آمنَّا بربِّ الشَّهيد
في ذكرى انتصارِ العُنقِ على المشنَقة، والحنجرةِ على الرّصاص، والقلمِ على سبطانَة المدفع؛ ترتجف الكفُّ والرُّوح وهي تكتبُ في حضرة الشَّهادة، وفي محرابك يا سيِّد الشّهداءِ؛ سيّد قطب!!
كم تفيّأنا وارفَ "الظّلال"، وانتَشَينَا بِشَهدِ كلماتك التي ما إن تخالط الرّوح حتى تحلِّقَ بها في فضاءاتٍ لا نهاية لها، وما تزال معالمُكَ تنير للقابضينَ على الجمرِ طريقَهم فتزلزلَ عروش الطُّغاة.
كلماتُك لم تكن يوماً عرائسَ من شمعٍ وقد روّيتها طُهرَ دمك، فانتَفَضَت تجوبُ الأرض شرقاً وغرباً؛ تبذُر الحقَّ وتسقيَه الثَّبات، لتجنِيَهِ الأجيال حريّةً وتمكينًا، وسبَّابتُك التي شهدَتْ بالتّوحيد ترسلُ على الدَّوام أمواجَ الرُّعب في قلوبهم المصنوعة من طغيانٍ ووَرَق.
كلّما ألقَوا حَبيبًا لنَا في غَيابةِ الجبِّ استَعَرنَا لِسانكَ مُعلنِينَ له: "أَخي أنتَ حرٌّ وراء السُّدود".
وتَتفجّر فينَا الحريّة بمعناها الأشمّ، إذ نصدح له بأيقونَتِك : "أخي أنت حرٌّ بتلك القيود".
وتعلُو على هاماتِ الطُّغاة نِعالُنَا، ونحنُ نغرّد ترانيمَك عن "هُبَل؛ رمز السَّخافة والدّجل".
ونستنشِقُ عبيرَ الجيل الأوَّل في ركب الاسلامِ إذ تَزدَري في لحظةَ الرّحيلِ الى الخلودِ العمائمَ التي ما فَتِئَتْ تأكلُ الفُتَاتَ على مَوائدِ فراعنَة العَصر، ونَمارِيد الزَّمان، فنعلم كيفَ تكون لا إله الا الله سلاحًا أمضى من السَّيف وأقطعَ من النَّصل، وقد أَرادوها مُثَلَّمةً لا روحَ فيها، وأرَدْتَها مُسَلَّمَةً لا شِيَةَ فيها تسرُّ النَّاظرينَ وتُحيِي الغَافلينَ وتزلزلُ الطُّغاةَ المجرمين.
تطيرُ أفئدتُنا إليكَ لنراكَ وأنت تقابلُ القاتلَ بابتسامةِ النَّصرِ لنوقنَ كيفَ تكون الكلمةُ أسطعَ من الشَّمسِ في محو دياجيرِ الاستبداد والطغيان.
أيّها الرّاحلُ من اثنتين خمسينَ سنةً عن أدرانِنَا ولوثَاتِ حياتِنَا:
قَرَّ عيناً فقد فرّ طغاةُ القيروان؛ وأُحرِقَت بالنَّار جبهةُ مسيلمةَ اليمن قبل هلاكِه مذءوماً مدحوراً؛ وداسَ أحفادُكَ عنقَ القاذفِ شَرَّهُ في ليبيا، فغدا تحت الرّمال مجندلاً عبرةً لكلِّ معتبر، وجُندُ قلمكَ ومواقفكَ في الشَّامِ يستحيلُ الياسمينُ في أيديهِم رصاصًا يصرخُ في وجه طاغية العصرِ وزبانيتِه: "المستقبلُ لهذا الدِّين".
ودماءُ بناتِكَ وأبنائكَ في رابعةَ ـ الذينَ أَبَوا إلَّا دربكَ لهم ـ تنتصبُ لكلِّ من أرادَ كرامةَ الدَّارَين "معالمَ في الطَّريق".
أيُّها السَّاكنُ من اثنتين خمسينَ سنةً في شغافِ المَسرَى:
كم حاولوا أن يسلَخوا فلسطينَ عنكَ فما ازدادَتْ الاّ تعلُّقًا بك، وهاهم قد حفروا الأَخاديدَ في جَنَبَات غَزَّة كلّها، لَيحرِقُوا أحبابكَ فما أحرَقُوا غيرَ الخَوفِ المُعشِّشِ في قُلوبِهِم، وكانَتْ الأجسادُ وقودَ جهادٍ يعيدُ إلى النِّصابِ "معركَتَنا معَ اليهود".
ها هي غزَّة؛ مثلك في السِّيادة والشَّهادة؛ صاحَ النَّاسُ فاهتزَّت جَنَبَاتُها يومَ أطلَقوا سهامَهم إلى صدرِها لِيُخرِسُوا أصواتَ أبنائِها، ويدفنوا الحقَّ في نفوسِهِم؛ وعَلَتْ صيحاتُهم هاتفينَ مثلما عَلَتْ صيحاتُ تلاميذكَ في أرجاءِ المعمورةِ يوم اهتَزَّت أعوادُ المشنقَةِ بجسدِكَ المعجونِ بالضِّياء: آمنَّا بربِّ الشَّهيد؛ آمنَّا بربِّ الشَّهيد!!
#ذكرى_إعدام_سيد_قطب
وسوم: العدد 787