الصراع يشتد بين الإصلاحيين والمحافظين والسلطة القضائية تتوعد

ما هو مستقبل النظام السياسي الحالي في إيران؟ وما معزى  الصراع الدائر في بين المحافظين والإصلاحيين في هذا التوقيت العصيب الذي تمر به  إيران ، ودلالته وأهدافه؟

يكتسب ما يجري في  إيران هذه المرة أهمية خاصة، لبروز صراعات ومنافسات واضحة وتناحر غير مسبوق بين  التيارات الرئيسية في إيران، والتي يمكن اختصارها في تياري الإصلاحيين والمحافظين، حيث يسعى المحافظون لتأكيد  هيمنتهم مجدداً على جميع مفاصل الدولة ، والسعي ليس من أجل تحجيم نفوذ الإصلاحيين، بل تقييد  ممارسة سلطاتهم بحرية ، وإقصاء وزرائهم  المهمين عن المشهد السياسي تباعاً  .

بدأت الصراعات السياسية تتخذ شكلا جديدا في الداخل الإيراني، من خلال موجة جديدة من الاستجوابات ضد حكومة “روحاني”؛ سوف تشمل هذه المرة  وزراء العلوم والزراعة والطرق ، بعد الإطاحة بوزير العمل الذي غدا بلا عمل على حد زعم رواد التواصل الاجتماعي ، إلى جانب إقصاء وزير الاقتصاد الذي شكل ضربة قوية لحكومة روحاني .

على مدار الـثلاث والعشرين  يومًا التي أعقبت فترة الوجبة الثانية من العقوبات الأميركية ؛ أسدل فصل جديد عن مرحلة  من التناحر السياسي ، وعجت بالعديد من الصراعات السياسية بين التيارات وأجنحة ومراكز صنع القرار.

خلف الكواليس كان يدور تسابق حاد يسعى للإطاحة إلى الرئيس روحاني نفسه ، وتوجيه تهديدات مبطنة بأنه سيلقى نفس مصير ” هاشمي رفسنجاني ” في حال الخروج عن قواعد اللعبة السياسية ، في إشارة واضحة إلى خطورة مسايرة الخط الأميركي الساعي إلى تنصيب ” حسن روحاني ” في منصب الإرشاد  .

 من ناحية ابتز التيار المحافظ  “روحاني” من خلال محاولات  تقييد حركته من خلال تجريده من النصيب الأكبر من الحقائب الوزارية  الحيوية ، عبر تقديم نوابه طلبات استجواب ، فضلا عن القيود والضغوط التي بدأت  تمارس من جانب  المتشددين المهيمنين على السلطة القضائية ، وكان ذلك نتيجة لشعور هذا التيار بفقدان السيطرة على حكة جماهير  الشارع الإيراني ،  الماضية  بعزم في الاحتجاج والتظاهر لغاية اللحظة ، بحيث بات  صورة  التوتر هو سيد الموقف في كل ما يجري .

وبعد كل هذه الضربات، يبدو أن  التيار المحافظ لم يجد بد من خلال  إحداث تغيرات جذرية،  ومحاولة تحميل مسئولية ما يجري إلى حكومة ” روحاني ” ، والسعي لعزلهم عبر بوابة مجلس الشورى ، وإشغال الرأي العام عن ما يسمى بفكرة هيمنة المحافظين وأذرعهم عن مفاصل الدولة ، وهو ما يحاول ” روحاني ” وحكومته إظهاره للشارع الغاضب على امتداد الجغرافيا الإيرانية .

وهنا بدت محاولة  الجناح المحافظ في  اقتناص  فرصة  الانقضاض على أداء الوزارات الاقتصادية ، بهدف إعادة تحويل أنظار  الشارع الإيراني عن عمق المأساة التي تعيشها إيران  ، أما التيار الإصلاحي فقد عبرت كوادره عن مخاوفها  العميقة  من عملية استهداف الحكومة ورموز الإصلاحيين ، وفي مقدمتهم الرئيس  “روحانى”  الذي بات يفتقد الدعم القوي له بعد غياب ” رفسنجاني ” ، و هو من ساند الرئيس المعتدل في مشواره السياسي خلال الخمسة  سنوات الماضية،  وتم ابراق  رسائل مبطنة لروحانى ، تُحذره من عواقب تصريحات بعض رموز حكومته  ، حيث تجلت تلك الرسائل بشكل واضح عقب  تصريحات وزير الخارجية محمد جواد ظريف  الذي تحدث عن عمليات ممنهجة لغسيل الأموال في إيران ، ما أدى إلى  حدوث ضجة واسعة إستدعت طرح مشروع استجوابه ،  حيث  تم تحويل هذا الطلب  إلى رئاسة مجلس الشورى ، وسيتم دراسته في يوم الأحد القادم في اجتماع لجنة الأمن القومي. وبحسب “محمد مهدي زاهدي”، وهو عضو في لجنة التعليم والبحوث البرلمانية، فإن 45 برلمانيا وقعوا على  هذا المشروع ، مع دمج مشروع استجواب مشروع استجواب وزراء الخارجية والعلوم والأبحاث والزراعة معاً في عدة مواضيع مختلفة؟ .

