ملحمة سجون بشار والديموقراطيات الخرساء

د. محمد أحمد الزعبي

بينما كنت منهمكاً بقراءة كتاب يحمل عنواناً مترجماً هو ( عالم في حيص بيص) للكاتب والسياسي الأمريكي ريتشارد هاس ، الذي كان منهمكاً  بدوره عبر صفحات كتابه ال 302 بالدفاع المستميت  عن " سيادة " الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة  ، وخاصة الدفاع عن سيادة " دولة الكويت " العضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة  والتي كان من المفروض – حسب رأينا - أن تكون تسميتها السيادية  (على غرار تسمية  المملكة العربية السعودية )  " دولة آل الصباح العربية" ، وذلك  ضد محاولة صدام حسين ( وقبله عبد الكريم قاسم ضمها الى العراق عام 1990 . أقول ، بينما كنت منهمكاً بقراءة هذا الكتاب ،  رن جرس هاتفي ليخبرني المتصل بان المرحوم مازن الدباغ ( أخا صديقنا عبيدة الدباغ المقيم في باريز وزوج الدكتورة حنان علي الشرع ) وابنه باترك االمعتقلين عند بشار الأسد منذ شهر ديتسمبر 2013 ، بسبب اشتراكهما في المظاهرات السلمية  في دمشق ، قد توفيا تحت التعذيب  في سجون عائلة الأسد  ، وقد تم يوم أمس فقط  معرفة وفاتهما ، وذلك عندما ذهبت زوجة المعتقل  (الفرنسية ) ، إلى السفارة السورية بباريز لطلب ( إخراج قيد نفوس ) يثبت أن مازن هو زوجها وأن باترك هو إبنها  ، وكانت المفاجأة عندما  تم  تسليمها  إخراج قيد النفوس  الذي يصفها بزوجة المتوفي مازن الدباغ وأم المتوفي باترك الدباغ، أي عملياً وثيقة وفاتهما في السجن ، دون ذكر الأسباب ، وذلك  استبعاداً لكونهما قد توفياً تحت التعذيب في سجون بشار الأسد . هذا مع العلم أن هذه الزوجة والأم الفرنسية كان النظام قد سجنها مع ابنتها ، عندما كانت في دمشق وذلك بسبب طلبها من السفارة الفرنسية التوسط للافراج عن زوجها وابنها ، ولم يخل سبيلهما ( الأم والبنت ) إلا بعد ان تعهدتا بمغادرة سوريا إلى فرنسا فور خروجهما من السجن . هذا وقد استولى أحد ضباط بشار الكبار على البيت  الذي أصبح الآن فارغاً بعد  سجن وطرد أصحابه منه .

اتصلت بصديقي  في باريز وعزيته بوفاة أخيه وابن أخيه  ، ورغبت إليه أن يبلغ تعازي لزوجته ( زوجة أخيه المتوفى )  ، وكانت  " لاحول ولا قوة إلاّ بالله "  جملة العزاء الوحيدة والمعبرة  في مثل هذه الحالات .

من جديد رن جرس هاتفي ، لأفاجأ  بنفس الصديق الأول، ولكن ليسألني متألماً : كيف يستطيع بشار الأسد قتل هذه الآلاف المؤلفة في السجون والمعتقلات دون أن يخشى  أية ردة فعل على فعلته  من أي أحد  ، سواء أكان ذلك في الدنيا أم في الآخرة ؟؟ ، سواء داخل سوريا أو خارجها  ؟؟ ، سواء من الشرق او من الغرب ؟؟

لقد أثار هذا الموضوع  وهذا التساؤل حفيظتي ، واخرجني عن طوري ، فاخذت أشتم بانفعال  - وأنا مازلت على الهاتف – كجواب على تساؤل هذا الصديق ،  ليس بشار الأسد وشبيحته وكل من يمت إليه بصلة  وحسب ، وإنما أيضاً هذا العالم الأبكم والأصم والأخرس ،والذي كأنه قد ردد مع نفسه قسم أبو قراط ( لاأسمع، لاأرى، لا أتكلم ) وهنا تدخل الصديق السائل ليجيب بنفسه على تساؤله ، وليقول :

إن سبب تمادي النظام وحلفاؤه الروس والفرس وحزب الله  بهذه المذبحة غير الأخلاقية ، وغير المعقولة ،( مذبحة السجون )  بعد كل ماسبقها من المجازر والمذابح ، هو ( برأيه )  من جهة ، ارتكان النظام  بشبيحته وحلفائه إلى صمت المجتمع الدولي فيما يشبه الموافقة  على مثل  هذه المجازر وبمن فيهم صمت أمريكا ترامب ،وصمت العديد مما يعرف ب "الديموقراطيات " الغربية والشرقية ، وأيضاً صمت  كافة الدول العربية والإسلامية المخجل والمشين  ،  وذلك على قاعدة ( فرعون من فرعنك ؟ . مالقيت حداً يردني ! ).  ومن جهة أخري لكي  يلقن بشار  الثورة السورية بشبابها وشيبها ، رجالها ونسا ئها ، صغارها وكبارها ، درساً قاسياً وحاسماً يمنعهم من التفكير مستقبلاً بأي حراك أو تحرك كان ، ضد حكم عائلة الأسد ، حتى في حال استمرار طابعه الطائفي والأقلياتي  ، لقد ذكرني  هذا بما سمعته ذات يوم من مدير مخابرات القوى الجوية السيد جميل حسن في مقابلة له مع الصحافي البريطاني  روبرت فسك ( لو أن الرئيس بشار سمح لي ( لجميل حسن )عند بداية الثورة بقتل مليون شخص لانتهت الثورة  ( أو حسب تعبيره وتفكيره العصابات المسلحة ) في مهدها.

إن مثل هذا القول يشير بصورة لالبس فيها إلى أن نظام عائلة الأسد ، ذي البعد الطائفي ، مستعد لقتل ملايين السوريين سواء داخل السجون أو خارجها ،  في سبيل بقائه في سدة الحكم (!!) .

إن ماينبغي ان يسمعه بشارالأسد ( الوريث )  وحلفاؤه من العرب والعجم ،ومن الروس والبجم  ، من أحد أبناء

الثورة السورية :

أيها السادة المحترمون (!!)  " إن الله يمهل ولا يهمل  " وإن إرادة الشعب من إرادة الله ، وإن الشعب السوري بملايين شهدائه ، وبمئات ألوف المختفين قسرياً من أبنائه ، وبملايين المهجرين والمشردين  في الآفاق منه ، وبآلاف القابعين في بطون أسماك القرش في البحر الأبيض المتوسط  ، وأخيرأ وليس أخراً  بهذه الألوف المؤلفة التي تموت بين يدي شبيحتكم الطائفيين  تحت التعذيب في السجون ، كل يوم و كل ساعة  بل وكل دقيقة ، سيظل ( الشعب السوري )  يحوم فوق رؤوسكم وفوق عروشكم ،  كطائر العنقاء ، إلى أن  يأخذ كل ذي حق حقه ، إن لم يكن اليوم فغداً ، وإن غداً لناظره قريب  ، فإلى اللقاء  ايها القتلة المجرمون ، ليس في الأستانا ولا في جنيف ، ولكن في دمشق .

وسوم: العدد 786