روح الدعوات

كثيرًا ما يشكي الداعون من أن دعوتهم لم تعد مؤثرة كما كانت من قبل فأين المشكلة؟ 

هل هي في الداعي أو المدعو أو الدعوة؟

إن للدعوة جسدًا وروحا مثل الإنسان فجسدها وهيكلها الأقوال والأفعال.

وأما روحها فمن رحمة الله أنه لم يخفها عنا ليصحَّ التكليف بها والعمل بمقتضاها.

إن الروح التي تكون في الدعوات شيء آخر فليست هي الأقوال والأفعال والمفاهيم والمهارات والهياكل الظاهرة بل هي أمر يستبطن ذلك ويحركه ويبعث الحياة فيه ويضمن الدوام لفاعليته.

إن روح الدعوات تكمن في إخلاص الداعية وتفاعله وتفانيه من أجل دعوته والتلذذ بتحدياتها وعقباتها.

وتكمن في التجدد بهذه الدعوة وعرضها كخيمة وارفة الظلال لكل حائر تائه في صحراء الدعوات القاحلة والأفكار والمناهج المنحرفة والا كانت الدعوة بأدبياتها القديمة جسدا بلا روح وجسما يأكل نفسه.

وتكمن في استهداف المدعو القابل لهذه الدعوة فهو كالأرض الطيبة التي تقبل الماء والزرع فيسعد بها ليحملها ويتبناها بعدما ذاق من طيباتها وروحها الكثير.

إن ذبول الدعوات يكمن في داعية يتحرك بدون روح ولا دافع ولا هدف ولا صبر ولا أمل.

وفي دعوة لا تلبي حاجة واقع ولا تتجدد في وسائلها مع تجدد الحياة ولا تعطي الأجوبة الفكرية والروحية للسائلين.

وفي مدعويين حجبوا عنها وأجدبت نفوسهم فلا يستقبلوها ولا يمتثلون لها.

قوله تعالى:

{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.

هذه الآية منهج في إحياء روح الدعوات في المنطلق والمنهج والخطاب.

_ فأما المنطلق:

ففي قوله تعالى: {دعا إلى الله}

فالدعوة  إلى الله بتفانٍ من الداعي وتجرد وإخلاص للفكرة لا يخلط معها الحظوظ والهوى من روح الدعوات وسبل التأثير عند الداعية فهو لا يرجو ويخاف إلا ربه.

_ وأما المنهج والأداء:

ففي قوله تعالى: {وعمل صالحا} 

فهو العمل الصالح والإنجاز المرئي وإبهار الناظرين بتجارب النجاح وإقناع للجميع بالانسياق والامتثال لدعوة الله. وفرد داعية ومؤسسة دعوية دون عمل صالح هيكل بلا روح ولفظ بلا معنى لأن الهياكل خادمة للأرواح، والألفاظ خادمة للمعاني، والوسائل خادمة للأهداف.

_ وأما الخطاب: 

ففي قوله تعالى:{ وقال إنني من المسلمين}.

فقوله هذا شمولية في الفهم والدعوة والمنطلق والاستعانة والخطاب فهو من المسلمين وللمسلمين وبالمسلمين ليكون مؤثرا في المسلمين وغير المسلمين وليس محصورا ضمن دوائر ضيقة.

فإذا أراد داعية أو مؤسسة دعوية أن تنشط أكثر بعد خمول وركود فعليها بروح الدعوات وبهذه الثلاثة الواردة في الآية:

1_ سلامة القصد والمنطلق والهدف.

2 _ القدوة الحسنة في الذات والإنجاز.

3 _ اتّساع دائرة الخطاب والفعل والأداء.

فسلامة القصد والهدف والمنطلق يحتاج إلى استغفار وتوبة وتجديد نية. 

والقدوة الحسنة في الذات والإنجاز تحتاج إلى مشاريع والتزام ومجاهدة نفس ودأب في العمل.

واتساع دائرة الخطاب والفعل والأداء يحتاج إلى فكر وعلم ومرونة وسعة أفق.

وسوم: العدد 783