المحددات الفارقة بين التراجع والمراجعات. أو المحددات الفاصلة بين تغيير الأقدام وتغيير الأفهام
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فحال معايشة أبناء الأمة بعامة والحركة الإسلامية بخاصة -مفردات سنة التدافع- مع الحركات المعادية لهذا الدين سواء كانت حركات باطنية رافضيه (خمينية حوثية) أو علمانية ليبرالية، اشتراكية ديكتاتورية في زيّها الديمقراطي الذي لا يقيم للموروث الشرعي وزنًا بل أقصى ما يقدمه له أن يساويه مع حثالة الأفكار والمفاهيم الغربية أو الشرقية المحدثة من تجمعات اجتماعية قبلية أو مدنية حديثة أطلقوا عليها المنتديات الثقافية أو التجمعات القانونية المواكبة لأهواء الأجيال المعاصرة أو العقول البالية التي عاشت تتابع الهزيمة النفسية والعقلية للجنس البشري يوم أن انقلبت على موروثاتنا العقدية والفكرية والتاريخية... يظهر التفكير في أمرين لا ثالث لهما وهما:
أولاً: الاستمرار على طبيعة توظيف الآلة المعرفية والمدارس الفكرية العاملة على الساحة بنفس آلية التفكير الموروثة عن المؤسسين أفراد أو جماعات بشرية من القادة الفكريين لكل مدرسة أو رؤية أو مذهب أو جماعة أو حزب أو طائفة قبلت العمل بمسمى أو راية زمانية أو فكرية أو مكانية.
ثانياً: التفكير في المراجعات لطبيعة منهجيات الفِرق والطوائف أو الجماعات أو الأحزاب العاملة على الساحة وبخاصة مدرسة الإخوان المسلمين كمكون جامع لأكثر الفصائل الإسلامية العاملة على الساحة المعاصرة، والتيار السلفي العام بشكله التنظيمي في الدعوة السلفية أو المسميات السلفية الأخرى والتي في غالبها تكوّنت كردود فعل عقب تنوع في رؤية سلفية لم تستوعبها العقول إلا في البحث عن راية موازية زعماً أنها تحقّق التميّز فما كانت إلا حققت التآكل البيني لا التكامل المحمود والمرجو في عالم الواقع ودنيا الحقيقة .
وهنا نبحث عن المحددات الفاصلة بين التراجع والمراجعات أو بين تغيير الأقدام وتغيير الأفهام.
-هل كل تفكير في وجوب إعادة النظر في طبيعة مكونات الرايات المكونة لعموم الأمة يمثل تفكيراً في الهزيمة النفسية والاستسلام للخصوم العقديين سواء كانوا علمانيين أو ليبراليين أو باطنية حوثية صوفية مغالية أو وسطية كما زعموا؟
-لماذا يتم الدمج والربط بين التفكير في المراجعات العاقلة للهوى والحاكمة للتصورات، وبين فكرة المؤامرة على الدعوة الإسلامية والحركة الإسلامية المعاصرة؟
-هل كلما جاء صوت عالم أو شيخ أو شاب أو مجلس علمي يفكر في منهجية النقد العلمي لطبيعة تعامل القادة المعاصرين مع قضايا الواقع لا نجد أمامه إلا الرمي بعقدة التخوين والاتهام لمجرد التفكير في طبيعة عمل القادة، هل توازت مع الواقع المعاصر؟ وهل حققت الشمولية في تقييم واقع ودراسة مآلات تصوراتهم الفكرية والسياسية والاقتصادية؟ أم جعلوا من أسبقية الانتماء عاصمًا من النقد والتفكير في سلبيات قادة أو سلبيات عقول أسرها الهوى الحزبي، والتنظيم الجماعي من خلال توريث نظرية صك الغفران لمن دان بالولاء وعايش وعاش الانتماء لجزئيات فكرية في ظاهرها الرحمة وباطنها التأسيس لمفردات التفرق والعذاب للأجيال المعاصرة من أقصى الأرض إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها. التفكير في المراجعات الفكرية للتنظيمات الفكرية المعاصرة ضرورة سواء كانت: إخوانية أو سلفية أو جهادية أو صوفية...
المحددات الفاصلة بيت التراجع والمراجعات:
الأمة الواعية تعيش الأمل والنظر للمعالي وتخترق حجاب الطموح إلى قمة الهرم المعرفي شرط ألا تفارق أقدامها الواقع المعاصر الذي تعيش فيه.
والتفكير في المراجعات للتفريق بين الموروث المقدّس من الدين، وبين الرؤى السياسية المعاصرة والتي تراها العقول غير مقدسة فليس من العقلانية والمنهجية في شيء الدمج بين النصوص المقدسة، والعقول المعاصرة الغير مقدسة.
فالمراجعات تعمل من خلال صيانة المقدّس وإمكانية تبديل أماكن العقول الغير مقدسة، مثل الأفراد أو القادة سواء كانت لحزب أو جماعة تعمل تحت راية إخوانية أو سلفية أو...
