ممثلون و الإبداع بالرقص على أجساد الشعوب
لا زلت أتذكر أحد أساتذتنا في الجامعة، حين قال على هامش محاضرتنا الهندسية: “إذا أردت أن تصبح إنساناً ذا شهرة و مال، ما عليك إلا التحلي برصيد وافر من النفاق و التفاهة و قلة الضمير و الشرف”، في إشارة خفية من الدكتور المحاضر إلى زمرة الفنانين والممثلين، مقارناً حياته وحياة زملائه الذين يحملون أعلى الشهادات العلمية في البؤس والفقر، بأولئك الذين لا يملكون رصيداً إلا مما ذكره الدكتور، على حد تعبيره، الذين يتربعون في الهرم الأعلى للمجتمع من الشهرة والجاه والمال.
تقول الحكاية إن مسافراً برفقة زوجته كانا يتجولان في منطقة خالية من السكان وقعا في قبضة مجموعة من اللصوص. أخذ اللصوص ما في حوزتهم من المال ثم أرادوا قتلهما. و بعد توسلات كثيرة قال اللصوص للرجل: “سنطلق سراحكما شرط أن ترقص زوجتك أمامنا”. لم يكن أمام الرجل خيار آخر كي ينجوا من الموت، فأمر زوجته بالرقص أمامهم.
وبالفعل، بعدما رقصت الزوجة أمام الجميع، وفى اللصوص بوعدهم وأطلقا سبيلهما. تابع الرجل و زوجته سيرهما، إلا أن علامات غضب شديدة كانت تبدو على ملامح الزوج، قالت له زوجته: “ما بالك غاضب و أنا لم أفعل إلا ما أمرتني به؟” قال الزوج: “أغضبني أنك أبدعت في الرقص أمام أولئك”. الحقيقة التي اكتشفها أستاذنا لم تكن مكتملة، واليوم بعد سنوات الثورة تجلت تلك الحقيقة بشكل أوضح بكثير مما اكتشفه “محاضرنا” المحترم في ذلك الوقت، فقلة الشرف و الضمير وكثرة الميوعة والفجور ليست كافية لدخول عوالم الشهرة والمال والسلطة. الأهم من هذا و ذاك أن تمتلك موهبة حقيقية في التمثيل والإبداع في الرقص.
اكتشفنا أن المنتمين إلى الشريحة التي نوه إليها أستاذنا الجامعي و المتمثلة في دريد لحام، بطل مسرحية “كاسك يا وطن”، وعباس نوري، بطل مسلسل “باب الحارة”، ومن على شاكلتهما من الممثلين والفنانين، ليسوا سوى ممثلين صغار، وهم الأقل خبرة في عالم التمثيل والإبداع في الرقص.
فبعد أن أدهشنا الممثل الشيخ أحمد الحسون، والممثل الشيخ البوطي، في دور رجال وعلماء الدين، وإبداعهم في الرقص على منابر رسول الله صلى الله عليه و سلم، و أدهشنا محمود قول أغاسي (أبو القعقاع)، والبغدادي والجولاني في أدوارهم كمجاهدين في سبيل الله، وإبداعهم في الرقص بلحاهم الطويلة و أثوابهم القصيرة، و أدهشنا هيثم مناع وحسن عبد العظيم في إبداعهم في الرقص في دور السياسي المعارض، وأدهشنا أدونيس في إبداعه في الرقص في ساحة الشعر الحر ،حيث يعيش بالقرب من شارع الشانزيليزيه، و أدهشنا ….و أدهشنا، لم تتوقف المهارات الفنية عند هذا الحد، فبشار الأسد و زمرته كانوا الأكثر إبداعاً في التمثيل والرقص على مسرح المقاومة والممانعة، واستحقوا دور البطولة، والدعم اللامحدود الذي قدمته لهم منظمة الأمم في التمثيل والإبداع الدولي في الرقص.
وإذا كان الممثل العادي يبدع في الرقص على خشبة المسرح وأمام الكاميرات، فإن هؤلاء أبدعوا في الرقص فوق جثثنا وأشلاء أطفالنا. واذا كانت تلك المرأة قد أبدعت في الرقص لتنقذ حياتها وحياة زوجها ـ رغم أن تلك ليست وظيفتهاـ فإن هؤلاء أبدعوا في الرقص من أجل موتنا وحياة من قتل أهلنا و دمر بلادنا. والذي تجلى و انكشف أكثر وأكثر بعد ثورات الربيع العربي، أن كل من نشاهدهم من رجالات السياسة والإعلام والدين والاقتصاد والأدب على امتداد الساحة العربية ليسوا سوى ممثلين مبدعين في الرقص، إلا من رحم ربي، وأن الوطن العربي ما هو إلا مسرح كبير واقعي مخصص للتمثيل والإبداع في الرقص على مستوى العالم بأكمله.
وسوم: العدد 805