قدوة القيادة في الإسلام 14

قدوة القيادة في الإسلام

الحلقة الرابعة عشرة : الهجرة إلى الحبشة2

د. فوّاز القاسم / سوريا

لقد رأينا في الفصول السابقة أن موقف النبي صلى الله عليه وسلم الدعوي ، كان قد تجمد في مكة ، على إثر فشل المفاوضات الكبرى بينه و بين المشركين، ورأينا كيف صعّد المشركون ، من ضغوطهم على المسلمين ، فساموهم من أصناف الأذى وألوان العذاب ما لا طاقة لبشر على احتماله …

ولما كان نهج النبي صلى الله عليه وسلم وخطته ، لا تسمح بالمواجهة في مرحلة الاستضعاف المكية ، للأسباب والمسوغات التي ذكرناها سابقاً ، ولما كان مطلوباً منه صلى الله عليه وسلم ، أن يجد حلاً ، ويتخذ قراراً ، يخفف فيه عن أصحابه محنـتهم ، وينقذ عقيدتهم ، ويحفظ دماءهم وأعراضهم .

لذلك فقد اتخذ قرار الهجرة ، وخير أصحابه ، فمن كانت لديه طاقة على الصبر والاستمرار في مكة فليصبر ، ومن لم يستطع ، فعليه بالهجرة . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوخى من قراره هذا ، فائدتين رئيسيتين ، على الأقل :

الأولى : البحث عن قاعدة آمنة للدعوة ، تكون مرتكزاً للمسلمين ، وموطئ قدم لهم ، وذلك تحسباً لأي طارئ قد يضطرهم إلى المغادرة الاضطرارية لمكة .

والثانية : تأمين حياة أصحابه ، وحماية عقيدتهم من الفتنة ..

قال ابن اسحق : فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما يصيب أصحابه من البلاء ، وما هو فيه من العافية ، بمكانه من الله ، ومن عمه أبي طالب ، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء  قال لهم :

(( لو خرجتم إلى أرض الحبشة ، فان بها ملكاً لا يُظلم عنده أحد ، وهي أرض صدق ، حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه )).

فخرج عند ذلك المسلمون إلى أرض الحبشة ، مخافة الفتنة، وفراراً إلى الله بدينهم ، فكانت أول هجرة في الإسلام  .

وكان خروجهم الأول في رجب من السنة الخامسة للبعثة الشريفة ، وخرجت قريش في آثارهم ،حتى بلغوا البحر فلم يدركوا منهم أحداً .!

ثم رجعوا إلى مكة في شوال ، بعد أن أقاموا في الحبشة شعبان ورمضان ، وذلك لما بلغهم أن قريشاً قد صافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكفوا عنه ..

ولما استمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على سب آلهتهم ( أي قريش) ،عادوا إلى شر ما كانوا عليه ، وازدادوا شدة على من أسلم . فلما قرب مهاجرة الحبشة من مكة ، وبلغهم أمرهم ، توقفوا عن الدخول ، ثم دخل كل رجل مسلم في جوار رجل من قريش .

ثم اشتد عليهم البلاء والتعذيب من قريش ، وسطت عليهم عشائرهم ، وصعب عليهم ما بلغهم عن النجاشي من حسن جواره ، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى الحبشة مرة ثانية .

فخرجوا ، فكان خروجهم الثاني أشق عليهم وأصعب . وكان عدة من خرج في هذه المرة ، بضعة وثمانين رجلاً ، وتسع عشرة امرأة .

ولنترك لأم سلمة رضي الله عنها ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، تحدثنا عن تفاصيل هذه الرحلة المباركة ، اعتباراً من لحظة الوصول إلى الحبشة كما رواها ابن اسحق .

قالت : لما نزلنا أرض الحبشة ، جاورنا بها خير جار ، النجاشي ، أمنّا على ديننا ، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ، ولا نسمع شيئاً نكرهه.  فلما بلغ ذلك قريشاً ، ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين منهم جلدين ، وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة. وكان من أعجب ما يأتيه منها الأدم ، فجمعوا له أدماً كثيراً ، ولم يتركوا من بطارقته أحداً إلا أهدوا له هدية ، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة ، وعمرو بن العاص ، وأمروهما بأمرهم ،

وقالوا لهما : ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلما النجاشي فيهم، ثم قدّما إلى النجاشي هداياه ، ثم سلاه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلمهم  

