الأمَّةُ ... وانفراجُ الغُمَّة
مما لاشكَّ فيه أن المخاطر والرزايا التي تجتاح العالم الإسلامي ــ اليوم ــ تبعث القلق في نفوس المسلمين ، وخصوصا بعد بدء انهيار الأنظمة العلمانية التي لم تحكم بما أنزل ربُّ هذه الأمة عليها من وحي ، فلا بدَّ أيضا ــ وكما هو حاصل ــ من ثورة مضادة من العبثيين الذين يطمعون بغنيمة تناسب قدراتهم في هذه الأجواء ، أو الذين خسروا مواقعهم أيام حكم الطغاة ،ففي تعنت هؤلاء وسفههم تختلط الأمور على بعض الجهلة والغافلين... وهاهي عربدات ــ نعم عربدات ــ هؤلاء الموبوءة بالشر والمكر تحشد قوة الإعلام الخسيس ، وقوة الدسائس والمؤامرات ، وقوة مايريدونه للأمة من تفلُّت وفوضى ، ففي التفلت والفوضى ترتع هذه النخب من أصحاب المشأمة في الدنيا والآخرة ،أهل السلوك المنحرف ، وهؤلاء لن يُفلحوا أبدا ، لأن الفلاح في الدنيا والآخرة يكون بتقوى الله تعالى ،بكل ماتحمل مزايا التقوى من عقيدة وسلوك ، يقول الله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين ) 83 / القصص .إنَّ باطلهم ستنهار صروحه الاصطناعية ، وسيجرفه طوفان التغيير الذي ماعاد يعبأ بأي قوة أرضية تحارب الإسلام ، مع يقيننا أن أهل التفلت الفوضى هؤلاء مرتبطون بأطراف معادية للأمة ولدينها ولمستقبلها ، وهم الذين يبثون الفتن ، ويختلقون المشاكل رغبة في تدخل الأعداء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، من خلال مانلمسه من مقايضات وصفقات بين أطراف أهل المصالح رغم مابينهم من مماحكات . رغبة منهم في القضاء على المدِّ الإسلامي المهيمن على ملامح التغيير الجوهري في مسيرة الصحوة الإسلامية المباركة . ومؤامراتهم خائبة ــ بمشيئة الله ــ ولن تضرَّ الأمةَ ، وإن أحدثت شيئا من البلبلة عند بعض الناس ، ولابدَّ من ثبات المدِّ الإسلامي وحكمته، والاستعانة بالله سبحانه وتعالى ، باللجوء إلى عفوه ورحمته وقدرته ، والأخذ بأسباب النصر ، ولن يجعل الله للكافرين المذمومين على المؤمنين سبيلا : (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين ) 128 / الأعراف ، ومهما عربد هؤلاء المذمومون فلن تفلح عربداتهم الشيطانية ، ولن تجديهم مجاهرتهم بالمعاصي .( ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ) ، ودعوة هؤلاء العصاة لم تكن إلا للشهوات النفسية ، والميول الشيطانية ، فدعواهم لِما يُسمَّى بالديمقراطية وتحرير المرأة والحرية المزيفة التي جربها الطغاة على الشعوب التي كفرت بها وانتفضت عليها ... من المصطلحات المطبوخة أصلا وراء كواليس العداوة للإسلام لتقويض أركانه ، إنما هي دعاوى رخيصة لاقيمة لها في حياة الأمة ، ويحاول أعداء الأمة من خلالها أن يبعدوا الأمة عن مناهج مجدها وعزها ، ومرة أخرى لن تفلح هذه النخب في جرِّ الناس إلى أهوائهم ، فالأمة مازالت وستبقى درعا لهذا الدين العظيم الذي أراده الله لها : ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم * والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما * يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ) . لقد استهدف الطغاة المجرمون والجناة المترهلون هذا الإسلام منذ عقود ، وحاولوا تشويه صورة أهله الأبرار ، معتمدين على مالديهم من قوة بوليسية