عنصرية "اسرائيل" بالمظلة القانونية
مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني
لطالما تفاخر قادة دولة الاحتلال وبكل غرور وتبجح أن دولتهم هي واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، ولم يتركوا مناسبة ولا حدثاً إلا وأشاروا متفاخرين بأنّ "إسرائيل" ليست سوى حصن الحرية والعدالة وحقوق الإنسان في صحراء من الدكتاتوريات العربية، التي لم تشتهر بشيء مثل اشتهارها بالظلم والقمع وانتهاك الحريات وحقوق الإنسان، وفي المقابل يكاد يجمع النقاد والمتابعون للقضية الفلسطينية أن "إسرائيل" تمارس سياسة التمييز العنصري ضد الفلسطينيين وفي شتى مجالات الحياة، فلا يكاد جانب من جوانب الحياة اليومية يخلو من تمييزٍ عنصريٍ ضد الفلسطيني وممتلكاته وأرضه وثرواته لصالح الاحتلال ومستوطنيه.
ويعتبر المجال القانوني من أبرز المجالات التي يلمس فيها المراقبون والباحثون للشأن الفلسطيني ذلك، فدولة الاحتلال تسعى ومنذ قيامها إلى محاولة صبغ إجراءاتها التعسفية ضد المواطنين العرب بالصبغة القانونية، عبر سنها لقوانين وتشريعات سواء عبر الكنيست أو من خلال المحاكم العسكرية التي يخضع في الغالب لها الفلسطينيون أو من خلال ما ورثته من قوانين وأحكام جائرة عن الانتداب البريطاني.
والعنصرية في "إسرائيل" ليست وليدة اللحظة وهي غير مرتبطة بالتطورات السياسية والأمنية، بل إنها تتجذر في الوجدان اليهودي ويتشربها الأطفال منذ نعومة أظافرهم، وهي جزء من الثقافة العامة، حيث يقول الروائي الإسرائيلي سامي ميخائيل في كلمة ألقاها في جامعة حيفا تحت عنوان إسرائيل الدولة الأكثر عنصرية في العالم ونشرت في صحيفة هآرتس 26/6/2012:(دعونا لا نخدع أنفسنا، الثقافة والتربية في إسرائيل تبث مادة سامة ليست أٌقل من المادة السامة "للجماعات الإسلامية"، فنحن نطعم أطفالنا من رياض الأطفال حتى سن الشيخوخة الكراهية والشك والاشمئزاز من الآخر وتحديداً العرب والفلسطينيين)[1] لذا فإنه من الصعب جداً حصر أو تحديد المعطيات حول العنصرية الصهيونية في بحث أو دراسة فضلاً عن مقال أو تقرير صحفي.
في هذا المقال سنلقي بعض الضوء على دور القانون الإسرائيلي في الحرب العنصرية ضد الفلسطينيين، فدولة الاحتلال تسعى جاهدةً إلى قوننة العنصرية في إطار استهدافها للفلسطينيين ومعاداتهم، فإلى جانب تعميق سياسة التمييز العنصري ضد فلسطيني الداخل وتهويد المناطق المحتلة عام 67 وتضييق الخناق على أهلها، تبذل كل جهودها لشرعنة الاستيطان ومنح امتيازات للمستوطنين، ومن أبرز أمثلة الرعاية القضائية للعنصرية الصهيونية مؤخراً ما حدث في محاكمة الجندي قاتل الشهيد عبد الرحمن الشريف، فرغم توثيق الحادثة بالصوت والصورة والتي بينت أن الشريف كان ينزف دماً ولم يشكل أي خطورة تذكر حين تقدم منه الجندي القاتل، وأطلق رصاصة على رأسه، رغم ذلك فلائحة الاتهام التي وجهت له كانت القتل غير العمد، بينما ممكن أن تصل عقوبة فتى فلسطيني متهم بإلقاء الحجارة على جيب عسكري إلى عشرين عاماً.
ومن أبرز القوانين العنصرية التي أقرت خلال الدورة الحالية للكنيست قانون الإطعام القسري للأسرى المضربين عن الطعام، وتجريم راشقي الحجارة بعقوبات كبيرة هذا إلى جانب سن قوانين تنفي صفة الإرهاب عن المستوطنين، وتكتفي بتسمية جرائمهم بجرائم كراهية تخضع لنظام عقوبات مخفف وخاص.