قالت : فخرجا حتى قدما على النجاشي ، ونحن عنده بخير دار عند خير جار . فلم يبق من بطارقته بطريق ، إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي ، وقالا لكل بطريق منهم : إنه قد ضوى (لجأ) إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينكم ، وجاؤوا بدين مبتدع ، لا نعرفه نحن ولا أنتم ، وقد بعثَنا إلى الملك فيهم أشرافُ قومهم ليردهم إليهم ، فإذا كلمْنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم ، فان قومهم أعلى بهم عيناً ( أي أبصر بهم ) و أعلم بما عابوا عليهم . فقالوا لهم : نعم .

ثم إنهما قدّما هداياهما إلى النجاشي فقبلها منهما ، ثم كلماه فقالا له مثل ما قالا للبطارقة .

قالت : ولم يكن شئ أبغض إليهما من أن يسمع الملك كلامهم .

قالت : فقال بطارقته حوله : صدقا أيها الملك ، قومهم أعلى بهم عيناً، وأعلم بما عابوا عليهم ، فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم . قالت : فغضب النجاشي ، ثم قال : لاها الله ، إذن لا أسلمهم إليهما ، ولا يُكاد قوم جاوروني ، ونزلوا بلادي ، واختاروني على من سواي ،  حتى أدعوهم ، فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم،  فان كانوا كما يقولان ، أسلمتهم إليهما ، ورددتهم إلى قومهم ، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما ، وأحسنت جوارهم ما جاوروني .

قالت : ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم، فلما جاءهم رسوله ، اجتمعوا ، ثم قال بعضهم لبعض :

ما تقولون للرجل إذا جئتموه.؟ قالوا : نقول والله ما علمنا ، وما أمرنا به نبينا ، كائناً في ذلك ما هو كائن . فلما جاؤوا ، وقد دعا النجاشي أساقفته ، فنشروا مصاحفهم حوله ، سألهم فقال : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ، ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الملل .!؟ قالت : فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب ، فقال له : أيها الملك ، كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام ، ونسئ الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، وكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله وحده ، لا نشرك به شيئاً . وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام .

قالت : فعدد عليه أمور الإسلام .

فصدقناه ، وآمنا به ، واتبعناه على ما جاءنا به من الله ، فعبدنا الله وحده ، فلم نشرك به شيئاً ، وحرّمنا ما حرّم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا . فعدا علينا قومنا ، فعذبونا ، وفتنونا عن ديننا ، ليردونا إلى عبادة الأوثان عن عبادة الله ، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث.  فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك ، أيها الملك .!

قالت : فقال له النجاشي : هل معك مما جاء به عن الله من شئ .؟

فقال جعفر : نعم . فقال له النجاشي : فاقرأه علي .

قالت : فقرأ عليه صدراً من سورة مريم .

قالت : فبكى والله النجاشي حتى اخضلّت لحيته ، وبكت أساقفته حتى اخضلّوا لحاهم ، وبللوا مصاحفهم ، ثم قال لهم النجاشي : إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة . انطلقا فلا والله لا أسلمهم إليكما ، ولا يكادون...

قالت : فلما خرجا من عنده ، قال عمرو بن العاص : والله لآتينه غداً عنهم بما أستأصل به خضراءهم .!

قالت : فقال له عبد الله بن أبي ربيعة ، وكان أتقى الرجلين فينا :

لا تفعل ، فان لهم أرحاماً ، وإن كانوا قد خالفونا .

قال : والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد .

قالت:  ثم غدا عليه من الغد فقال له : أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً ، فأرسلْ إليهم فسلْهم عما يقولون فيه . قالت : فأرسل إليهم ليسألهم عنه . قالت : ولم ينـزل بنا مثلها قط .

فاجتمع القوم ، ثم قال بعضهم لبعض ، ماذا تقولون في عيسى بن مريم إذا سألكم عنه .!؟

قالوا : نقول والله ما قال الله ، وما جاءنا به نبينا ، كائناً في ذلك ما هو كائن .

قالت : فلما دخلوا عليه ، قال لهم : ماذا تقولون في عيسى بن مريم ؟

فقال جعفر بن أبي طالب : نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم ، يقول : هو عبد الله ، ورسوله ، وروحه ، وكلمته ، ألقاها إلى مريم العذراء البتول .

