاط المسلمين بإذن الله..
وسوم: العدد 761