نظرة الإسلام إلى العقل

 أما نظرية الإسلام في مجال العقل فتعتمد على اعتبار العقل البشري هبة إلهية ثمينة وبالتالي يجب الحفاظ على سلامة هذا العقل من كل المؤثرات الضارة فحرم الإسلام المخدرات والمسكرات وكل ما يؤثر على عقل الإنسان وحرص على حث الإنسان على التفكر والتدبر وإعمال العقل وتطويره والبحث والدراسة والتمحيص وذلك لصيانة هذه الهبة الربانية الغالية التي تميز الإنسان عن بقية المخلوقات الأخرى .. يقول ربنا جل شأنه : ( قل انظروا ماذا في السموات والأرض ) .. وقوله أيضا : ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) .. كما أمر بالابتعاد عما يؤثر سلبا على هذا العقل الإنساني فحرم المسكرات والمخدرات والمفترات التي تضر بعقل الإنسان , يقول ربنا جل شأنه : ( إتما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) .. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أسكر كثيره فقليله حرام ) ...

إقرار سلطة الحق والعدل :

 ومن المبادئ الأساسية في مجال العلاقات الاجتماعية العامة أن قوة الحق فوق قوة الرأي وفي حال تعارض الرأي مع الحق وجب إحقاق الحق والتنازل عن الرأي حتى لو كان هذا الحق لصالح الأعداء أو المخالفين لنا في العقيدة ، يقول ربنا جل شأنه : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) وبذلك يلغي الإسلام كل أثر للعصبيات العرقية أو القطرية أو العنصرية ...

الحيوانات في الحضارات الأخرى :

إذا فتشنا في تاريخ الشعوب كلها فإننا لا نجد أي حضارة من الحضارات قد وضعت تنظيماً واسعاً وقوانين تحمي حقوق الحيوان قبل ظهور الثورة الفرنسية .. سوى الحضارة الإسلامية وبذلك تكون الحضارة الإسلامية قد سبقت كل الحضارات بوضع تشريعات خاصة بالرفق بالحيوان .. بل على العكس من ذلك فبدلاً عن الرحمة والرفق بالحيوانات فقد كانت الشعوب الأخرى تعامل الحيوان بكل قسوة .. ويمكننا هنا أن نسوق بعض الأمثلة لنقارن بين ما كانت عليه تلك الشعوب والحضارات وبين ما وصلت إليه الشريعة الإسلامية .

** لا تجد في تعاليم جميع الشعوب والحضارات تعاليم تحث الناس على الرفق بالحيوان ووجوب رحمته والعناية به ولا نجد أن للحيوان حقوقاً على مالكه.. وقد وضعت القوانين والتشريعات الخاصة بالرفق بالحيوان بعد الثورة الفرنسية وبذلك تكون الحضارة الإسلامية قد سبقت العالم في هذا المجال ألف سنة أو تزيد ...

** ولعل من الأمور المضحكة الساذجة أن القوانين الأوربية قبل القرن التاسع عشر كانت تحاكم الحيوان على جريرته تماماً كما يحاكم الإنسان العاقل ويحكم على الحيوان بالسجن أو الإعدام أو التشريد .. وهذا ما نراه أيضا في شرائع اليهود : ( إذا نطح ثور رجلاً أو امرأة ومات النطيح وجب رجم الثور وحرم أكل لحمه ولا تبعة على مالكه ) .. ( أن الثور إذا كان معتاد النطح وأنذر الناس صاحبه فلم يعبأ بإنذارهم وأهمل رقابته حتى تسبب في هلاك رجل أو امرأة كان جزاء الثور الرجم وجزاء صاحبه الإعدام ) .. ( إذا واقع رجل أو امرأة بهيمة وجب قتل الحيوان والرجل أو المرأة معاً ) .. أقوال عجيبة غريبة !!...

** وفي شرائع اليونان القديمة كان عندهم محكمة خاصة بالحيوانات والجمادات المتسببة في هلاك الإنسان اسمها ( البريتانيون ) .. يقول أفلاطون : ( إذا قتل حيوان إنساناً كان لأسرة القتيل الحق في إقامة دعوى على الحيوان أمام القضاء .. يستثني من ذلك القتل أثناء المبارزة بين الإنسان والحيوان في مسرح الألعاب العمومية ) .. وفي شرائع اليونان القديمة أيضاً : ( إذا سقط جماد على إنسان فقتله اختار أقرب الناس إلى القتيل قاضياً من جيرانه ليحكم على الجماد أن ينبذ خارج الحدود .. إذا عض كلب إنسان وجب على صاحب الكلب إن يسلم كلبه إلى المجني محكوماً ومشدوداً في الوثاق ليثأر لنفسه منه كما يشاء بالقتل أو التعذيب أو غيرها .. إن من حكم عليه بالإعدام لجريمة ارتكبها ضد الدين أو الدولة كان هو وأسرته وحيواناته وممتلكاته محكوماً عليهم بالحرق أو التدمير أو المصادرة ) .. أليست هذه القوانين مضحكة ساذجة ؟!!...