قالت : فضرب النجاشي بيده إلى الأرض ، فأخذ منها عوداً ، ثم قال:

والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود ، قالت : فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال . فقال : وإن نخرتم والله .

اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي – أي آمنون – من سبّكم غرم ، ثم قال : من سبّكم غرم ، ثم قال : من سبّكم غرم ..

ما أحب أن لي دَبْراً (جبلاً) من ذهب ، وأني آذيت رجلاً منكم .

ردُّوا عليهما هداياهما ، فلا حاجة لي بها ، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد عليّ ملكي ، فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس فيّ فأطيعهم فيه .

قالت : فخرجا من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءا به ، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار .

قالت : فوالله إنا لعلى ذلك إذ نـزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكة ، فوالله ما علمتنا حزنّا حزناً قط ، كان أشد علينا من حزن حزنّاه عند ذلك ، تخوفاً أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي ، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه. 

قالت : وسار النجاشي ، وبينهما عرض النيل ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رجل يخرج حتى يحضر وقيعة القوم ثم يأتينا بالخبر ؟  فقال الزبير بن العوام : أنا .

قالوا : فأنت ، وكان من أحدث القوم سناً ..

قالت : فنفخوا له قربة ، فجعلها في صدره ، ثم سبح عليها حتى خرج الى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ، ثم انطلق حتى حضرهم.

 قالت : فدعونا الله تعالى للنجاشي بالظهور على عدوه ، والتمكين له في بلاده . قالت : فوالله إنا لعلى ذلك متوقعون لما هو كائن ، إذ طلع الزبير وهو يسعى ، فلمع بثوبه وهو يقول : ألا أبشروا فقد ظفر النجاشي ، وأهلك الله عدوه ، ومكن له في بلاده .!

قالت : فوالله ما علمتنا فرحنا فرحة قط مثلها .

قالت : ورجع النجاشي ، وقد أهلك الله عدوه ، ومكن له في بلاده ، واستوثق عليه أمر الحبشة ، فكنا عنده في خير منزل ، حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة . هشام1( 334  )

 

الدروس والعبر

من القراءة المتأنية لهجرة المسلمين إلى الحبشة نخلص إلى الدروس والعبر التالية :

أولاً_ الهجرة هي قرار قيادي ، ذات أهداف ومسوغات دعويّة :

لقد جاءت الهجرة كما رأينا ، بقرار الرسول صلى الله عليه وسلم :

(( لو خرجتم إلى أرض الحبشة)).

وجاءت لأهداف محددة ، بما يخدم العقيدة والدعوة والقضية .

وليست مجرد هروب من الساحة ، أو تخاذل عن المواجهة ، أو فرار من المعركة ..!

نعم قد يكون من أهم أهدافها ، استبقاء أرواح المسلمين ، وعصمتهم من الفتنة ، وحفظ عقيدتهم وأنفسهم ، والتي قد يشم منها رائحة المصلحة الذاتية . لكنها في الحقيقة مصلحة الدين والدعوة .

لان مصلحة الدعوة على المدى البعيد ، تكمن في حفظ أرواح المسلمين ، لكي يتقدموا ويجاهدوا في الظرف والمكان المناسب . وفي هلاكهم قبل نضوج الخطة واكتمالها ، ضرر للدين ، وخسارة للقضية ، وفسح المجال للجاهلية ، أن تعيث في الأرض فساداً كما يحلو لها …

ثانياً_  الحضور القيادي ، ودقة الاختيار ، وحسن التخطيط :

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حاضراً على رأس جنوده وهو يتخذ قرار الهجرة . ولقد كان اختياره لأرض المهجر موفقاً ، بناءً على معلومات أكيدة يعرفها ، وليس خبط عشواء . فلقد كانت أخبار ملك الحبشة العادل قد ملأت الآفاق .

ولذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : (( فإن بها ملكاً لا يُظلم عنده أحد ، وهي أرض صدق )) .

ثم لم يكن ليكتفي بذلك حتى أرسل مجموعة استطلاعية لدراسة الأرض على الواقع . وهذا هو معنى ما يذكره أهل السيرة من أنه كانت هناك هجرتان . هجرة أولى ذات عدد محدود بهدف الدراسة والاستطلاع . انطلق المهاجرون فيها في رجب من السنة الخامسة للبعثة ، ومكثوا في الحبشة شعبان ورمضان ، ثم عاد قسم منهم بالمعلومات الأكيدة عن صلاحية أرض الحبشة للهجرة ، ولقد كانت فعلاً كما توقع النبي صلى الله عليه وسلم ، أرض صدق .

