ليس منهم برهامي

(برهامي والنصارى 2)

محمد جلال القصاص

في دقائق قليلة جدًا أثار عمرو أديب أكثر من عشر قضايا كلية، تحتاج الواحدة منهن إلى ساعات من النقاش الجاد، مثل: دخول النصارى الأحزاب الإسلامية، الشعارات النصرانية في الأماكن العامة والخاصة (الأحزاب)، تولي النصراني الولاية العامة، الجزية، بناء الكنائس، خوف النصارى على أنفسهم، تطبيق الحدود، المواطنة، كفر النصارى، ...

هنا أمور، أعتقد أهميتها لقراءة كيف يفكر كل من الطرفين (العلماني اللئيم والإسلاموي الغافل المستذكي).. كيف تتناطح العقول والمذاهب:

أولها: هذه القضايا تم إثارتها كثيرًا، وتم الإجابة عنها عدة مرات، من ياسر برهامي وغير ياسر، فليست أسئلة تبحث عن إجابة، وإنما أسئلةٌ تستهدف شيئًا آخر. بدليل أنه طرح عدة مرات وأجيب عليه عدة مرات.وبدليل إصرار السائل على طرح عدد كبير من القضايا، الواحدة منها تحتاج حلقات، فلو كان يبحث عن إجابة حقيقية لأتى بقضية واحدة وبقي عندها حتى ينتهي منها، أو لاكتفى بما قد قيل من قبل؛ وبدليل شخص السائل نفسه (محاور التوك شو كعمرو أديب، وعماد أديب، وشريف عامر) فهؤلاء قد اشتهروا برفض ما هو إسلامي، والمقصود أن بعض الأسئلة حرب وليست رأيًا يعرض، كما يذكر الشيخ رفاعي سرور في تقديمه لكتاب "الكذاب اللئيم زكريا بطرس".

ثانيها: المقصود من هذه النوعية من الأسئلة في هذا الظرف من الزمن، على شخصية متراجعة مثل ياسر، هو توريط الإسلاميين في إجابات بعينها عن النصارى وعن الديمقراطية، تُفعَّل هذه الإجابات في اتجاهين: في الداخل الإسلامي لإثارة الجدل بداخله، ومن ثم إشغاله وتفعل في صفوف المخالفين تبين لهم أن الإسلاميين لا يخالفونهم في معتقدهم، وبالتالي هم على "الحق المبين" ولا داعي للرحيل.  

ثالثها: الأسئلة ليست من النصارى، وإنما من العلمانية الغالبة التي تقود الصراع ضد مخالفيها ومنهم الإسلاميين والنصارى، فالمشهد ثلاثي: علماني ونصراني وإسلاموي.وهنا تفصيل:

يبدو بوضوح أن ياسر لا يفهم خريطة الصراع: لا يعرف أطرافه، ولا قضايا كل طرف، ولا الأدوات التي يستعملونها للحصول على ما يريدون، وهي الأسئلة هنا.

تتضح غفلته وجهله من هرولته لبرامج التوك شو من الأسكندرية للقاهرة (عشر ساعات سفر ذهابًا وإيابًا)، أكثر من مرة مع أنها في كل مرة تتعاطى ذات المواضيع، وتتضح غفلة ياسر عن أطراف الصراع وقضاياه ومآلات ما يتحدث به من تصديقه بأن نصارى مصر بوضعهم الحالي خائفون.. يبحثون عمن يطمنهم، ويقدم نفسه هو كمطمئن لهم، ويستعرض في غفلة واضحة حاله يوم ثورة يناير وقد صف أتباعه دروعًا حول الكنائس، ولم يكن يومها ما يتهددهم. هم يستعملون الخوف وسيلة للحصول على مكاسب جديدة، وحقيقة أمرهم أن بأيديهم من الدولة ما ليس بأيدي الإسلاميين، ولهم حضور دولي واسع، وتدعمهم الدول الإمبريالية (التوسعية) لاستعمالهم كجماعة وظيفية تحقق بها أهدافها في الداخل المصري، وتدعمهم الصليبية العالمية في مشروعها الذي يرمي لتنصير العالم، وكذا للنصارى سياق خاص بدأ بنشوء جماعة الأمة القبطية وتطور عبر قرنٍ من الزمن تقريبًا، وقد شرحت هذا الأمر في مقالين (اعدل في النصارى يا دكتور مرسي) و (على رسلك يا دكتور).. أخاطب الدكتور سيف الدين عبد الفتاح.

يبدو برهامي في المشهد مضحكًا، مستعملًا، ويبدو الصراع أعمق وأوسع منه ومن العشرات المتبقين حوله.

إننا اليوم بحاجة لمستوى آخر من الوعي، ونوعية أخرى من الفاعلين ليس منهم برهامي.