في ذكرى النكبة.. مسيرات العودة تثبت الرواية الفلسطينية
بعد سبع عقود من نكبة الشعب الفلسطينى؛ تبدو دولة الاحتلال الاسرائيلى اليوم فى قمة مجدها، فقد استطاعت عبر هذه العقود أن تُحيد جل أعدائها، واستطاعت أن تحول العديد منهم إلى أصدقاء تربطها بهم علاقات دبلوماسية كاملة وتنسيق فى معظم المجالات، وتمكنت إسرائيل خلال تلك العقود بناء دولة عصرية صناعية متقدمة؛ وذات نظام ديمقراطى وإن كان لمواطنيها اليهود فقط، وتمتلك ترسانة عسكرية تتفوق من خلالها على سائر دول الإقليم؛ ووسط دعم سخى من حليفتها المركزية الولايات المتحدة الأمريكية .. وهذا توصيف حقيقى لحالة إسرائيل اليوم على أرض الواقع، ولكن كل ما سبق يغطى حقيقة أخرى تحاول إسرائيل طيلة العقود السبع الماضية أن تطمسها، وتلك الحقيقة هى أن كل ما عليه إسرائيل اليوم كان على حساب شعب آخر؛ وحاولت إسرائيل على مدار العقود السبع الماضية صبغ الأرض والتاريخ بهويتها المصطنعة لإخفاء حقيقة الأشياء وسرقت كل ما هو فلسطينى ونسبته لها.
ولكن الحقيقة أنه لا يوجد فى إسرائيل أى مهاجر مستوطن كان يعرف شئ عن هذا التراث المسروق المزور قبل أن يطأ بقدميه أرض فلسطين؛ بدءً بالثوب الفلسطينى الذى تدعى إسرائيل أنه من ضمن الثراث الاسرائيلى، ومرورا بعملتها الشيكل والتى هى عملة الكنعانيين ولا صلة لها باليهود، وصولا لتحريف أسماء المدن الفلسطينية إلى عبرية، فكل شئ فى فلسطين يشي بأصله ويرفض تلك الصبغة الصهيونية التى لم ولن تستطيع تغيير التاريخ، ولن تستطيع نسج أى علاقة بينها وبين كل ما سرقته.
وتحتفل إسرائيل فى منتصف مايو من كل عام بذكرى قيامها، ويحتفل الفلسطينيون فى هذا التاريخ بذكرى نكبتهم؛ ولم يسجل التاريخ الانسانى الحديث حالة من هذا النوع، بأن يكون اليوم الوطنى لشعب هو يوم النكبة لشعب آخر؛ وليذكرهم دوما بالحقيقة التى يسعون دوما لطمسها. ولكن الفلسطينيين قرروا هذا العام أن يوصلوا هذه الحقيقة وبصوت عالى لكل العالم عبر مسيرات العودة السلمية الشعبية، وهى أن كل بيت يسكنه مستوطن إسرائيلى هو فى الأساس بيت لفلسطينى، وكل قطعة أرض يقيمون عليها هى أرض لفلسطينى سُرقت بالقوة؛ وأصحابها الحقيقيون موجودون ولا زلوا على قيد الحياة ولن يتنازلوا عن أملاكهم .
تلك رسالة يحملها كل فلسطينى؛ وتضرب فى عمق كيانية وكينونة إسرائيل، وتذكرهم بحقيقة أن كل ما بنته إسرائيل خلال سبع عقود إنما بُنى على رمال متحركة من الباطل، فلا شرعية لإسرائيل غير شرعية القوة التى تفرض من خلالها كل أنواع القمع والتنكيل والحصار على الفلسطينيين، لكى يسلموا لها ويمنحوها صك الشرعية تحت تهديد السلاح، ويوقعوا لها صك الاستسلام عبر صفقة القرن، ولكن الفلسطينيون قرروا التحدى وانتقلوا من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم عبر المقاومة الشعبية السلمية؛ والتى ستصل ذروتها يوم 15 مايو؛ والذى يتزامن مع نقل الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس.
لقد قرر الفلسطينيون هذا العام أن يحققوا روايتهم التاريخية عن 15مايو على الأرض ويخرجوا بالملايين، وأن يكون يوم نكبة فى إسرائيل وليس يوما وطنيا كما يدعون، وهذه أحد رسائل المقاومة الشعبية السلمية، فعلى رغم تنكر وتخلى القريب والبعيد عن الفلسطينيين ورغم الاحتلال والقمع والحصار والتجويع فان مقولة الكبار يموتون والصغار ينسون لم تتحقق ولن تتحقق.
إن الفلسطينيون اليوم بمسيراتهم الشعبية ومقاومتهم السلمية لا يحرجون إسرائيل فقط فهى دولة احتلال وقحة لا تستند فى وجودها إلا لشرعية القوة، لكن الإحراج الحقيقى هو للمنظومة الدولية وأخلاقياتها التى تقف مكتوفة الأيدى أمام قتل المتظاهرين المدنيين العزل المدافعين عن قرارات الشرعية الدولية والمطالبين بتطبيقها.
والتخلى اليوم عن الفلسطينيين مقاومتهم السلمية المشروعة، هو هزيمة للأمم المتحدة ومبادئ العدل والحرية وحقوق الانسان؛ وهى إذن ببدء دخول المنظومة الدولية فى مرحلة ظلامية سيكون فيها الأمن والسلم الدولى أكثر هشاشة مما سبق فى عالم يفتقد إلى العدالة والمساواة ويزدهر فيه الظلم والقمع ليولد الإرهاب بكل صوره التى رأيناها؛ وتلك التى سنراها بتسوية القضية الفلسطينية على الطريقة الترامبية عبر ما يعرف بصفقة القرن، هى ضربة للأمم المتحدة وللشرعية الدولية، والتى تأذن بانهيارهما ولو بعد حين. وليتدارك العالم الكارثة قبل وقوعها، وليقف بجدية وإصرار ولو لمرة واحدة مع حقوق الشعب الفلسطينى الشرعية، قبل أن يتحول العالم إلى غابة حقيقية يأكل فيها القوى الضعيف.
وسوم: العدد 772