وعلى أساس معلومات هؤلاء العائدين وتشجيعهم ، حصلت الهجرة الثانية أو الهجرة الكبرى ، التي بلغ عدد المسلمين فيها بضعاً وثمانين رجلاً ، وتسع عشرة امرأة …

ولكي ندرك حسن التخطيط لها ، وعظمة السرية فيها ، لنتصور كيف يخرج مثل هذا العدد من مكة دون أن يشعر بهم أحد ..!

يقول أهل السير :  وخرجت قريش في آثارهم حتى جاؤوا البحر فلم يدركوا منهم أحداً  .!

وهل يتم ذلك إلا بناءً على تخطيط محكم ، وسرية فائقة .!؟

ثالثاً_  دروس في كرم الضيافة وحسن الجوار :

لقد كان النجاشي مثالاً للحاكم الشهم النبيل العادل .

ولقد صدق فيه حدسُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان فعلاً أهلاً لثقته . ولقد دخل التاريخ من أوسع أبوابه ، وراحت الأجيال ، جيلاً بعد جيل ، تحدث عن نبله ، وكرمه ، وشجاعته ، وحسن ضيافته ، فجزاه الله عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وعن دعوتهم خيراً ، وهيأ الله للدعاة ، والمظلومين ، والمهاجرين ، من أتباع هذه الدعوة ، من أمثال النجاشي إلى يوم الدين ….

ولعل من أبرز مظاهر نبله ما يلي :

1. استقبال الضيوف وإكرامهم ، قبل أن يعرف عنهم شيئاً :

لقد كان الكرم وحسن الضيافة ، سجية أصيلة في هذا الرجل .

ولذلك فقد استقبل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أرضه، وأكرمهم ، وأحسن جوارهم ، حتى قبل أن يعرفهم …

تقول أم سلمة رضي الله عنها : ( لما نزلنا أرض الحبشة ، جاورنا بها خير جار ، النجاشي ، أمنّا على ديننا ، وعبدنا الله لا نؤذى ، ولا نسمع شيئاً نكرهه) .  وبناءً على هذه المزايا التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعها عنه ، فقد اختاره واختار أرضه لتكون ملجأً لإخوانه ..

ولعل قصة تمليك النجاشي على الحبشة وما فيها من الدروس والعبر لم تكن بعيدة عن أهل مكة في تلك الأيام ، لأنهم عرب ، ويعشقون قصص البطولة والشهامة والنبل …

2. عدم تسليم الضيوف ، قبل أن يقابلهم ويسمع منهم :

ومن مظاهر نبله كذلك ، امتناعه عن تسليم المهاجرين المسلمين لعمرو بن العاص – على ما بينهما من الصداقة – وصاحبه ، قبل أن يقابلهم ، ويسمع منهم ، وهذا منتهى العدل والإنصاف ..

قالت أم سلمة : ( فغضب النجاشي ، ثم قال لبطارقته لاها الله،إذن لا أسلمهم إليهما (أي لوفد المشركين) ، ولا يكاد قوم جاوروني ، ونزلوا بلادي ، واختاروني على من سواي ، حتى أدعوهم فأسألهم)..

3. إكرام الضيوف ، وإحضارهم إلى بلاط الملك ، والسماع منهم، وإعطاؤهم الفرصة الكاملة ، وبمنتهى الحرية ، ليعبروا عن آرائهم حتى النهاية : 

أيُّ حاكم في الدنيا ، يتصرف بمثل هذا التواضع والنبل والشهامة ، فيصرف جزءاً من وقته ، ويدعو مجموعة من اللاجئين إلى قصره ، فيكرمهم ، ويستقبلهم ، ويسمع منهم ، بأدب ، وحسن إصغاء ، ويحاورهم ، ويعطيهم الفرصة كاملة ، للتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم، ويرفض تسليمهم لوشاية الوشاة . علماً بأنهم ليسوا وفداً دبلوماسياً، وليست لهم أية حصانة ، ولا يمثلون أية دولة أو حكومة .