المشاركة السياسية والاستمرار في آليات وسبل حدّدتها العلمانية المعاصرة للتنظيمات الإسلامية المعاصرة هل التعامل معها ثابت أم متغير؟
طبيعة الزمان والمكان والقوى الحاكمة على الساحة وطبيعة الصف الإسلامي من حيث التنوع الذي يحقق التكامل، أو التنوّع الذي يؤسّس للتفرق للتنازع كلاهما من محددات التراجع أو المراجعات حين يدب الهوى والتيه داخل النفوس، وتعمل الحالة النفسية والعقلية والاجتماعية شتى التصورات والمفاهيم والعقول حينها قد يكون التفكير في المراجعات أولى من التراجع الذي لا نقول به البتة فالإصلاحي الواعي يغير أقدامه ولا يغير عقيدته.
عدم الخلط بين الثابت والمتغير في عالم السياسة الحاكمة للواقع المعاصر من حيث الممكن والمأمول في درجات الحماية والوقاية للأجيال من علل التجمعات العاملة على الساحة فالنجاح قد يكون في تحييد الخصوم لا في استفزازهم.
والنجاح قد يكون في حراسة منهجية تقليل الخسارة لا في زيادة الأرباح والمكاسب...
حراسة مفردات الاعتقاد ليس معناها الانغلاق التام، وعدم التعامل مع محدّدات لازمة في المعايشة مع واقع معاصر لا مع خيال علمي تؤسس له أطروحات السابحون في أنهار التيه الفكري عقب تمدد الرؤية الصفرية للنزاع، ومن ثم يتم شيطنة كل الدعوات الساعية لتخفيف من حدّة الصراع الفكري حتى تجد الدعوة محاضن آمنة تقوم بإعادة القراءة للتاريخ والواقع، ووضع منهجية للمستقبل بعيدة عن بيئة الاتهام أو المتابعة بتفكير صك الغفران الملازم لكل من تابع الرؤى السياسية المعاصرة، وصك العذاب الملازم للمخالفين، ومن ثم أصبح مجرد التفكير في المراجعات يعتبر عارًا وهزيمة نفسية تخشى النفوس من التفكير فيها مخافة سيوف الإعلام الموالية للرؤية الغير مقدّسة، والتي انتجتها عقول مختزلة في مفاهيم أحادية قد يصيب أفرادها وقد يخطؤون، أما من جعلوهم سدنة للعصمة فلا يرون فيهم إلا وريثوا القداسة، ومن ثم فلا مجال للمراجعات لأنها هزيمة وخيانة، ومن ثم تتولد بيئة التكفير لكل من يفكرر في تقييم تجارب تاريخ أو اجتهادات واقع أو صيانة أجيال في المستقبل من تدافع ظاهره الرحمة ومآلات العجز والفشل.
فالمراجعات صيانة للحقوق العقلية وذلك بالنقد البنّاء، ونقض عرى الباطل المعاصر سواء في حياة الأولياء أو الخصوم والأعداء.
المراجعات ليست طعناً في الجهود السابقة بل تزكية لها ووضعها في إطارها الطبيعي بلا غلو أو تفريط بل هي إعلان ببشرية القادة، وإمكانية وقوعهم في الخطأ، وإظهار لربانية المنهج الإسلامي وتسويق إعلامي للتفريق بين الإسلام كدين معصوم، وبين عقول آحاد المسلمين المعاصرين التي ربما تصيب وتخطأ، فتصبح المراجعات الاحتمالية والقراءة الهادئة للقادة والزعماء والعلماء بمثابة إعلان ب (ربانية هذا الدين)، وإزالة فكرة الكهنوتية عنه، فحين نحب شيخا أو عالما فهذا ليس معناه سحب للقداسة الفكرية على كل مفردات عقله! كلا وألف كلا، بل المقصود هو ضبط هذا الحب والولاء والنصرة بأصول الاعتقاد الشرعي وبالثوابت الأصولية ومتغيرات المنهجية المنضبطة بمنهجية المصالح المرسلة أصوليًا، وقبول الاجتهاد والتجديد والمعاصرة المتغيرات صيانة للثوابت، ومن ثم نقول بحتمية المراجعات الفكرية للمدارس العاملة على الساحة ولخاصة بعد تمدّد ظاهرة تكرار التجارب وتتتابع الانتكاسات.
آليات التحقيق الفعلي للمراجعات الفكرية:
الخروج من نفق الاتهام العشوائي وتوظيف المواقف السياسية للخلاص من كل مخالف للرؤية أو مفارق لها أو خصم لها.
والتأسيس للمجامع العلمية الجامعة التي تقبل التنوع، وتعيشه في عالم الواقع حياة اجتماعية لأنها تجفّف معين الربح للخصوم العلمانيين.
وقف نزيف العشوائية داخل الإعلام المعاصر لأنه يربّي أجيالًا لا تقيم للقادة العلميين وزناً، ولا هيبة علمية أو اجتماعية أو اقتصادية أو أدبية فكرية.
العودة للكليات الجامعة للأمة مع صيانة المفردات الجزئية، فما الأمة إلا كيانات جزئية، العقل يقول: إننا نحافظ عليها لأنها تكون نسيج الكيان الجامع للأمة بشكلها العام فالانشغال بها مضيعة وهجر فائدتها والسعي للقضاء عليها مهلكة، فما أجمل أن ندرك الوسطية الحاملة لمنهجية التقييم لجهد فرد أو جهد جماعة أو جهد أمة تتكون من الجميع.
وسوم: العدد 790