الإجرام يتنوّع ويتلوّن ، عبر الظروف والأشخاص .. لكنه يظلّ إجراماً !
كتب الأديب والمفكرالإنجليزي الكبير، جورج برنارد شو، في / عام 1906 / ، تعقيباً ، على حادثة دنشواي المأساوية :
إذا كانت الإمبراطورية البريطانية ، تريد أن تحكم العالم، كما فعلت في دنشواى..فلن يكون على وجه الأرض، واجب سياسى ، مقدّسٌ ، وأكثرُ إلحاحاً .. من تقويض هذه الإمبراطورية ، وقمعها، وإلحاق الهزيمة بها !
فما حادثة دنشواي !؟
إنها ، ببساطة ، صورة متعدّدة الوجوه ، من صور الإجرام البشع ، الذي مارسه الاستعمار البريطاني ، وعملاؤه من أبناء البلاد التي يحتلّها !
وملخّصها : أن مجموعة من ضبّاط الإنجليز، الذين كانوا في مصر، أيام احتلالها ، من قِبل بريطانيا .. خرجوا في رحلة صيد ، أعدّوا لها مع بعض المسؤولين ، من أبناء البلاد ! ووصلوا إلى قرية اسمها : دونشواي ، فرأوا فيها حمائمَ ، صوّبوا أسلحتهم لصيدها ، ونصحهم بعض أهل القرية ، ألاّ يفعلوا ؛ كيلا يؤذوا أحداً من أهل القرية ، أو يُفسدوا شيئاً من ممتلكاتها ! فلم يسمعوا النصيحة ، وأطلقوا النار، فقتلوا امرأة ، وجرحوا آخرين.. فاجتمع عليهم أهل القرية ، وحدثت مشاجرة ، جُرح فيها بعض الضبّاط ، ومات أحدهم بضربة شمس !
وشُكلت محكمة ، للقضية ، كان القضاة والمحامون فيها ، متعاطفين مع الإنجليز.. وصدرت أحكام قاسية ، بحقّ المواطنين البسطاء ؛ فحُكم بعضُهم بالإعدام ، وبعضُهم بالحبس المؤبّد ، مع الأشغال الشاقة ، وبعضهم بالحبس خمسة عشر عاماُ ، مع الأشغال الشاقة ، وبعضهم بالجَلد..!
وكان بطرس غالي عنصراً أساسياً ، في المجزرة القضائية .. وهو جدّ بطرس ، الذي صار أميناً عامّاً ، للأمم المتحدة !
وقد خلدت هذه الجريمة البشعة ، قصائدُ عدّة ، لأمير الشعراء أحمد شوقي ، وغيره !
وممّا قاله حافظ إبراهم ، فيها ، مخاطباٌ بطرس غالي :
والمِدرَه : هو المتقدّم في صنعته ، البارع فيها !
وقد سُجّلت الحادثة ، كلها ، بما فيها محكمة الخزي ، وقضاتُها ومحاموها .. والضبّاط الإنجليز، الذين ارتكبوا العدوان ، بحقّ أهل القرية .. سُجّل هذا ، كله ، بالأسماء ، في صفحات التاريخ المصري ، وفي صفحات الاستعمار الإنجليزي ، وفي سجلاّت الإجرام الوحشي ، المحسوب على بني الإنسان ، عبر العصور !
وقد اعترف أحد المجرمين المصريين، الذين شاركوا في تبرئة الإنجليز، واتهام الفلاحين البسطاء، وتسبّبوا في المجزرة القضائية البشعة..اعترف ، بعد سنين ، بذنبه ، وسوّغ إجرامه ، بالظروف التي كانت سائدة ، والتي دفعته ، إلى الاشتراك في الجريمة !
فكيف يسوّغ مجرمو اليوم ، جرائمهم بحقّ شعوبهم ، بعد سنين ، وبعد أن تكون وصمات الخزي والعار، لحقت بهم ، وبأسَرهم ، إلى أمد ، لايعلمه إلاّ الله !؟ فالجرائمُ التي تسقط عقوباتها بالتقادم ، تظلّ مدوّنة في صفحات التاريخ الإنساني،لا تسقط منه..ولا تسقط من صفحات مرتكبيها ! وحتى لو نجَوا من عقابها ، في الدنيا ، فسيظلّ عقابُ الآخرة ينتظرهم ، وإيّاها، وهو أشدّ وأبقى !
وسوم: العدد 768