بل على العكس تماماً ، إن الذي يطالب بهم هو الداهية المعروف ، عمرو بن العاص ، الذي تربطه بالنجاشي صداقة خاصة من جهة ، وهو يعتبر سفير وممثل مكة ، التي تربطها بالحبشة علاقات تجارية  من جهة أخرى .

وكان يكفيه أن يحيل ملف هذه القضية فور سماعها ، إلى أجهزة الأمن والمخابرات.  وهذا ما كان يتوقعه عمرو ويتمناه ، ولذلك فقد أجزل بالرشاوى للمسؤولين والمتنفذين في تلك الأجهزة .!

ولكنّ النجاشي باشر القضية بنفسه ، وتعامل معها بأسلوب يعد مفخرة من مفاخر العدل ، والإنصاف في التاريخ .

فجدير بطلاب المجد والعدالة ، من الحكام والمسؤولين ، أن يقتدوا به،ويتخلَّقوا بأخلاقه ، ويسيروا على نهجه .

وحري بأدعياء (الحرية) و (حقوق الإنسان) في العالم ، أن يدرسوه ، ويتمعنوه …

4. الاعتراف بالحق ، وعدم المكابرة :

من مظاهر نبل هذا الرجل رحمه الله ، أنه اعترف بالحق فور سماعه ولم يكابر. وهكذا يكون أصحاب العقول الراجحة ، والقلوب الصادقة،  والنفوس الرضية .

( إن هذا ، والذي جاء به عيسى ، ليخرج من مشكاة واحدة )..!

وهذا هو المتوقع من كل المخلصين والصادقين ، ممن يدعي اتّباع عيسى عليه السلام ، والسير على منهجه ..

ولما أعاد رسولا قريش الوشاية بالمسلمين ثانية ، لم يقبل وشايتهم أيضاً، حتى أعاد المسلمين إلى بلاطه ، وسمع منهم مرة أخرى …

ولقد اعترف بالحق كالعهد بأمثاله .

( فضرب النجاشي بيده إلى الأرض ، فأخذ منها عوداً ، ثم قال : والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود ) .

5. إصدار قانون ( أمر ملكي) بحماية الضيوف ، ومنحهم حق اللجوء السياسي :

ثم أصدر هذا الملك العادل ، قراره التاريخي ، بمنح اللجوء السياسي لهؤلاء المسلمين ، ومنحهم الأمن والأمان ، ومنع أي تعرض لهم ، أو إساءة إليهم : ( اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي (أي آمنون) من سبَّكم غرم ، من سبَّكم غرم ، من سبَّكم غرم ، ما أحب أن لي دَبْراً (أي جبلاً ) من ذهب ، وأني آذيت رجلاً منكم ).

6. رفض الرشــوة :

ومن مظاهر نبل النجاشي رحمه الله  ، أنه رفض أخذ الرشوة من رسولَيْ قريش وردَّهم بها ، وهذا يعكس خلقاً فاضلاً ، جدير بكل الحكام والمسؤولين ، أن يقتدوا به ، ويتعلموا منه …

7. الوفاء وعدم الغدر :

الوفاء شيمة من شيم الرجال الشجعان الأصلاء .

والغدر واحدة من أقبح الرذائل ، ولا يتصف بها إلا الجبناء الأنذال .!

ولقد تميز النجاشي رحمه الله بالوفاء …

فلم يغدر بالمسلمين لا قبل أن يعرفهم ، ولا بعدها …

وليقرأ الحكام في العالم هذه اللقطة التاريخية المشرقة :

قال ابن اسحق : اجتمعت الحبشة فقالوا للنجاشي : إنك فارقت ديننا ، وخرجوا عليه . فأرسل إلى جعفر وأصحابه الذين هم عنده في بلاده، فهيأ لهم سفناً ، وقال : اركبوا فيها وكونوا كما أنتم ، فان هُزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم ، وإن ظفرت ، فاثبتوا ..!!!

8. ثم توج كل هذه الشمائل بالإسلام :

فحاز على رضى الخلق ، وإحسان الخالق .

فرحمة الله عليه ورضوانه ، وجزاه الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم كل خير ، ورزق الله الأمة أمثاله …

رابعاً_  دروس في فقه الهجرة ، وأدب الغربة :

تلكم هي الدروس التي حصلنا عليها من آداب (المُضَيِّفْ) ..