إجرامية ، ولقد صبر الأوفياء لهذا الدين حتى أَذِنَ الله بالفرج : ( اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين ) 128 / الأعراف ، وكانت العاقبة لهم بفضل الله وتوفيقه : ( فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ) وتبقى العاقبة الصالحة المباركة لأهل الصبر والاحتساب ، الذين جاهدوا وجالدوا أعداء الإسلام وهم يرددون : ( رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) 250 / البقرة ، لقد حرسوا عقيدة الأمة ، وصانوا أسباب عزتها ونهوضها ، وكان حياتهم بما فيها من تضحيات جليلة ومآثر سامية ... صفحات مشرقة تنطق بالهدى والحق ، ومنارات توعية ، فضحت الخيانات ، وكشفت ماوراء المؤامرات ، وما تاه ركبُ المجاهدين في ظلمات القهر والاستبداد ، وليس للأوفياء المخلصين من ضياع بفضل الله : ( إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ) ، وهذه المعية الربانية مكَّنت المجاهدين من الصبر على الأذى والضيق:(ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين). ولم تزل الدوائر تضيق على أعداء الإسلام ، وتضمحل قواهم الظالمة ، وتتبدد جموعهم التائهة ، فمنهم مَن هربَ ، ومنهم لاذ بالتبار والخسران:( فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ) ، ولقد مرت العقود الستة الأخيرة وأهل الدعوة الإسلامية في مرمى الطغاة الجناة ، حيث القتل والسجن والتشريد والترهيب ، ولكنهم ثبتوا وصبروا واستعانوا بالله ، مستجيبين لنداء الله تبارك وتعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ ) 45/ الأنفال .
إنها الفئة التي نصَّبت نفسها لمحاربة الإسلام وأهله ، تلك الفئة الظالمة الباغية ذات جذور وامتداد في أشخاصها وفي أفكارها وفي مراميها ، وقد تتلوَّن كالحرباء حسب الظروف الزمانية والبيئية ، ولا تنأى حملتُها الطاغية الباغية عن تيار التغريب بكل مايحمل هذا التيار من أوساخ اجتماعية وثقافية ، بغرض إلقاء الأمة الإسلامية في مستنقع الفساد والفجور ، لطمس معالم الصور المشرقة في أمتنا وتاريخنا ومحدنا العظيم ، وإننا لنعجب من أبناء جلدتنا الذين حملوا هذا الفساد على ظهورهم ، ولا يزال أتباعهم يلهثون لِما أصابهم من الإعياء ومن العار . فالطهطاوي والتونسي اللذان تفرنسا بأفكارهما الباريسية ، وطه حسين أعمى القلب تلميذ المستشرق ( دور كايم ) وما في أفكاره المسمومة من ضلالات يجدها القارئ في كتابه الشعر الجاهلي وفي كتابه العقيم الآخر مستقبل الثقافة في مصر ، ولم يختلف هؤلاء وأمثالهم من المرتدين عن أفكار ودسائس مفكري الغرب الصليبي أمثال لورانس براون الذي يقول صراحة : ( إن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام وفي قدرته على التوسع والإخضاع وفي حيويته. إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمارالغربي ) . ولا نعجب من هذا البيان في حق هؤلاء الضَّالين ، فعداوتهم للإسلام لاتخفى على أحد ، ولا يغرَّن الجاهلين مايدبجون من أقوال جوفاء عن الإسلام ، كقولهم إسلام معتدل وإسلام متعصب وإسلام متطرف... إلى آخر مافي هذه حقيبة الخبث والحقد من عبارات وأوصاف ،وليس أصدق من قول الله الذي خلقهم : ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) ، وهذه