فِتْنَةُ المُصْطَلَحَاتِ .. وَ هَرْطَقَةُ الغُلاةِ -30 ( الاحتِبَاسُ في خَانَةِ الصِّفْرِ)
قلتُ ذات مرة:( أنَّ مِنْ مَفاخرِ أمتنِا أنَّها اخترعت رَقمَ الصِّفْرِ.. ومنْ مآسيها اليومَ أنَّ بَعضاً مِنْ أبنَائها يُريدون لَها الاحتباس في خَانَةِ الصِّفْرِ) وقلتُ هذا للحالة المزرية المخجلة المتكررة في أوساطِنَا العلميَّة والفكريَّة والثقافيَّة والتقنيَّةِ ..ألا وهي: حِرْصُ البَعْضِ مِنَّا على الانطلاق من حالة الصِّفْرِ فيما يُفكرونُ ويَصنعُون .. دون محاولة الاستفادة ممن سبقوهم فيما فكروا وبادروا وعملوا وأنجزوا.. وهكذا تستمرُ الأمة في اجترارِ أعمالَها مِنْ غير تجديدٍ ولا تنقيحٍ ولا تطويرٍ ..ومن غير ابتكار ولا إبداع.. وتمضي احالةُ هدر الأوقات وإضاعة الجهود فيما هو مكرور وربما يسئ لما كان ؟! وهكذا تبقى الأمة تدور في حلقة مغلقة يتكرر معها الفشل والجمود والتخلف .. وتُقْتَلُ بها الطموحاتُ وتُغتالُ الآمالُ وتتجذرُ أسباب الضعف والتخلف في ميادين التقدم والارتقاء .. وتتعالى الأصوات ويزداد الصراخ والتذمر مِنْ مَآسي أحوالنا على شتى الصُعْد .. نسبُ الآخر ونتهمُه بالتآمرِ علينا وأنَّه هو وراء كُلِّ ما نعانيه منْ كوارث الجهل والضياع.. ولو أنصفنا وتعقلنا لقال قائلنا: أنَّ بَعضنَا مِمنْ يُصرون على انتهاجِ ثقافة تعظيَّم الذات وأفعال الذات وما تأتي به الذات (أهل الاحتباس في خانة الصفر) لهم بكلِّ تأكيد المتآمِرُ الأكبَرُ والأخطَرُ على حاضر أمتنا ومستقبلها.. وأنْ لا نجاة ولا خروج لنا من هذا النفق المظلم المدمر إلاَّ بالتكامُلِ والتعاونِ والتنافُسِ في ميادين الابتكار والأبداع والارتقاء .. والله تعالى المستعان.. وبهده الرسالة أختم بحمد الله تعالى سلسلة رسائل (فتنة المصطلحات .. وهرطقة الغلاة) مع الـتأكيد: أنَّ ما جاء فيها من خير وصواب فهو من فضل الله تعالى وتسديده ..وما جاء فيها مِنْ خطأ وزلل فذاك من بشريَّتيِّ الخطّاءة التي يُؤخذُ مِنْها ويُرَّدُ ..وصلى الله تعالى وسلم على نبينا ورسولنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيته وصحبه.
وسوم: العدد 805