فما هي الدروس المستقاة من آداب (الضُّيوف) في الغربة .!!؟

1.التمسك بالعقيدة ، والثبات على المبدأ :

لقد خرج المسلمون من مكة بعد أن أذاقهم المشركون أصنافاً من الأذى وألواناً من العذاب . ووصلوا إلى الحبشة بعد أن قطعوا الصحارى والبحار،  متجشمين في سفرهم هذا ، أعباء السفر والغربة، والبعد عن الأهل والوطن والأحباب.

وما إن وطئت أقدامهم أرض الحبشة ، وشعروا بدرجة من الأمن، والأمان ، والراحة ، حتى أرسلت قريش في طلبهم .!

والعودة إلى قريش ، معناها العودة إلى الموت .!

فما الذي تتوقعون من أمثال هؤلاء اللاجئين .!؟

ألا يفترض أن يلينوا ، ويترخصوا ، ويداروا غربتهم ، حتى يتجنبوا العودة بكل شكل وأية وسيلة .!؟

الجواب : نعم .. لو كانوا بشراً عاديين ، طلاب دنيا، أو ناشدي راحة واستقرار، أو لاجئين ، يبحثون عن فرص عمل في البلاد الأجنبية لتحسين وضعهم المعاشي.!

ولكننا هنا نتحدث عن (دعاة) و( أصحاب مبادئ) و (لاجئي فكر ) و ( أبناء دعوة ) و ( أهل عقيدة ) .. والوضع هنا يختلف تماماً .. فالعقيدة أولاً ، وكل شيء يأتي بعدها …

ألم يخرجوا من أجل العقيدة أصلاً .!؟ أفيخرجون من وطنهم من أجلها ، ويتنازلون في وطن الأحباش عنها.!؟ ولذلك فقد جاء عرضهم لعقيدتهم ومبادئهم ناصعاً كالشمس ، وراسخاً كالجبال .!

قالت أم سلمة : ( فلما جاءهم رسوله (أي رسول النجاشي) اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض : ما تقولون للرجل إذا جئتموه .!؟

قالوا : نقول والله ما علمنا ، وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم ، كائناً في ذلك ما هو كائن ) . هشام1 ( 335 )

ثم تكرر الموقف ، ولكن بشكل أكثر جدية وأكثر إحراجاً .

فالسؤال هذه المرة ، يمس عقيدة الملك ، وقيمه ، ونظامه .

ولكن العقيدة لا تحابي أحداً حتى الملوك .! 

قالت : فأرسل إليهم ليسألهم عنه ( أي عن عيسى بن مريم بعد الوشاية الثانية من عمرو ) . قالت : ولم ينزل بنا مثلُها قط .

فاجتمع القوم ، ثم قال بعضهم لبعض : ماذا تقولون في عيسى بن مريم إذا سألكم عنه .!؟ فكان نفس الجواب وبنفس الشموخ والرسوخ.   قالوا : نقول والله ، ما قال الله ، وما جاءنا به نبينا ، كائناً في ذلك ما هو كائن …!

2.المرونة في الوسيلة ، والبراعة الدبلوماسية في الأسلوب :

إن التدين لا يعني الغباء .!

وإن المبدئية لا تعني الصلافة والوقاحة ، أبداً .!!

بل على العكس تماماً ، فالإسلام يحث أبناءه على الكياسة والفطنة . ويأمر أتباعه بالسهولة واليسر .

وكلما أوغل المسلم في التدين ، ارتقى في سلم الأخلاق والفضائل ، وهذا هو جعفر بن أبى طالب ، فانظروه ماذا يفعل ..!؟

إنه ذلك الأعرابي القادم من أعماق الصحراء ، والذي يعترف هو بنفسه أنه كان إلى الأمس القريب ، يعبد الأصنام ، ويأكل الميتة ، ويأتي الفواحش .! فما باله اليوم ، يدوّخ الملوك ، ويعلم الأمم !!؟

من ذا الذي أعطاه هذه الحجة ، وعلمه هذا المنطق !!؟ 

إنها العقيدة ، وإنه الإسلام .. ذلك الدين الذي انتشل العرب من مستنقعات الجهل ، والضعف ، والتخلّف ، والتشرذم ، والغثائيّة .

وارتقى بهم إلى آفاق العلم ، والقوة ، والتقدّم ، والوحدة ، والعزّة ، والقيادة . ولن يعود للعرب دورهم في قيادة الأمم ، وترشيد الحياة ، وصنع التاريخ . ما لم يعودوا هم أولاً للتمسك بهذا الدين ، وتطبيق أحكامه ، والالتزام بنصوصه..