وقد سن الكنيست الإسرائيلي ومنذ قيامه حتى اليوم ما يقارب 178 قانونا ومرسوماً خاصاً[2]، تركزت في مجملها لتحقيق أهداف عامة مثل الاستيلاء على الأراضي والبيوت والثروات الطبيعية وخاصة المياه وإلغاء حق العودة وضم القدس وتهويدها والسيطرة على الجولان، وصولاً إلى السنوات الأخيرة والتي تركزت فيها القوانين على التضييق على الفلسطينيين وحياتهم اليومية وحركتهم ونشاطهم إلى جانب المزيد من السيطرة على الأراضي والثروات مع زيادة كبيرة في توسيع الاستيطان وتهويد الأرض، ويبدو واضحاً أن الهدف الإستراتيجي من هذه القوانين، المقترحة في الغالب من أحزاب اليمين، هو منع إقامة كيان حقيقي للفلسطينيين وإبقائهم في كنتونات يسهل السيطرة عليها أو عزلها عن بعضها البعض.
ومنذ ربيع عام 2015 طرح الكنيست الإسرائيلي وحتى نهاية دورته الصيفية آب/ 2016، 82 قانوناً عنصرياً منها ما تم تشريعه نهائياً ومنها ما هو في الانتظار[3]، وحسب المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" فإن هذا الرقم يشكل ذروة جديدة في عدد القوانين العنصرية والمناهضة لحل الصراع[4] كونها تحرم الفلسطينيين معظم حقوقهم زوراً وبهتاناً باسم القانون.
وتشهد الفترة الحالية استمرار مسلسل سن القوانين العنصرية من خلال طرح الأحزاب والكتل البرلمانية لمشاريع قوانين منها ما هو في مرحلة القراءة التمهيدية، أو الأولى أو ما هو في طور الصياغة ويسعى بعض هذه القوانين إلى فرض السيادة على الضفة الغربية وتهويد القدس أكثر فأكثر، وتقليل الوجود الفلسطيني فيها إلى جانب مجموعة من القوانين التي تستهدف عرف 48 عبر سياسات الهدم والتهجير وحصر البناء في المدن والقرى العربية.
فإلى جانب قانون الإطعام القسري للأسرى المضربين عن الطعام تم إقرار قانون الإقصاء ضد النواب المتهمين بالتحريض، وهو موجه بالأساس ضد النواب العرب إلى جانب إقرار قانون رفع عقوبة إلقاء الحجارة لتصل إلى عشرين عاماً، إضافة إلى سن قانون إدانة من هم دون 14 عاماً والذي تم سنه خصيصاً بعد اعتقال الطفل أحمد مناصرة.
ويرى الباحث المختص في الشأن الفلسطيني برهوم جرايسي[5] أن من بين القوانين المدرجة على جدول أعمال الكنيست خلال دورته الحالية 50 قانوناً عنصرياً من بينها 16 قانون تدعوا إلى إخضاع الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية وقانونان اثنان يستهدفان المساجد والكنائس وآخر يدعو للسماح لليهود بالصلاة في الأقصى.
ان هذا الكم الكبير من القوانين العنصرية يعبر عن الفكر الصهيوني العنصري الذي يواصل تسارعه بمنحى تصاعدي واضح المعالم ، وهو يعبر أيضاً عن حالة قلق دفين تعيشه الحركة الصهيونية التي لجأت إلى قوننة سياسات عنصرية من أجل استمرارية المشروع الصهيوني المسمى (إسرائيل)، فيوم أمس تم اقرار قانون تخفيض مدة محكومية الاسرى في السجون الاسرائيلية بسبب الاكتظاظ الموجود في المعتقلات، ورغم ان الحديث يدور عن بضعة اشهر من اصل فترات اعتقال طويله الا انه تم استثناء الاسرى الفلسطينيين من ذلك. وفي اثناء كتابة هذه الاسطر يجري اقرار مسودة قانون اعدام الاسرى الفلسطينيين المتهمين بقتل اسرائيليين في الوقت الذي يتمتع فيه قاتلي الاطفال الفلسطينيين بظروف اعتقال فندقيه واحكام مخففه للغاية.
ومنذ فتره وجيزه تم اقرار قانون القوميه الشهير ليشكل ذروة العنصريه وتجاوز كل معايير الديمقراطيه وحقوق المواطنة، لما يحويه من تمييز ضد المواطنين العرض ويمهد لاستهدافهم بل وحتى لطردهم وسلبهم ممتلكاتهم وارض اجدادهم لابسط الاسباب .
ويأتي هذا التسارع في تشريع وقوننة العنصرية ضد الفلسطينيين في ظل تحولات إقليمية تشهدها المنطقة وحروب واضطرابات داخلية في الدول العربية، ما يجعل الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية أقل من المفروض، إلى جانب تقارب كبير يصل أحيانا حد التحالف بين تل أبيب وبعض العواصم العربية إضافة إلى عجز واضح من جانب السلطة الفلسطينية وعدم استثمارها لعضويتها في الأمم المتحدة في ملاحقة إسرائيل لدى المحاكم الدولية، الأمر الذي أدى إلى وقوف الشعب الفلسطيني الأعزل وحيداً في مواجهة الصلف والعنصرية الصهيونية.
وسوم: العدد 798