ملحمة سجون بشار والديموقراطيات الخرساء
بينما كنت منهمكاً بقراءة كتاب يحمل عنواناً مترجماً هو ( عالم في حيص بيص) للكاتب والسياسي الأمريكي ريتشارد هاس ، الذي كان منهمكاً بدوره عبر صفحات كتابه ال 302 بالدفاع المستميت عن " سيادة " الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وخاصة الدفاع عن سيادة " دولة الكويت " العضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي كان من المفروض – حسب رأينا - أن تكون تسميتها السيادية (على غرار تسمية المملكة العربية السعودية ) " دولة آل الصباح العربية" ، وذلك ضد محاولة صدام حسين ( وقبله عبد الكريم قاسم ) ضمها الى العراق عام 1990 . أقول ، بينما كنت منهمكاً بقراءة هذا الكتاب ، رن جرس هاتفي ليخبرني المتصل بان المرحوم مازن الدباغ ( أخا صديقنا عبيدة الدباغ المقيم في باريز وزوج الدكتورة حنان علي الشرع ) وابنه باترك االمعتقلين عند بشار الأسد منذ شهر ديتسمبر 2013 ، بسبب اشتراكهما في المظاهرات السلمية في دمشق ، قد توفيا تحت التعذيب في سجون عائلة الأسد ، وقد تم يوم أمس فقط معرفة وفاتهما ، وذلك عندما ذهبت زوجة المعتقل (الفرنسية ) ، إلى السفارة السورية بباريز لطلب ( إخراج قيد نفوس ) يثبت أن مازن هو زوجها وأن باترك هو إبنها ، وكانت المفاجأة عندما تم تسليمها إخراج قيد النفوس الذي يصفها بزوجة المتوفي مازن الدباغ وأم المتوفي باترك الدباغ، أي عملياً وثيقة وفاتهما في السجن ، دون ذكر الأسباب ، وذلك استبعاداً لكونهما قد توفياً تحت التعذيب في سجون بشار الأسد . هذا مع العلم أن هذه الزوجة والأم الفرنسية كان النظام قد سجنها مع ابنتها ، عندما كانت في دمشق وذلك بسبب طلبها من السفارة الفرنسية التوسط للافراج عن زوجها وابنها ، ولم يخل سبيلهما ( الأم والبنت ) إلا بعد ان تعهدتا بمغادرة سوريا إلى فرنسا فور خروجهما من السجن . هذا وقد استولى أحد ضباط بشار الكبار على البيت الذي أصبح الآن فارغاً بعد سجن وطرد أصحابه منه .
اتصلت بصديقي في باريز وعزيته بوفاة أخيه وابن أخيه ، ورغبت إليه أن يبلغ تعازي لزوجته ( زوجة أخيه المتوفى ) ، وكانت " لاحول ولا قوة إلاّ بالله " جملة العزاء الوحيدة والمعبرة في مثل هذه الحالات .
من جديد رن جرس هاتفي ، لأفاجأ بنفس الصديق الأول، ولكن ليسألني متألماً : كيف يستطيع بشار الأسد قتل هذه الآلاف المؤلفة في السجون والمعتقلات دون أن يخشى أية ردة فعل على فعلته من أي أحد ، سواء أكان ذلك في الدنيا أم في الآخرة ؟؟ ، سواء داخل سوريا أو خارجها ؟؟ ، سواء من الشرق او من الغرب ؟؟
لقد أثار هذا الموضوع وهذا التساؤل حفيظتي ، واخرجني عن طوري ، فاخذت أشتم بانفعال - وأنا مازلت على الهاتف – كجواب على تساؤل هذا الصديق ، ليس بشار الأسد وشبيحته وكل من يمت إليه بصلة وحسب ، وإنما أيضاً هذا العالم الأبكم والأصم والأخرس ،والذي كأنه قد ردد مع نفسه قسم أبو قراط ( لاأسمع، لاأرى، لا أتكلم ) وهنا تدخل الصديق السائل ليجيب بنفسه على تساؤله ، وليقول :
إن سبب تمادي النظام وحلفاؤه الروس والفرس وحزب الله بهذه المذبحة غير الأخلاقية ، وغير المعقولة ،( مذبحة السجون ) بعد كل ماسبقها من المجازر والمذابح ، هو ( برأيه ) من جهة ، ارتكان النظام بشبيحته وحلفائه إلى صمت المجتمع الدولي فيما يشبه الموافقة على مثل هذه المجازر وبمن فيهم صمت أمريكا ترامب ،وصمت العديد مما يعرف ب "الديموقراطيات " الغربية والشرقية ، وأيضاً صمت كافة الدول العربية والإسلامية المخجل والمشين ، وذلك على قاعدة ( فرعون من فرعنك ؟ . مالقيت حداً يردني ! ). ومن جهة أخري لكي يلقن بشار الثورة السورية بشبابها وشيبها ، رجالها ونسا ئها ، صغارها وكبارها ، درساً قاسياً وحاسماً يمنعهم من التفكير مستقبلاً بأي حراك أو تحرك كان ، ضد حكم عائلة الأسد ، حتى في حال استمرار طابعه الطائفي والأقلياتي ، لقد ذكرني هذا بما سمعته ذات يوم من مدير مخابرات القوى الجوية السيد جميل حسن في مقابلة له مع الصحافي البريطاني روبرت فسك ( لو أن الرئيس بشار سمح لي ( لجميل حسن )عند بداية الثورة بقتل مليون شخص لانتهت الثورة ( أو حسب تعبيره وتفكيره العصابات المسلحة ) في مهدها.
إن مثل هذا القول يشير بصورة لالبس فيها إلى أن نظام عائلة الأسد ، ذي البعد الطائفي ، مستعد لقتل ملايين السوريين سواء داخل السجون أو خارجها ، في سبيل بقائه في سدة الحكم (!!) .
إن ماينبغي ان يسمعه بشارالأسد ( الوريث ) وحلفاؤه من العرب والعجم ،ومن الروس والبجم ، من أحد أبناء
الثورة السورية :
أيها السادة المحترمون (!!) " إن الله يمهل ولا يهمل " وإن إرادة الشعب من إرادة الله ، وإن الشعب السوري بملايين شهدائه ، وبمئات ألوف المختفين قسرياً من أبنائه ، وبملايين المهجرين والمشردين في الآفاق منه ، وبآلاف القابعين في بطون أسماك القرش في البحر الأبيض المتوسط ، وأخيرأ وليس أخراً بهذه الألوف المؤلفة التي تموت بين يدي شبيحتكم الطائفيين تحت التعذيب في السجون ، كل يوم و كل ساعة بل وكل دقيقة ، سيظل ( الشعب السوري ) يحوم فوق رؤوسكم وفوق عروشكم ، كطائر العنقاء ، إلى أن يأخذ كل ذي حق حقه ، إن لم يكن اليوم فغداً ، وإن غداً لناظره قريب ، فإلى اللقاء ايها القتلة المجرمون ، ليس في الأستانا ولا في جنيف ، ولكن في دمشق .
وسوم: العدد 786