لقد استخدم جعفر رضي الله عنه في حواره أسلوباً بارعاً ، جمع فيه بين المبدئية والمرونة بشكل مدهش .!

فافتتح خطابه بعبارات التودد والتقرب .. ( أيها الملك) .

وعرض قضيتة باختصار غير مخل ، فتكلم عن النقلة الهائلة التي نقلهم إليها الإسلام . ثم عرّف كليات هذا الدين بكلمات معدودات . وركّز على المعاني التي يعشقها الملك شخصياً من هذا الدين :

( فدعانا إلى الله لنوحده ، ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ،  وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله وحده ، لا نشرك به شيئاً ، وحرّمنا ما حرّم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ).

ومدح السلطان بما هو أهله ، بلا إسفاف أو شطط .

وأثار فيه معاني الحمية والرجولة والشهامة ، التي هي أصلاً من سجاياه وفطرته ، ففجرها تفجيراً : ( أيها الملك ، خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك ) .

وانتهز الفرصة ، واستثمر المنبر ، للدعوة إلى ربه ، والطرق على الحديد الحامي ، وهذا هو دأب الداعية دوماً ، فهو يستثمر كل فرصة متاحة للدعوة إلى الإسلام ، والتعريف بهذا الدين …

فهذا يوسف عليه السلام … يستثمر حاجة السجناء إليه لتأويل أحلامهم ،  فيطرق على الحديد الحامي ، وينقلهم نقلة هائلة يدير بها رؤوسهم ، قبل أن يمكّنهم من الجواب الذي ينتظرونه .!

(( يا صاحبي السجن ، أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار.!؟ ما تعبدون من دونه إلا أسماءً سميتموها أنتم وآباؤكم ، ما أنزل الله بها من سلطان ، إن الحكم إلا لله ، أمر ألا تعبدوا إلا إياه ، ذلك الدين القيم ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون)) . يوسف (40) .

وهذا محمد صلى الله عليه وسلم ، يكلمه المشركون في الصلح والتفاهم ، فيحلّق بهم في آفاق الإسلام ، وينقلهم إلى قمم العقيدة …

(( ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ، ولا الشرف فيكم ، ولا الملك عليكم ، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً ، وأنزل علي كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً ، فبلغتكم رسالات ربي ، ونصحت لكم ، فان تقبلوا مني ما جئتكم به ، فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه علي ، أصبر لأمر الله ، حتى يحكم الله بيني وبينكم )) .

وهذا هو التلميذ النجيب ، جعفر رضي الله عنه ..

يعزف على نفس الأوتار ، ويحلّق في ذات الآفاق …

إنه داعية ، يبحث عن قاعدة آمنة لدعوته ، قبل أن يكون مجرد هارب ، فار بلحمه و دمه .. وأي داعية في الوجود ، هذا الذي يُبكي الملوك حتى تخضل لحاهم ، والأساقفة حتى يبللوا مصاحفهم.!؟

ويُسكرُ الناسَ ، لا بخمر هبُل ، ولكن بقرآن الله عز وجل .!؟ 

ولقد أثمرت هذه الدعوة المباركة أعظم الثمار ، فأسلم النجاشي رحمة الله عليه ، وفتح قلبه وأرضه للمسلمين، وأسلمت مجموعة كبيرة من أساقفته ، وهم الذين قدم بهم جعفر رضي الله عنه فيما بعد إلى مكة،  فقابلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدّقوه ، فأنزل الله فيهم قرآناً يتلى إلى يوم القيامة :(( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ، وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به،  إنه الحق من ربنا ، إنا كنا من قبله مسلمين ، أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ، ويدرؤون بالحسنة السيئة ، ومما رزقناهم ينفقون ، وإذا سمعـوا اللغو أعرضـوا عنه ، وقالوا لنا أعمالنا ، ولكـم أعمالكم ، سـلام عليكـم ، لا نبتغـي الجاهلين )) (القصص(54) .بوطي ص 130 رواه ابن اسحق ومقاتل  والطبراني عن سعيد بن جبير …

3.حسن أدب المهاجرين في غربتهم ، واحترامهم لوائح وقوانين البلد المضيّف ، وعدم التصرف بما يسيء إلى مضيّفيهم، والتفاعل مع الأحداث التي تهم البلد :

لقد كان أول خروج للمسلمين إلى الحبشة ، في رجب من السنة الخامسة للبعثة الشريفة . وكان آخر قدوم لهم ، في صفر من السنة السابعة للهجرة الشريفة . فيكون المسلمون قد مكثوا في الحبشة أكثر من خمسة عشر عاماً ، ولم يسجل لنا التاريخ حالة مخالفة واحدة ارتكبها المسلمون في بلاد المهجر ..

