صلاحُ الغربيين: توضيحات وملاحظات
▪نشرت مقالاً عَنْوَنتُه ب(الغربيون أصلحُ من المسلمين في صناعة الحياة)، وعلى إثر ذلك حدثت تفاعلات كثيرة في الفايسبوك وعشرات المجموعات في الواتسآب والتليجرام، وتراوح الأمر بين الإعجاب الشديد لدرجة أن هناك من اعتبروه مقال العام 2018، وبين الاستنكار الشديد إلى حدّ الشّتْم والقذف بأقذع الألفاظ، حيث وردتني ردود عديدة وصلت حِدّةُ بعضها إلى حَدّ تسفيهي بالجملة وشيطنة أفكاري بل واتهامي في ديني وعقلي وشهادتي العلمية!
▪لا أريد في هذا المقال أن أدافع عن نفسي، فلستُ متهماً ولقد كتبت كتبتُ قناعتي كما تبدّت لي، حيث تَعبَّدني الله بعقلي لا بعقول غيري، ولن أردّ على أحد من هؤلاء ولن أفنّد ما ورد في مقالة أي منهم، وإنما أريد إيضاح ما قد التبس على بعض الطيبين من أمور جعلتهم ينحون ذلك المنحى الاتهامي الصرف لشخصي الضعيف الذي ما عرف نفسه منذ نعومة أظافره إلا منافحاً عن هذا الدين بلسانه ويراعه ولله الحمد والمِنّة، وما فتئ يعتز بهذا الدين وبعظمته التي لا نظير لها في دنيا الأديان، حتى أنني كلما كبرت وزادت قراءاتي وخبراتي ازددت يقيناً بعظمة هذا الدين وفي ذات الوقت فإنني أزداد إدراكاً للبون الشاسع الذي ينتصب بين الإسلام بتَعَمْلُقِه وبين المسلمين بتَقَزُّمِهم حتى صارو فتنةً للناس وإعلاناً متحركاً ضد هذا الدين بتصوراتهم الشّوهاء وتصرفاتهم الشّاذّة!
▪لقد اتضحت كثير من مظاهر الأزمة الفكرية في ردود كثير ممن تطوّعوا للمرافعة عن الإسلام أمام ما يظنونه تجديفاً ضد الإسلام وانحيازا للغرب، وبرزت الانفعالية وروح الدفاع الخاوي من الحقائق والمتسلح بسوء الظن وكثرة الظنون والأوهام وبالشتائم والاتهامات، وبرزت روح التسامي التي تتجاهل الوقائع وتضع رأسها في تراب الأماني والأوهام، وسأسعى لتوضيح بعض الملابسات وإبراز عدد من الملاحظات التي قد تزيل الكثير من الشكوك والأوهام، حتى يتم فهم الموضوع كما أردته وليس كما يتخيله هؤلاء، وأهم هذه الملاحظات هي:
*1 - الخلط بين الإسلام والمسلمين:*
يخلط كثير من المسلمين اليوم ونتيجة للأمية الفكرية التي يعانون منها بين الإسلام والمسلمين، فكل من انتقد المسلمين يَردون عليه بالدفاع عن الإسلام وكأنهما شيئ واحد، ذلك أن عقولهم الباطنية تعاني من هذا الخلط، وهو ذات الخلط بين الدين والتدين!
*2 - تجاهل نسبية الصلاح وعدم التفريق بين البُعْدين الدنيوي والأخروي:*
وهذا ما سنوضحه في مقال قادم بإذن الله.
*3 - إساءة فهم مصطلح العباد:*
وسنوضح هذا الأمر كذلك ضمن كتابات قادمة ذات صلة بالموضوع.