ما يجري من تطورات درماتيكية متسارعة  يشير إلى محاولة الجناح المحافظ تحقيق جملة من الأهداف ؛ وفي مقدمتها حرف أنظار الشارع عن عمق الأزمة  التي باتت تعيشها إيران ، إضافة إلى محاولة إضعاف الرئيس روحاني أمام  الرأي العام ، وتحميله مسئولية ما يجري ؛ دعونا  هنا لا ننسى نقطة أخرى؛  أنه وبعد سنة من الآن  ستقام الانتخابات البرلمانية؛ بطبيعة الحال سيسعى  نواب  الجناح المحافظ لتحقيق شعبية  تخدم مصالحهم الخاصة. لكن هناك اختلافات بين استجواب الوزراء الثلاثة؛ ففي حالة “ظريف”، هناك  مغزى  سياسي وراء ذلك ، وهو إضعاف هامش التحرك أمام سياسة روحاني الخارجية ، وعدم إتاحة الفرصة أمامه لتحقيق أية مكاسب سياسية للحد من العقوبات الدولية قد تكون على حساب الجناح المحافظ ، لكن دعونا لا ننسى أن عزل “ظريف” ليس سهلا هذه المرة  ، حيث دخلت المرجعية الدينية على خط الأزمة أول من أمس  من خلال تصريحات لافته  لآية الله “مكارم شيرازي”  ، التي انتقد فيها السلطات بشدة  بسبب استجواب الوزراء ، وأصر على أن الحكومة لا يجب أن تخضع لأي  ضغوط أو املاءات في ظل هذه الظروف الحساسة والدقيقة ، وهذا تحذير مهم للغاية من جانب المرجعية الدينية.

السلطة القضائية  بدورها دخلت على الخط بقوة  ، حيث  طلبت من وزير الخارجية  “ظريف” توثيق مزاعمه حول  عملية غسيل الأموال،  وشبه “صادق أمالي لاريجاني”، رئيس السلطة القضائية، “ظريف” بالخنجر في قلب النظام ، وفي حال لم يستطع تقديم دلائل على صحة إدعائه سيتم اتخاذ إجراءات عقابية غير مسبوقة  ضده .

اللافت فيما يجري أن  حكومة روحاني باتت تتحمل تبعات  أخطاء  المؤسسات الثورية ، حيث خصصت حكومة روحاني 30 تريليون تومان لدفع ديون ست مؤسسات مالية وائتمانية للمودعين؛ وهي مؤسسات يقول البنك المركزي إنها غير مصرح بها.اختفى على الأقل 30 تريليون تومان من ودائع المواطنين بينهم، وتم توجيه الاتهام إلى  تورط عدد من  المسئولين ، من ضمنهم مقربين من المرشد والحرس الثوري ، مما أثار الكثير من التساؤلات  .

المثير أن هناك حشد يسعى إلى الإطاحة   بوزير الخارجية  “ظريف”  وحجب الثقة عنه ، والرسالة طبعاً للرئيس روحاني ومن خلفه الجناح الاصلاحي ،  لكن الأهم أن  رحيل وزير الخارجية   هو أمر صعب للغاية في هذا التوقيت الدقيق ، وهو موضوع  مختلف عن الوزيرين الآخرين، لكن السؤال  المطروح حاليا هو: إلى أي مدى ستساعد هذه الاستجوابات  حكومة “روحاني” للخروج من الأزمة الطاحنة التي تعيشها إيران  ؟  وهل هناك جدية حقيقية في مساعدته ؟ .

في استجوابات المرة السابقة، عندما تم استجواب الوزراء الثلاثة وعزلهم ، رأينا أنها أثرت  بشكل كبير على أداء الحكومة ، فيما يتعلق بوزير الاقتصاد الذي تم استجوابه وأطيح به؛ وفي حالة وزير العمل “ربيعي”، ثم “أخوندي”، وزير الطرق والتنمية الحضرية، الذي تم استجوابه  لكنه استقال بنفسه، ، كل ما جرى  غير في  نوعية  التركيبة الاقتصادية للدولة، وألقى بتداعياته السلبية على إيران  ،  لكن دعونا لا ننسى أن الدولة الإيرانية باتت تعيش ظروف معقدة غير مسبوقة عنوانها ” الشلل الكامل ” وعدم القدرة على التكيف مع الظروف والمتغيرات  المعقدة على الصعيدين الداخلي والخارجي  والمرشحة إلى مزيد من التصعيد ، الأمر الذي ينذر معه بخروج الأمور عن السيطرة ، مع الدعايات المحمومة على وسائل التواصل الاجتماعي عن اختفاء عدد من المسئولين السابقين وخروجهم من إيران طلباً للجوء السياسي  في أوروبا .

وسوم: العدد 801