اللهم إلا حالة ارتداد نادرة الوقوع ، قام بها عبيد الله بن جحش .!

وهذا يعكس مدى الضبط والذوق والالتزام الذي كان يتمتع بـه المسلمون ..

 لم يُحرجوا الملك المسلم –الذي تعاون معهم وآواهم- أمام أساقفته وبطارقته ، لا بعباداتهم وشعائرهم الدينية ، ولا بعاداتهم ونشاطاتهم الاجتماعية .

بل على العكس ، كانوا متعاونين مع الدولة ، منسجمين معها ، يفرحون لفرحها ، ويحزنون لحزنها ، ويدعون الله لها بالنصر والتمكين على أعدائها …

تقول أم سلمة في روايتها لقصة التمرد التي حصلت في الدولة ضد النجاشي : ( فوالله إنا لعلى ذلك ، إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه ، قالت : فوالله ما علمتُنا حزنا حزناً قط ، كان أشد من حزن حزناه عند ذلك ) .

ولقد كانت فرحتهم غامرة يوم منَّ الله على النجاشي بالنصر على أعدائه ..

تقول أم سلمة رضي الله عنها ، وهي تصف فرحة البشرى بالنصر :

( فوالله إنا لعلى ذلك متوقعون لما هو كائن ، إذ طلع الزبير وهو يسعى ، فلمع بثوبه وهو يقول : ألا أبشروا ، فقد ظفر النجاشي ، وأهلك الله عدوه ، ومكّن له في بلاده ، قالت : فوالله ما علمتُنا فرحنا فرحة قط مثلها ) .

4.الطاعة ، والالتزام ، والتشاور ، ووحدة الصف والكلمة :

ما أروع الوحدة ، وما أحلى النظام ، والطاعة .!

وإذا كانت الوحدة مطلوبة في الوطن وبين الأهل والإخوان مرة،  فهي في بلاد الغربة والمهجر مطلوبة ألف مرة …!

وما أقبح الفرقة .! وما أشنع الشرذمة .!

وإذا كانت مرفوضة في الوطن مرة ، فهي مرفوضة في بلاد الهجرة والغربة ألف ألف مرة .!!!

قالت أم سلمة : فلما جاءهم رسوله، أي رسول النجاشي ،اجتمعوا .!

قالت : فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب ..

وقالت في مكان آخر : فأرسل إليهم الملك ليسألهم عنه ،أي المسيح عيسى بن مريم ، فاجتمع القوم …

اجتماع لكل طارئ ، ومشاورة في كل أمر ، وناطق رسمي يتحدث بأسم الجماعة .. أي نظام هذا.. وأي ضبط هذا .. وأي دين هذا .!؟

5.الوفـــاء :

الوفاء جزء لا يتجزأ من الإسلام ، وهو شيمة أصيلة من شيم العرب،  وفطرة راسخة في تكوينهم .

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نموذج الوفاء بين أصحابه. 

فقد قدم عليه وهو في مكة ، وفد نصارى الحبشة فقام يخدمهم بنفسه ، فقال له أصحابه ، يا رسول الله ، نحن نكفيك هذا الأمر ..

فقال : لا … لقد أكرموا إخواني ، وإني أحب أن أكافئهم .

ولما نُعي له النجاشي في العام التاسع للهجرة ، جمع الصحابة وصلّوا عليه في البقيع واستغفروا له . هشام1 (341 )

ولقد قيل : إن أبا نيزر مولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، كان ابناً للنجاشي نفسه ، وإن علياً وجده عند تاجر بمكة ، فاشتراه منه وأعتقه ، مكافأة لما صنع أبوه مع المسلمين ..

ولقد رأينا كيف كان حب الصحابة للنجاشي ووفاءهم له .

يفرحون لفرحه ، ويحزنون لحزنه .

ويدعون الله أن ينصره ، ويثبت ملكه …