** وفي القانون الروماني القديم : ( يقضي بعقوبة الإعدام على الثور وصاحبه إذا نقل الثور إلى حراثة الحد الفاصل للحقل المجاور .. يقضى على الحيوان إذا رعى عشباً غير مملوك لصاحبه بوجوب تسليمه لصاحب الأرض الأخرى يتصرف به كيف يشاء ) ...

** نفس العقوبات السابقة نصت عليها قوانين قدماء الجرمان ( الألمانيين ) كما هي عند الإغريق والرومان ..

** وعند قدماء الفرس : ( يقضى على الكلب المصاب بالكلب إذا عض خروفاً فقتله أو إنساناً فجرحه أن يقطع أذنه اليمنى .. فإن تكرر ذلك منه قطعت أذنه اليسرى وفي المرة التالية تقطع رجله اليمنى وفي الرابعة تقطع رجله اليسرى وفي الخامسة يستأصل ذنبه ) ..

** وعند أوربا المسيحية في القرن الثالث عشر أقرت فرنسا مسؤولية الحيوان ومعاقبته بجرمه أمام محاكم منظمة بنفس الطرق القانونية التي يحاكم فيها الإنسان ثم انتقل هذا النظام إلى سردينيا في أواخر القرن الرابع عشر .. ثم أخذت به بلجيكا في أواخر القرن الخامس عشر وانتقل هذا القانون العجيب إلى هولندا وألمانيا وإيطاليا والسويد في منتصف القرن السادس عشر وظل العمل قائماً به في صقلية حتى القرن التاسع عشر .. فقد كانت محاكمة الحيوان عند الأوربيين في القرون الوسطى تقوم على ادعاء المجني عليه أو على إدعاء النيابة العامة ثم يتقدم وكلاء الدفاع عن الحيوان المجرم وقد تقضى المحكمة الحكم على الحيوان بالإعدام رجماً أو حبسه احتياطاً أو قطع رأسه أو قطع بعض أعضائه مثلاً أو بحرقه .. ولا يظن أحد أن هذه المحاكمات كانت هزلية بل كانت محاكمات جدية تماماً ولعل من الطريف والعجيب محاكمة قطط اتهمت بممارسة السحر وعقوبة هذه الجريمة الإحراق بالنار حتى الموت وحين تنفيذ هذا الحكم يجمع الحطب في ساحة من الساحات وتحضر القطط المحكوم عليها كل هرة في قفص من الحديد وعندما يحين تنفيذ العقوبة يحضر بعض القساوسة يصحبهم بعض الحكام فيتقدم أحدهم وفي يديه شعلتان من نار لإشعال الحطب ثم يأمر أحد الحكام بقذف القطط في النار حتى تصبح رماداً عقوبة لها على ممارسة السحر .. ولعل من المفيد أن نذكر بعض المحاكمات الشهيرة للحيوانات عند الأوربيين في القرون الوسطى لما فيها من الطرافة والعبرة والفكرة ولنحمد رب العالمين أن هدانا إلى الإسلام إلى دين التوحيد وأبعدنا عن مثل هذه الخرافات والاعتقادات الهزيلة المضحكة .. فلقد جرت في فرنسا في بلدة ( اوتون ) في القرن الخامس عشر .. محاكمة للفئران فقد اتهمت الفئران في هذه القرية بالتجمهر في الشوارع بشكل مزعج مقلق للراحة وتقدم للدفاع عن الفئران المحامي الفرنسي ( شاسانيه ) وطلب التأجيل لأن الفئران لم تتمكن من الحضور ووافقت المحكمة على التأجيل ولما جاء الوقت المحدد لم تحضر الفئران فقال محامي الدفاع أن الفئران كانت تود الحضور ولكنها تخشى وقوع الأذى عليها من القطط المحيطة .. وهكذا تم تبرئة الفئران لعدم استطاعة السلطة من تأمين الحماية لها وبالتالي حرمت وسائل الدفاع عن نفسها .. ومن أغرب قضايا محاكمة الحيوان في القرون الوسطى محاكمة الديك الذي ( باض ) في مدينة بال في سويسرا عام 1474م .. فقد رفعت دعوى على هذا الديك لأنه كان سائداً في عرف الأوربيين في ذلك الزمان أن السحرة يبحثون عن بيضة الديك ليستخدمونها في أغراضهم الشيطانية وقدم الديك للمحاكمة .. ودافع محاميه عنه بقوله : كيف يكون الديك مسؤولاً عن واقعة لا حيلة له فيها ؟ ولكن المحكمة لم تأخذ بنظرية محامي الدفاع بل أصدرت بإعدام الديك ليكون في ذلك عبرة لغيره من الديكة ...!!!. وفي مقاطعة ( سان جوليان ) في فرنسا تقدم أصحاب مزارع العنب بدعوى ضد حشرات السوس بتهمة أنها أتلفت كرومهم وقضت على أشجارهم وصناعتهم وتجارتهم وتولى الدفاع عن هذه الحشرات اثنان من كبار رجال القانون واستمرت القضية أربعين عاماً دون التوصل إلى حل بين المدعين والمدعى عليهم !!!...

وسوم: العدد 795