*4 - الخلطُ بين الوجهين الحضاري والاحتلالي للغرب:*
انصبّ مقالي على الجانب الإيجابي للغرب، والذي يتركّز في الوجه الحضاري الذي منح أهله كل هذه القوة والهيمنة، فيأتي من يرد عليك بالحديث عن مظاهر الهيمنة والاحتلال ويعزز كلامه بإيراد بعض صور الظلم والقهر التي يوقعها بعض الغربيين ببلدان إسلامية وكأنك لا تعرفها أو كأنك تُسوِّق للوجه الاستعماري للغرب!!
*5 - عدم تحرير مَحَلّ النزاع:* تحدّثت كثير من الردود عن أن التمكين كان للمسلمين قبل قرون وأن المسلمين ستعود الجولة لهم، وكأننا نتحدّث عن تَمكين أزلي للغربيين وأننا لا نعرف أن الأيام دُوَل.
لقد أوضح مقالنا أن التمكين الحاصل الآن إنما هو ثمرةٌ طبيعية للأخذ بالسّنَن والتسلّح بالأسباب، مما يعني بالضرورة أننا كمسلمين لن نعود إلى ناصية المجد ومَتْن صناعة الحياة ما لم نستكمل الأخذ بالأسباب ونُحسن استثمار السُّنَن، فهل في ذلك افتتان بالغرب أم أنه انحياز لقيم القرآن وحقائق الواقع وآمال المستقبل؟!
*6 - تجاهُل الواقع ومآلاته في النقاشات النظرية:*
ناقش كثيرون الموضوع وكأنه موضوع نظري بحت، مُنكرين أن يكون لغير المسلمين تمكين ووراثة، وكأن هؤلاء لا يرون مدى تغوّل الغربيين في حياة البشر منذ قرون، فقد جعلوا ما يسمى بالعالم الجديد والذي يضم ثلاثاً من قارات العالم، وهي أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وأستراليا، قارات ذات ثقافة مسيحية ليبرالية أوروبية، بينما العالم الإسلامي يُنتقص من أطرافه ويشهد انقلابات خطيرة في قلبه عليه من بعض أبنائه وبأسلحته وأمواله، وإن العالم اليوم يتسابق على تعلم أصول الحضارة الغربية ببعديها المدني والثقافي؛ نتيجة غرام الضعيف بتقليد القوي وعقدة اتباع المغلوب للغالب، فكيف أمكن للبعض تجاهل ذلك كله والذهاب إلى أن وراثة الأرث ماركة إسلامية خالصة؟!
طيب فهل أخلف الله وعده لعباده المؤمنين؟ أو ليسوا في ذيل القافلة الحضارية منذ نحو قرنين على الأقل؟ أم أن الحضارة مثل الشمس تغرب هنا لتشرق هناك وفق تعامل الناس مع الأسباب والسنن؟
*7 - المَرجعية التراثية والانتقاء المزاجي:*
قام كاتب هذه السطور بالاتكاء في كتابة مقاله السابق على فهمه لبعض آيات القرآن الكريم، فإذا ببعض من يَردّون عليه يستندون على أقوال تراثية وعلى تأويلات غير عصرية لنصوص القرآن، وحتى عندما أوردت آراء بعض من تبنّى ما ذهبت إليه في فهم آية سورة الأنبياء، فإن هؤلاء قد تجاهلوا ذلك وأصروا على الاستشهاد بمن يؤيّدون وجهات نظرهم فقط، مما يبرز جانباً من أزمة الفكر الإسلامي المعاصر ويُجسّد جانباً من جوانب انسحاب الوراثة من مجتمعاتنا في القرون الأخيرة، لتَنْصَبّ لصالح العدو الذي يتربص بنا الدوائر ونحن لا نحسن سوى الكيد لبعضنا والمكر بأنفسنا والتآمر على ذواتنا!!
على كلٍ سنكتب في الأيام القادمة بضع مقالات في هذا الاتجاه، وسنحاول إزالة اللبس الحاصل وإبراز نواحي التفوق الحضاري التي من أخذ بها نجا من الانحطاط ونجح في العروج الحضاري، ونسأل من الله التوفيق والإعانة.
وسوم: العدد 796