أطماعهم ورغباتهم إنهم يريدون القضاء على الإسلام جملة وتفصيلا ، قرآنا وسُنَّةً ، ويريدون أن نتبع أهواءَهم وتغرق الأمة في بحار الفجور والسفور والفساد والإلحاد : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) ، ويريدون أن نعيش الشر والبؤس والاضطراب ، ليأكلوا هم خيرات بلادنا وثمراتها : ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ) ، إنها حرب ستبقى إلى آخر عمر هذه الحياة الدنيا ، ويكذب على الأمة كل مَن يدعو إلى السلام ، فأي سلام والصهاينة يحتلون فلسطين بحماية الدول الصليبية ، وأي سلام ونيرن قنابلهم أحرقت الآلاف من المسلمين : ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) :
هو الغربُ للشرقِ منذ القديمْ فلا تأمنَنْ خبثَهم ، إنَّهم يقودُ هواهم إلى حربِنا ومنهم صهاينةٌ أُشرِبوا ولانتْ لهم من بني جنسنا فيا أمَّتي هيِّئي للجهاد عدوٌّ مبينٌ ، وذئبٌ غشومْ يُعدُّون للغدرِ أعتى السمومْ عتاةُ الصليبِ : زنيمٌ لئيمْ عداوةَ أهلِ الحنيفِ الكريمْ ثعالبُ مكرٍ بوجهٍ خصيمْ كتائبَ تحيي الفخارَ العظيمْ
تحتاج الأمة اليوم إلى الصبر ، وإلى الثبات على المنهج الإسلامي الرباني ، لأن الأعداء تداعوا عليها من كل جانب ، بالحرب الظالمة على عامة المسلمين ، بالدبلوماسية الخسيسة التي بدَّدت ماكان يُسمَّى بالشفافية والصدق في التعاطي مع الأحداث ( أي المؤامرات ) ، وبهذه الفوضى الخبيثة التي أنتجتها مخططات المخربين الموتورين الفاشلين المطرودين من قلوب أبناء الأمة ، وبهذه الصرعات الصبيانية المتفلتة ممَّن يُسمون بالشبيحة والبلاك بلوك والبلطجية وغيرهم من عديمي الضمائر والإنسانية ... هؤلاء وأسيادهم أساؤوا للأمة ولثورتها ، وأعمالهم ليست مرتجلة ، وإنما هي نتيجة مخططات إرهابية ماسونية صليبية مدروسة ، لإشاعة الاضطرابات وبث الفتن في مجتمعاتنا الإسلامية ، وزرع بؤر التشويش في بلاد المسلمين ، وتشغيل غرف التآمر من خلال الخطوط الساخنة ، والبريد الممتاز السريع . كل ذلك لتشويه الآمال المشرقة في وجه الأمة ، ولتجميل دهاليز الخيانة والإجرام ، في محاولات يائسة ــ بمشيئة الله ــ ليضعوا الأمة أمام حزمة من الأحداث غير محسوبة النتائج . ولقد نسي هؤلاء الأشرار ــ أخزاهم الله ــ أن الله من ورائهم محيط ، وأنهم يمكرون ويكيدون ، ويمكر الله والله خير الماكرين ، وما على الأمة إلا الصبر والثبات فجولة الباطل مبتورة مشؤومة ، وجولة الحق مؤيدة من الله منصورة :( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون * وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) ويقول الله تعالى : ( وكان حقاً علينا نصر المؤمنين ) . إن الحرب المعلنة عالميا على الأمة ستخمد نارُها ، وينطفئ أوارها ، ولسوف يُخذل جندها ، والنصر للأمة المسلمة مهما كانت الأهوال ، وصدق الخالق البارئ جلَّ وعلا : ( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ) ، وستنفرج هذه الغُمَّة بحول الله ، حيث اطمأنت النفوس وأنست بربها ، وثبتت أقدام أبنائها في ميادين الاستشهاد ، وبرهنوا على أنهم جند مُحَمَّدِ بن عبدالله صلى الله عليه وسلم : ( وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) 146/147/148 / آل عمران .
وسوم: العدد 798