السياسة الأمريكية.. عود على بدء
إن تراجع الليبرالية الأمريكية وتخليها عن القيم
الكونية والإنسانية والتدني الأخلاقي والسلوكي
للسياسة الأمريكية ليس أمراً جديداً أتى بمجيء ترامب ولم يكن تصرفاً فردياً من قبل الرئيس ترامب وإنما نستطيع أن نؤكد أن تصرفات الرئيس ترامب نابعة من سلوكيات وإستراتيجيات وعقيدة وفهم المؤسسات الأمريكية التي تحكم وتوجه من هم في البيت الأبيض
وهذه العقيدة والإستراتيجة والعقلية والسلوك
ليس جديداً في سياسة الولايات المتحدة
فمنذ عام ١٩٤٧ وفي شهر شباط تحديداً سَلم القنصل البريطاني حينها رسالة إلى الخارجية الأمريكية مكتوب فيها أن بريطانيا العظمى عازمة على مغادرة منطقة الشرق الأوسط وتطلب من الحكومة الأمريكية أن تحل محلها في الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط؟؟؟
فكان رد الخارجية الأمريكية على القنصل البريطاني أن يمهلم ثلاثة أيام للرد على هذه الرسالة!!!
هذا ما ذكره وكتبه مايلز كوبلاند في مذكراته (مايلز كوبلاند هوأحد مؤسسي وكالة الإستخبارات الأمريكية فيما بعد)وخلال هذه الأيام الثلاثة كانت هناك عدة لقاءات لمؤسسات الأمن القومي الأمريكي والإستخبارات ودوائر صُنع القرار ومراكز البحوث ذات الصِّلة
فقررت أمريكا في رسالة سلمتها الخارجية الأمريكية الى القنصل البريطاني قبول العرض البريطاني بأن تحل أمريكا مكان بريطانيا العظمى بشرط أن تكون الإستراتيجية الأمريكية قائمة على مرتكزين
الأول: أن الحلال والحرام والعيب أن هذه أمور شأنها سأن الكنيسة أي لا علاقة لها في السياسة
(فمثلاً لو أُبيد الشعب الفلسطيني أو قُتل مليوني عراقي أو أُبيد الشعب السوري بكافة أنواع الأسلحة العادية والكيماوية و المحرمة دولياً على مرأى ومسمع من العالم بل بمشاركة أمريكية إيرانية روسية
أو لو أُزيل نظام ديمقراطي كما حدث في مصر عبر المجازر والذبح والدماء كما حدث في مجزرة رابعة والنهضة ومن ثم أُودع الرئيس مرسي ورفاقه الأحرار السجون أو تدبير إنقلاب دموي على الرئيس أردوغان كما حدث في تركيا الحليفة ومن ثم محاولة تدمير اقتصادها أو كما حدث في تشيلي حيث قُتِل الرئيس المنتخب أليندي وأُطيح بالديمقراطية وغيرها من الأمثلة الكثيرة فكل هذا جائز ومبرر ولا يوجد أي مشكلة طالما مصلحة أمريكا تقتضي ذلك
ثانياً:لو أقتضت مصلحة أمريكا أن تُضحي بدولة حليفة أو رئيس أو ملك أو حاكم حليف كما تم ذكره أعلاه فلا يوجد هناك أي حرج
فهذه هي الأسس الحقيقة التي تقوم عليها سياسة الولايات المتحدة الأمريكية كما كتبها ووصفها مايلز كوبلاند في مذكراته والذي أصبح فيما بعد رئيساً لوكالة الإستخبارات
الأمريكية وبعد وصوله الى سن التقاعد عاش في مصر وعمل مستشاراً للرئيس عبد الناصر
وبعض نوابه ، فهذه هي أمريكا الليبرالية صاحبة القيم الكونية والقيم السياسية
وسوم: العدد 787